بعيد القصف الجورجي لتسخينفالي قدرت المصادر الروسية عدد الضحايا بألفي قتيل. وأحصي عدد الجرحى في المستشفيات المحلية فبلغ بضع مئات. وعلى رغم ذلك بقي رقم الألفي قتيل معتمداً في البلاغات الروسية. وجرت العادة، في ضوء الخبرة العسكرية، على احتساب عدد القتلى قياساً على عدد الجرحى بواحد الى ثلاثة. ومع ألفي قتيل، يجب ألاً يقل عدد الجرحى عن ستة آلاف. ولكن تبين، في نهاية الأسبوع، ان مشرحة مستشفى المدينة في تسخينفالي حيث نقلت الجثث، استقبلت 44 جثة الى 4 آخرين توفوا متأثرين بجراحهم. ولنفترض ان بعض الجثث لا تزال تحت الانقاض، فمن الواضح أن الارقام لن تتغير كثيراً. وهذه الحقيقة لا تغيّر هول المأساة. فليس من شأن حماقة السلطة الرسمية الا تعزيز موقف ساكاشفيلي المغامر، واتاحة الفرصة لغيره، لمساءلة روسيا عن حقيقة ادعاءاتها، والشك في صدقية تصريحات قادتنا. وفعلت روسيا عموماً كل شيء لتعزيز موقف العدو. فها هو ساكاشفيلي، بعد عملية"فرص السلام"الروسية، يبدو للعالم كله مثال الضحية الأولى للعدوان، والهدف الرئيسي للحملة، وهي أول عملية تدخل عسكري في تاريخ روسيا الحديث. ومن غير المعلوم اذا قام الكرملين بهذا على سبيل النزف أو التفكّر. ولكنه، في النتيجة، صرف أنظار العالم عن مغامرة القيادة الجورجية. والعالم يتعاطى مع الحوادث هذه بجدية بالغة. فالمسألة لم تبق قضية بوليتكوفسكايا أو حتى ليتفينينكو. والحرب الباردة التي تكلّم عليها بوتين في ميونيخ، لم تعد مزحة. ما لا شك فيه هو ان سمعتنا الدولية تنهار. وعلى قدر ما ادعينا أننا دولة عظمى، ولا يعنينا أحد، تقف البلاد أمام مفترق خطير جداً، واخشى نهاية محزنة لكل هذا. ولكن لنعد الى مسألة الأكاذيب فالأكاذيب، في الجوهر، هي أساس سياساتنا، الخارجية والداخلية، بل هو الهواء الذي يتنفس حكامنا. صحيح أن أحداً من المسؤولين ليس معصوماً، ولكن الأمر يختلف حين يكون الكذب على النطاق العام هذا، ويفلت اصحابه افلاتاً تاماً من المحاسبة. فالصورة الكاملة للسياسة المحلية، تتألف من ثلاثة مكونات هي: الكذب والسرقة والانتحار. يضاف اليها على سبيل الزخرفة، العنصر القومي. ولكن العنصر هذا، بدوره، شكل آخر من اشكال الكذب. وسمة ادعاء الكرملين اصطباغه بالدماء. فهو زعم ان أحداً من البحارة لم يبق على قيد الحياة بعد الانفجار في غواصة"كورسك"، وأن مسخادوف هو المسؤول عن عملية احتجاز الرهائن في"نورد اوست"، وأن خاطفي بيسلان لم يتقدموا بمطالب سياسية. والثمرة المباشرة لهذه الأكاذيب هي الجثث والجثث، والمزيد من الجثث.. فأعقب خبر الألفي قتيل في تسخينفالي، مقتل العشرات من سكان غوري. وكان الكرملين في حاجة الى تعاطف لتبرير تدخله. وكان ينبغي أن يفور الدم في رؤوس المواطنين الروس ليشل ما بقي من منطق وتفكير. والسلطات كذبت مرة اخرى، ونجحت في فعلتها. وفي الختام، قتل ساكاشفيلي العدواني من المدنيين أقل من مديفيديف الليبرالي. عن فيكتور شنديروفيتش، موقع"يجيدنيفني"الروسي، 15/8/2008