388 ألف عملية فحص نفذتها هيئة النقل    6% نموا سنويا في سوق الصدامات بالمملكة    25% انخفاضا بمخالفات هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية    ترمب: الرسوم الجمركية "دواء" يثير الاضطرابات    انطلاق اجتماع مجموعة تخطيط وتنفيذ سلامة المطارات (7/ASPIG)    العراق: المحادثات بين السوداني وقادة الفصائل تحرز تقدماً    قتيل في غارة إسرائيلية على جنوب لبنان    أخضر الناشئين يعاود تدريباته بعد التأهل لكأس العالم    الموظف واختبار القدرات    2000 مستفيد من مبادرة «أبشر بالعيدية»    بين النصّ الورقي و الأرشفة الرقمية.. حوار مع إبراهيم جبران    حوارات فلسفية في تطوير الذات    بين التقاليد والابتكار.. أين شريكة الحياة؟    يوم الصحة العالمي.. المملكة تعزز الوعي    أكثر من 8000 مستفيد من خدمات " إرادة" في رمضان    حضور لافت لثقافات متعددة بمعرض ليالي في محبة خالد الفيصل    قادة مصر والأردن وفرنسا يدعون إلى عودة فورية لوقف إطلاق النار في غزة    "القاضي": نستهدف رفع استثمار القطاع الخاص بالرياضة إلى 25%    فيصل بن بندر يستقبل محافظ الدرعية وأمين الرياض    نائب أمير الشرقية يستقبل مجلس «طويق»    أمير جازان يدشّن حملة سلطان بن عبدالعزيز للتوحد    استعراض برامج "بهجة" أمام محافظ الطائف    علاج ورم ميلانومي في شبكية العين لمريضةٍ باستخدام تقنية SBRT في "مركز المانع للأورام" بالدمام    أمير الحدود الشمالية يستقبل مدير سجون المنطقة السابق والمعين حديثًا    الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تنظِّم لقاء معايدة    أمانة جمعية الكشافة تقيم حفل معايدة لمنسوبيها    المملكة تختتم أعمال الاجتماع الثالث لوكلاء اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية    مذكرة تفاهم سعودية إسبانية في كرة القاعدة والكرة الناعمة    السعودية تتأهل لكأس العالم لكرة القدم تحت 17 عاما للمرة الرابعة في تاريخها    وزارة الداخلية: غرامة 100 ألف ريال للشركات المتأخرة في الإبلاغ عن تأخر مغادرة الحجاج والمعتمرين    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. حرم الملك تكرم الفائزات بجائزة الأميرة نورة للتميُّز النسائي في الأربعاء    زياد البسام يحتفي بلقاء العيد    نونو سانتو وكونتي وتن هاغ أبرز المرشحين لخلافته.. غضب جماهير الهلال يقرب جيسوس من البرازيل    غداً.. جدة تحتضن قرعة بطولة كأس آسيا للسلة    انفراجة لأزمة السودانيين العالقين بمعبر أرقين.. الدعم السريع ينفذ مجزرة تجاه مدنيين في «إيد الحد»    تونس تنجز عملية إخلاء مخيمات المهاجرين    إطلاق "أسبوع فنّ الرياض" لتعزيز التبادل الثقافي    استقبل ونائبه المهنئين بعيد الفطر.. المفتي: حريصون على نشر العلم الشرعي بالأحكام العامة والخاصة    صدح بالآذان 40 عاماً .. الموت يغيب المؤذن محمد سراج ليلة العيد    العلاقة بين وسائل التواصل والتربية السليمة    قفزة نوعية لقطاع التجارة..القصبي: نظاما السجل والأسماء التجارية يسهمان في تيسير الأعمال    في ختام الجولة 26 من دوري" روشن".. الشباب يتغلب على الوحدة.. والخليج يعمق جراح الرائد    الزهراني يحتفل بزواج «أسامة»    شوف الزهر بعد عَنَا كل هوجاس    من اختطف الهلال؟!    الجيل يقترب من دور «يلو»    منصة TikTok فرعية للفنانين    "البصيلي": يستقبل المهنئين بعيد الفطر المبارك    هل يقرأ الذكاء الاصطناعي رسائل WhatsApp    الوجه المظلم لتغطية YouTube انخفاض المستخدمين والمبيعات في صناعة الألعاب    أطفال الحارة الشعبية حكايا وأناشيد    ساعة على الهاتف تزيد من الأرق    دور غير متوقع للخلايا الميتة    «أبوظبي» يطلق مؤشراً لقياس «قوّة ارتباط المجتمع باللغة العربية»    الأمير سعود بن نهار يستقبل المهنئين بمناسبة عيد الفطر    سمو أمير المنطقة الشرقية يستقبل المهنئين بعيد الفطر المبارك    أمير جازان يستقبل منسوبي الإمارة المهنئين بعيد الفطر المبارك    رجال الأمن.. شكراً لكم من القلب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"خدمات ما بعد البيع ش مجموعة قصصية شريف عبدالمجيد يقبض على اللحظة الراهنة
نشر في الحياة يوم 21 - 05 - 2009

ثمة محاولة إبداعية في المجموعة القصصية"خدمات ما بعد البيع"للقاص المصري شريف عبدالمجيد للقبض على اللحظة الراهنة، بتحولاتها المختلفة، وتعقداتها المتشابكة، وإيقاعاتها المتسارعة عبر مسارات متنوعة. وهي تأخذ في حال التداعي القيمي والروحي في العالم، وهذا الاستلاب بشقيه المادي والمعنوي من جراء هيمنة الشركات العابرة للقارات، والتوحش الرأسمالي المسيطر على المقدرات، لتشكل موقفها الرؤيوي الخاص، وحيلها التقنية البارعة وآلياتها الفنية المستخدمة بوعي ودربة.
ثمة نجاعة في العنوان الخاص بالمجموعة، إذ يحاول من خلاله الكاتب أن يقبض على الراهن المعيش، متعاطياً معه بأشكال مختلفة هي ذاتها المسببة للتنوعات السردية التي تحتشد بها المجموعة والتي صنعت زخماً تقنياً ورؤيوياً دالاً داخلها.
يصدّر عبد المجيد مجموعته بمقولة ماركيز:"أيُّ سر هو هذا الذي يجعل مجرد الرغبة في رواية القصص تتحول إلى هوى يمكّن كائناً بشرياً أن يموت من أجله، أن يموت جوعاً أو برداً أو من أي شيء آخر لمجرد عمل هذا الشيء الذي لا يمكن رؤيته أو لمسه"، غير أن الكاتب المسكون بنصه القصصي فعلها.
يقسّم الكاتب مجموعته تقسيماً دالاً، يتمثل في قسمين مركزيين: أحدهما"هزائم صغيرة"و يحوي ست قصص، والثاني"خدمات ما بعد البيع"ويحوي تسع قصص. في القسم الأول تبدو تلك الهزائم/ الخيبات بمثابة الإشارة إلى عالم مفلس يحوي قدراً كبيراً من القسوة والشراسة لا مثيل لهما. فالإنسان/ الفرد يجابه مزيداً من الهزائم/ الإخفاقات التي يتلقاها جراء محاولته الإفلات من أسر المواضعات التقليدية التي تتحكم في مجتمعه من جهة، والسياقات العالمية التي تحاول الهيمنة على حياته وحيوات"ناسه"الذين يعيش معهم من جهة ثانية.
وفي القسم الثاني والمأخوذ منه عنوان المجموعة رصداً للتحولات الراهنة، ومحاولة لفهم هذا العالم الموّار بالتغيرات المنفتحة على آفاق أكثر تعقداً وتشابكاً.
في القصة الأولى"حكاية الرجل الذي كلّم السمكة"يبدو في العنوان دالان بارزان"الرجل/ السمكة"وبينهما فعل سردي منتج"كلّم"لتتشكل علاقة وثيقة بين هذين الدالين عبر الفعل السردي المنتج، خصوصاً حين قسم الكاتب قصته إلى ثلاثة مقاطع: الرجل - السمكة - الرجل والسمكة، صانعاً تقليباً للأمر على وجوهه الثلاثة، لينتظم خيط سردي بين هذه المقاطع التي بدت منفصلة. لكن هذه المقاطع تتصل اتصالاً وثيقاً، فالمهندس المصري"محمد بيك"ابن البرجوازية الذي خانها، تحول إلى سمكة كبيرة تكاد أن تلتهم الآخرين الأسماك الصغيرة/ البسطاء، لنصبح أمام نص مسكون بالواقع، ينتهي مقطعه الأول بمفارقة دالة إذ يتذكر"محمد بيك"، الرئيس عبد الناصر حينما يدخل إلى"مدينة نصر"في شرق القاهرة، غير أنها قد أضحت الآن علامة على التشوه الاجتماعي، وصعود طبقات جديدة :"وكلما عاد إلى مدينة نصر تذكر عبد الناصر وكيف تحولت المدينة التي تحمل اسمه رمزاً لمدينة الحيتان وأسماك القرش وأصحاب الملايين"ص 12. وفي المقطع الثاني"السمكة"تتجمع الأسماك الصغيرة حول السمكة العارفة في إشارة الى إمكان التوحد ضد التوحش الرأسمالي الذي يجتاح العالم. وفي"الرجل/السمكة"نرى عوْداً على بدء، فالشخصية المركزية محمد تصبح في مواجهة السمكة الخبيرة التي تستطيع الإفلات من الصنارة أداة الصيد على رغم انغراس السن وغواية الطعم بالنسبة لها، لتخلق إشارة دالة لإمكانية المروق من أسر الراهن المعيش بكل قسوته وجبروته.
في قصة"غريب في المطعم الهندي"ثمة إدانة لثقافة القمع والتلصص والتعامل مع المصريين كمواطنين من الدرجة الثانية في بلاد الغربة، ويشكل الحوار هنا البعد المركزي من أبعاد الرؤية السردية، وقد جاء طبيعياً بلا افتعال:
"- كانوا يظنون إنك تعرف إن هذا المطعم مخصص فقط للهنود.
- لكني لم أر ما يدل على ذلك.
- ولكنهم يكتبون ذلك في مدخل المطعم على لافتة كبيرة باللغة الهندية.
- ولكني لا أعرف سوى العربية.
- ذلك ليس خطأهم بالتأكيد".
في"دور البطولة"تمثل المفارقة متكأ لهذه القصة التي تنتهي بجملة مدهشة، تتجلى فيها الأحلام المتكسرة، ويظهر الفشل لصيقاً بالفتاة التي تحلم طوال النص أن تؤدي دور البطولة في مسرحية من إنتاج القطاع العام:"وبالفعل صارت خبراً في الجرائد والمجلات وبرامج التلفزيون التي تحدثت عن ماهية الدوافع الحقيقية التي أدت إلى انتحار ممثلة شابة تعاني من الاكتئاب بعدما فشلت في اختبار الحصول على دور البطولة في مسرحية من إنتاج القطاع العام".
في"هزائم صغيرة"ثمة لحظات إنسانية ضافية يرصدها الكاتب ببراعة، محملاً البطل المركزي في مقاطع النص المختلفة اسم"شريف"ليحدث تماهٍ أظنه مقصوداً بين المؤلف الضمني للنص والشخصية المركزية. وفي المقاطع العشر ل"هزائم صغيرة"تنويعات سردية عدة، بعضها مروي بضمير المتكلم، والبعض الآخر بضمير المخاطب، لتتعدد الهزائم على المستويات كافة، فردية وجماعية، سياسية وثقافية، إلا أنّ"الذات"تظل هي البؤرة المركزية التي تتجمع عندها الخيبات/ الهزائم وتتفرع عنها.
في قصة"المُمُر"وتعني الخرساء باللغة العربية، لا يقدم القاص النوبة بصفتها مكاناً فولكلورياً يحوي أداءات طقوسية يرصدها ويكشفها لنا، وإنما يقدم لنا حكاية ذات طابع إنساني عن تلك العجوز التي تمارس السحر فتصيب به سالم الذي لم يسلم من مكرها:"وبكت المُمُر بعد ما انكشف سرها عند تفتيش الحكومة لبيتها الذي وجدوا فيه مئات التمائم باسم كل عريس من أهل القرية. كانت سيارة الشرطة واقفة أمام بيت المُمُر بأضوائها المعتادة التي صارت تضوي في ليل أجندان... يتحلق حولها الأطفال والنساء العجائز يقلن كلمتهن الشهيرة ييو - بيو والعساكر يجمعون التمائم والأحجبة داخل السيارة كدليل إدانة للممر بينما كانت المُمُر تسير وحدها في الطريق المؤدي للترعة ودموعها تنساب على وجنتيها من دون أن يصدر عنها صوت بينما سالم أشه يبحث كالمجنون وسط تلال الأحجبة عن الحجاب الذي صنعته له المُمُر"ص52.
في"لقطات"نلحظ هذا النزوع البصري الذي يطل علينا بدءاً من العنوان، إذ نصبح بإزاء عدسة كاميرا ترصد لنا الانهيارات الحادة في الواقع، وهذا ما بدا في اللقطتين الأولى والثانية، ففي اللقطة الأولى يبرز التفاوت الطبقي بين الأفراد في المجتمع، وفي اللقطة الثانية تظهر مدى السطوة التي يتمتع بها"سعيد - رجل الشرطة - في هذا الواقع، أما اللقطتان/ المقطعان الثالث والرابع فيتلمسان نزوعاً إنسانياً بالغ الخصوصية كالإشارة إلى ذلك المصور الذي يعاني صراعاً داخليًّا بين رغبته في تصوير الرجل المعدم طمعاً في الجائزة وشعوره في الآن نفسه باستغلال معاناة هذا الرجل.
في"خدمات ما بعد البيع"نصبح بإزاء رصد لعالم بالغ التغير، يحوي نسقاً من التحولات المتسارعة، ولذا فإن السرد يخرج من أداء وظيفته الإخبارية لأداء وظيفة أخرى ذات طابع تحليلي، ويبقى التعميم في استخدام الرموز س، ص، ع، في القصة بديلاً من استخدام أسماء معتادة للشخوص، علامة دالة على محاولة القاص رصد سياق عام محتدم عالمياً.
في مجرد أرقام لم تكن الأرقام المستخدمة ذات طابع مجاني، بل حملت دلالات خاصة، إذ تمثل الأفعال ذات الصبغة البيولوجية الأكل - الجنس - النوم المرتبة الأولى في التعامل اليومي، في مقابل غياب تام للأفعال ذات الطابع العقلي القراءة، أو الأفعال التي تحوي تعبيراً عن الإرادة السياسية:
"صفر عدد الأحزاب التي شارك فيها. صفر عدد المرات التي أدلى فيها بصوته في الانتخابات". ص.76
في قصة"لصوص القنوات المشفرة"يصنع الكاتب إطاراً فانتازياً يحوي حساً استشرافياً ساخراً، لكنه ليس الاستشراف المسكون بالواقع المباشر، ولكنه الفاضح للتناقضات العالمية الحادثة.
وبعد.. في مجموعة"خدمات ما بعد البيع"يخطو شريف عبدالمجيد خطوة حقيقية في سبيل ترسيخ مشروع قصصي مائز، إذ تعري مجموعته سياقاً عالميّاً راهناً، وتراجعه، صانعة قدراً أعمق من الاشتباك معه، لتصبح مجموعته - وبجلاء - واحدة من التماعات القصة الراهنة.
نشر في العدد: 16848 ت.م: 21-05-2009 ص: 27 ط: الرياض


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.