الخارجية الفلسطينية تُطالب المجتمع الدولي بوقف فوري للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة    تعليم مكة يكرم 100 طالب وطالبة بجائزة منافس للعام 2024    استشهاد 254 فلسطينيًا في غارات جوية إسرائيلية على قطاع غزة    استمرار هطول الأمطار الرعدية وزخات البرد على عدة مناطق في المملكة    صعود مؤشرات الأسهم اليابانية في جلسة التعاملات الصباحية    حجز 5 شاحنات أجنبية مخالفة تمارس نقل البضائع داخل مدن المملكة دون ترخيص    بلدية البطين تحقق نمو في الإيرادات البلدية بنسبة 72% من المستهدف المالي    الأمير عبدالعزيز بن سعود يرأس الاجتماع السنوي ال 32 لأصحاب السمو أمراء المناطق    قطاع ومستشفى النماص يُنفّذ فعالية "اليوم العالمي لمكافحة السمنة"    مستشفى إرادة والصحة النفسية يُنظّم فعالية "التوعية باضطراب الأكل"    مستشفى خميس مشيط العام يُنفّذ فعالية "الشهر العالمي للتغذية"    المنتخب الوطني يواصل تحضيراته لمواجهة نظيره الصيني    "الثلاثي السعودي آسيوياً وفرق الشرق"    الاتحاد السعودي للهجن يختتم دورة تدريبية لمنسوبيه    مهرجان رمضان زمان    المدينة: 62 ألف غرفة ضيافة مرخصة    «أم القرى»: 3.93 مليار طلبات اكتتاب الأفراد    الأردن يدعو مواطني ومقيمي دول مجلس التعاون الخليجي لاكتشاف روائع المواقع التراثية المصنّفة ضمن قائمة اليونسكو    الدراما السعودية والتحولات الاجتماعية    "هدية" تخدم مليوني مستفيد في النصف الأول من رمضان    تأهيل الرعاية الصحية بالقطاع.. عبد العاطي: مصر والأردن تدربان الشرطة الفلسطينية لنشرها بغزة    تأمينا لخطوط الملاحة البحرية وحركة التجارة العالمية.. أمريكا تواصل ضرباتها لإفقاد الحوثيين القدرة على استهداف السفن    الصين تحذر تايوان من الخطاب الانفصالي    جهاز داخل الرحم (2)    الأمير سعود بن نهار يستقبل مدير صندوق تنمية الموارد البشرية "هدف"    أمانة حائل تطلق فعالية "بسطة خير السعودية" ضمن موسم رمضان    عبدالعزيز بن سعود يرأس الاجتماع السنوي ال 32 لأصحاب السمو أمراء المناطق    من شارع الأعشى إلى بوسطن الأمريكية    إرث عمراني وثقافي    الشيخ سعد بن مريع أبودبيل يتبرع لجمعية آباء لرعاية الأيتام بمحافظة أحد رفيدة    تكفينا جنة الأعرابي    لن يكون الإسلام صحيحا حتى يكون نظيفا    بوتين وترمب يبحثان اليوم هاتفياً إنهاء حرب أوكرانيا    الشهري مدرباً للاتفاق حتى 2027    وشاح الملك عبدالعزيز لسفيري فلسطين ومصر    بتوجيه الملك وبناء على ما عرضه ولي العهد.. صرف أكثر من ثلاثة مليارات ريال معونة رمضان لمستفيدي الضمان الاجتماعي    "البديوي": إعادة إعمار سوريا واستقرارها ضرورة إنسانية وأمنية للمنطقة بأسرها    العتودي مساعدًا لرئيس بلدية بيش    الموهبة رائد عسيري: الصدفة قادتني إلى النجومية    أمسية شعرية ضمن أهلا رمضان    78 مليونا لمستفيدي صندوق النفقة    غلفها بزيادة لتعزيز سلامة الغذاء والصحة العامة    5 أحياء تستقطب زوار جدة والإيجار اليومي نار    8 خدمات نوعية للقطاع الوقفي    مسجد "عِتبان بن مالك الأنصاري" مَعْلمٌ تاريخي يرتبط بالسيرة النبوية في المدينة المنورة    تطبيق العِمَارَة السعودية على رخص البناء الجديدة    %70 نمو ممارسة المشي    الأربعاء.. الأهلي يواجه القادسية في نهائي كأس السيدات    هدف لاعب الرياض "إبراهيم بايش" في شباك الاتحاد الأجمل في "جولة العلم"    تتبع وإعادة تدوير لوقف هدر الأدوية    صقور نجد يتوج بكأس بطولة الوسطى للهوكي ويحصد الميداليات الذهبية    العلم الذي لا يُنَكّس    وكيل وزارة الداخلية لشؤون الأفواج الأمنية يتفقّد قوات الأفواج بمنطقة نجران    اليمن بعد غزة ولبنان: هل جاء دور الحوثي    طويق جازان في مبادرة إفطار مرابط بالحد الجنوبي    وفاة الأميرة نورة بنت بندر آل سعود    إطلاق 16 كائنًا فطريًا في محميات العلا    نائب أمير منطقة مكة يستقبل رئيس المحكمة الجزائية بجدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«همس»... عن البهجة العابرة والحزن المقيم
نشر في الحياة يوم 08 - 08 - 2015

ثمة رغبة عارمة في التمرد، في القفز على المواضعات السقيمة للحياة، وعلى صخبها اللانهائي، وخرسها، بل وهمسها المقموع أيضاً في مجموعة القاص المصري خالد عاشور «همس» والصادرة حديثاً عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. فالمرأة المهمشة والموضوعة على حافة العالم، تبحث عن صراخ يخرجها من همسها القاهر، ذلك الهمس الذي يصير خرساً مسكوناً بمهانة لا نهائية، وتعبيراً عن قمع ذكوري/ مجتمعي لامرأة تنتظر الرغبة المستعرة لرجلها الذي لا يأبه بها، ولا يلتفت سوى لأن تكون صامتة من دون أية تعبيرات انفعالية أو شعورية: «الليل سكون، وفي السكون يكون للهمس صدى، وهي تخشى أن يسمعها أحد». ثم يحدث ما يسمى بالتحول الدرامي في القصة عبر تلك الشخصية الحافزة أو المحركة للفعل السردي، والتي تدفع الإيقاع الراكد إلى الأمام، فثمة شاب يسكن في العقار الذي يعمل فيه زوجها حارساً له: «يمر عليها مرتين، مرة في الصباح والأخرى وهو عائد في المساء، يسكن بالدور الثالث، كثيراً ما يبعث في طلبها كي تبتاع له حاجياته، كثيراً ما نفذت نظراته إلى داخلها حتى إنها تشعر بأنها تتعرى أمامه أو تكاد». (ص 12).
ويصير الصراخ لدى المرأة غاية، والتعبير عن المكنون داخلها أملاً حقيقياً، في علاقتها بالساكن الجديد، غير أنها سرعان ما تعود لهمسها النهائي هذه المرة على يد زوجها، وهنا يترك الكاتب لقارئه تلك الفراغات النصية ليكملها في شأن افتضاح هذه العلاقة بين المرأة والشاب الثلاثيني، غير أن محاولة الصراخ هذه المرة لم تنجح بعد أن يهيمن الهمس على فضاء القصة في موازاة رهيفة وذكية بين ما عاشته وما آلت إليه، فالهمس مشترك بين حياتها المقموعة وموتها المأسوي، وتتواتر مفردة «همس» في القصة مرات عدة، من دون أن تضيف في بعضها معنى جديداً، ويبدو أن رغبة الكاتب في التأكيد على تيمته، ورؤيته دفعته لاستخدامات مجانية لها أحياناً.
في «إعلان موت شخص يدعى صديقي» ثمة إحساس عارم بالوحدة، فالسارد/ البطل يعلن على نحو دال: وفي جملة موجزة تعد استهلالاً سردياً بديعاً للقصة: «مات صديقي...»، وبما يذكرنا ببدايات نصوص الكاتب الفذ الراحل محمد البساطي القصصية، والذي يهدي إليه القاص خالد عاشور مجموعته القصصية الأولى، ثم نرى انتقالاً من الحكي بضمير المتكلم إلى الحكي بضمير المخاطب عبر تفعيل أكبر لدور السارد الرئيسي في القصة: «ها أنت ذا عدت إلى الوحدة بلا أصدقاء، تمشي بلا هدف كالتائه، فأين تذهب ولم يعد أحد يهتم بك». يتواتر نداء صبي سائق الميكروباص الذي يستقله السارد البطل: «إمبابة وحدة... وحدة وحدة... نفر إمبابة وحدة».
يبدو التقسيم المقطعي دالاً في قصة «الإمام»، وتذكر اللحظات الفائتة من عمر الشيخ الصاعد إلى المنبر كاشفاً. ففي كل درجة يصعدها الشيخ من درجات المنبر ثمة جزء غاطس من حياته، مسكوت عنه يخبرنا به السارد الرئيسي، حتى إذا وصل إلى نهاية المنبر، واستوى جالساً، ثم وقف ممسكاً بالميكروفون وفق توصيفات بصرية ذكية من لدن الكاتب هنا، إذا هو يعلن للناس بصوت مرتعد: «اتقوا ربكم»، وكأنه صوت آخر يأتي من مكان مجهول.
تتواتر تيمة الانتظار في قصتي «انتظار»، و»طفلة»، من دون أن يصدر الكاتب أية إدانات أخلاقية أو أحكام قيمية صوب شخوصه، متعاطياً معهم على نحو إنساني دال ورهيف، فالطفلة التي كانت تلهو معهم في أعواد الذرة قديماً، قد غابت في ما بعد، وانتظروها طويلاً، ولم تعد إلا وقد صارت سيدة تقود طفلين يمسكان بذيل جلبابها، وحينما تُذكر السارد بالأيام الفائتة، تعلن له أنها ستنتظره من جديد، لكن ليس في أعواد الذرة هذه المرة.
في «الخالة قمر»، ثمة موازاة بين الفرح والمأساة، وبما يخلق تلك الدهشة الممزوجة بالأسى، والتقاطعات بين البهجة العابرة والحزن المقيم، لنصبح أمام عالم بديع، يتوازى فيه زواج السارد/ البطل مع موت الخالة قمر، التي ظلت لسنوات طويلة تصل لعمره تقريباً تخبره بأنها ستتزوج لا محالة برغم تسرب العمر وضياعه.
يتوازى الخاص مع العام في «عصفوران»، ويتجادل الذاتي مع الموضوعي، فمرض الأب بالفشل الكلوي وسرطان المثانة مرده في النص والواقع معاً إلى سنوات من الإهمال وتدمير المقدرات الحياتية للبشر. وتتسرب مساحات أوسع من السياسي في قصص أخرى داخل المجموعة، من قبيل قصة «الخبر»، وبما ساهم في خنق الدلالات الفسيحة للنص، ووقوعه في فخ المباشرة، وبدت اللغة هنا تقريرية للغاية، وعلى نحو ما نرى أيضاً في قصة «الرئيس»... «قامت الثورة فعفا عنه النظام الجديد – والذي كان تابعاً للقديم كلياً- مع من عفوا عنهم من التنظيمات المعارضة» (ص 83).
تقدم «قهوة والي» مقطعاً من حياة الشخصية المركزية داخلها «طارق»، صبي المقهى الذي ينادي الكل بلقب «باشا»، حتى يحظى به أثناء ركوبه الميكروباص الذي ينقله إلى بيته! يُدخِل الاستهلال السردي في قصة «غرفة سلمى» المتلقي في متن النص مباشرة: «الداخل إلى حارة محروس عفيفي سيجد أنها تضيق حتى تنتهي ببيت قديم. البيت من أربعة أدوار. بكل دور خمس غرف. في كل غرفة تعيش عائلة» (109). هنا نرى وعياً بسيكولوجية الشخوص داخل القصة، وقدرة على تضفير الحوارات السردية في متن القص.
وتبدو النهاية ابنة للروح الشعبية المصرية حيث يتعاطف «الحاج عبدالله» – صاحب البيت- مع «سلمى» التي فقدت كل شيء ولم يعد لها سوى الغرفة الصغيرة، وعلى رغم لسانها الحاد، وتصرفاتها اللامنطقية، إلا أنه كان قد أدرك ضعفها بحق، فخلع اللافتة التي علقها من قبل على غرفتها البائسة: «للإيجار»، وألقاها على الأرض، ودهسها بقدميه. وتنتهي المجموعة بقصة دالة «حرية»، بحثاً عن فضاء وسيع يحوي الذات الساردة وأحلامها المهدرة.
وبعد... تبدو «همس» مشغولة بما هو إنساني وحر، يتجادل فيها الذاتي مع الموضوعي، وتنحو صوب تعرية مساحات معتمة في الروح وفي السياق العام، والكشف عن مناطق أخرى من الثراء الإنساني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.