يستعد الملك عبدالله الثاني لزيارة واشنطن في الأسبوع الأخير من الشهر الحالي ليكون أول زعيم عربي يقابل الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما قبل الإعلان عن إستراتيجية البيت الأبيض الجديدة تجاه الشرق الأوسط. وسيطالب الأردن، بحسب مسؤولين، بدور"أميركي فاعل"يساعد على قيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة والنمو، تعيش بجوار إسرائيل لضمان أمن المملكة واستقرارها. وسيحث واشنطن أيضاً على استمرار تقديم المساعدات العسكرية والاقتصادية لعمان، والتي زادت بوتيرة متنامية في عهد الملك الشاب الذي استلم الحكم في نهاية العام 1999. فحل الدولتين، الهدف الاستراتيجي الأول للأردن، أصبح حلماً بعيد المنال في زمن غياب شريك سلام فلسطيني نتيجة الانقسام الداخلي، ووضوح تطرف الرؤية الإسرائيلية حيال الحقوق الفلسطينية بعد تولي حكومة"يمين اليمين"السلطة في إسرائيل قبل أسبوع. رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو، زعيم حزب"ليكود"سيعلن برنامج حكومته السياسي والأمني خلال أسابيع. كافة تصريحاته تتجاهل حل الدولتين وتؤشر الى أن أقصى ما يمكن أن يحصل عليه الفلسطينيون هو منحهم"السلطات للتحكم بحياتهم عدا ما يعرض إسرائيل للخطر". هذا التشدد يشكل تحدياً مباشراًَ للأمن الوطني الأردني في بلد نصف سكانه من أصول فلسطينية. ما زاد الطين بله إعلان وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد افيغدور ليبرمان في أول تصريح له قبل أسبوع إعادة عملية السلام إلى"خارطة الطريق"بعد أن رفض الالتزام بمؤتمر أنابوليس نهاية 2007 والذي أطلق مفاوضات حول التسوية الدائمة على أساس دولتين لشعبين! اختار الأردن الرسمي لغاية اليوم، الصمت، ولو مرحلياً رداً على تصريحات ليبرمان بعدما آثر الرئيس أوباما التصدي لها بسرعة عبر إعادة التأكيد على انه ما زال ملتزماً بحل الدولتين. في هذه الأثناء تصر الحكومة الأردنية على أنها تتعامل مع أي حكومة إسرائيلية بناء على توجهاتها في العملية السلمية وتصرفاتها على أرض الواقع ما لا يترك مساحة كبيرة للمناورات السياسية. مطالب الأردن من أي حكومة إسرائيلية واضحة: وقف الاستيطان الفوري وقيام دولة فلسطينية مستقلة كأساس لإنهاء الصراع العربي - الإسرائيلي الشامل مقابل ضمان حق إسرائيل في الوجود والأمان وتطبيع علاقاتها مع الدول العربية والإسلامية. لكن عمان لا تملك خيار إطلاق تصريحات"عنترية"ضد نتانياهو. وفي هذا السياق يتساءل سياسي أردني لماذا تستنزف عمان جهدها الديبلوماسي والسياسي في شن حرب كلامية على حكومة نتانياهو بعد أن سبقها الرئيس أوباما والغرب وأقطاب المعارضة الإسرائيلية أنفسهم عبر إطلاق صفارات التحذير من الثمن السياسي الذي قد تدفعه إسرائيل في علاقاتها مع المجتمع الدولي في حال تجاهلت الحكومة الحالية أو استخفت بمبادئ مؤتمر أنابوليس؟ ويضيف السياسي، لماذا لا تترك عمان محاسبة إسرائيل لواشنطن, العاصمة الوحيدة القادرة على مواجهة نتانياهو الذي سيعمل المستحيل من أجل إقناعها بأن الكرة في ملعب الفلسطينيين والعرب وليس عنده? وسيستمر نتانياهو في محاولة تحويل"خارطة الطريق"من آلية لدفع حل الدولتين الى عقبة من خلال الإصرار على"وقف الإرهاب"من دون وقف الاستيطان ما يحمل السلطة الوطنية الفلسطينية تكاليف عالية! هناك معطيات أخرى، محلية وإقليمية لا تصب لصالح دخول عمان في مواجهة سياسية مع إسرائيل. الجبهة الداخلية هشة. الشارع كما هي حال القوى النقابية والحزبية يعارض اتفاقية السلام التي وقعت بين الأردن وإسرائيل عام 1994 وينتقد العلاقات الوثيقة مع أميركا. الانطباعات الشعبية تتعمق يوماً بعد يوم بأن الأردن فقد نفوذه وتأثيره السياسي في المنطقة والعالم نتيجة سياساته الخارجية عبر السنوات الماضية, مع أنها قد لا تكون صحيحة. كما أن التأزم ما برح يخيم على سلسلة الحوارات الفلسطينية, برعاية مصرية, للتوصل إلى اتفاق بين"فتح"و"حماس"على أمل تشكيل حكومة جديدة تلتزم شروط الرباعية الدولية لإنهاء الحصار السياسي. هذا يضع علامات استفهام أمام فرصة قيام شريك سلام فلسطيني ويعطي حجة قوية لسياسة المراوغة والمماطلة التي تتقنها تل أبيب؟ يقول معروف البخيت، رئيس الوزراء الأردني الأسبق، وسفير الأردن لدى إسرائيل عام 2004، انه لو كانت"هناك مصالحة فلسطينية، لكان ذلك سيساعد العرب على أن يقولوا للجميع انه لا يوجد شريك سلام إسرائيلي". عجز النظام العربي وانعدام التضامن يشكلان تحديين آخرين للأردن. التردي في العلاقات ظهر مرة أخرى في قمة"المصالحات"العربية الأخيرة في الدوحة، والتي أعربت عن نفاد صبرها من تلكؤ إسرائيل في قبول المبادرة العربية للسلام المطروحة منذ عام 2002. كل هذا يناسب التفكير في ما يجب القيام به أمام تطرف الرؤية الإسرائيلية حيال الحقوق الفلسطينية، على رغم انه لم توضع أية إستراتيجية أمام أوباما ليدرسها ويأخذها في حساباته قبل الإعلان عن إستراتيجية واشنطن تجاه المنطقة، والتي تدل التطورات أنها ستستعين بقطبي الممانعة إيران وسورية شاءت أم أبت لتحقيق أهدافها. يقول سياسي أردني آخر، ان مصر إما أنها فقدت دورها القيادي في العالم العربي، أو أنها لا تريد القيادة، ومحاولاتها تحقيق الوحدة الفلسطينية فشلت حتى الآن. موقف سورية غامض تجاه السلام وقضايا ألإقليم بسبب تحالفها مع أيران، وإيران وليس فلسطين تظل التحدي الأول لدول الخليج العربي. العراق يبحث عن نفسه منذ سقوط صدام حسين عام 2003 آخر مصدر تهديد لطموحات إيران وإسرائيل التوسعية. في انتظار إعلان أوباما إستراتيجية بلاده تجاه الصراع العربي - الإسرائيلي قريباً، يلوح بصيص أمل لدى ما كان يسمى بدول الاعتدال العربي، يتمثل في أن واشنطن قد تتقدم بتصور واضح للحل من النواحي الأمنية والسياسية كافة وستثابر على محاولة فرضه على الطرفين من خلال مبعوث الرئيس اوباما للشرق الأوسط جورج ميتشل. وربما عكست هوامش تحرك اوباما الجديدة الحلول الوسط الأساسية ذات العلاقة بحدود الدولتين على أساس خطوط الرابع من حزيران يونيو، معالجة قضية اللاجئين, واعتماد القدس عاصمة للدولتين واتخاذ الإجراءات الأمنية الضرورية بما في ذلك وجود قوات متعددة الجنسية لفترة انتقالية. أوباما، بحسب ديبلوماسيين غربيين، بات مقتنعاً أن حل القضية الفلسطينية أصبح مصلحة عليا لأميركا. في الإثناء، ستستمر المواجهة السياسية الصامتة منذ سنوات بين عمان وتل أبيب. وربما تدوم سنوات طويلة مع حكومة نتانياهو لنسفها المستمر أسس قيام دولة فلسطينية مستقلة ما يهدد بتصدير المشكلة إلى الأردن. والتوتر العلني في العلاقات يعني أيضا استمرار قناة التنسيق الأمني بصورة سرية مع تراجع مستوى التواصل السياسي على مستوى القيادات. هذه ليست المرة الأولى التي تتولد لدى عمان خيبة أمل حيال تصرفات نتانياهو المعادية لها ولمعاهدة السلام، إذ كانت العلاقات بين البلدين انحدرت إلى أدنى نقطة في النصف الثاني من العقد الماضي بعد أن شرعت حكومته الاولى في فتح نفق عتيق بالقرب من المسجد الأقصى في تحد مباشر لبنود معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية عام 1994 . اذ ان الجميع يتذكر كيف بعث الملك الأردني الراحل حسين رسالة شخصية شديدة اللهجة أنب فيها نتانياهو، وقال له:"سياستك ممعنة في تدمير ما آمنت به أو جاهدت لتحقيقه". أولوية حكومة نتانياهو هي التعامل مع التهديد المصيري المقبل من إيران وبرنامجها النووي الذي لن تفلح أميركا أو أوروبا في وقفه, كل لأسبابه الخاصة. ستستمر حكومة نتانياهو في تسمين المستوطنات وسلخ القدس عن الأراضي الفلسطينية بهدف خلق حقائق جديدة على الأرض تفضي إلى فرض حلول عبر صيغ سياسية"خلاّقة"تحاكي الأمر الواقع, كقيام اتحاد كونفدرالي بين المملكة ? حيث نصف السكان من أصول فلسطينية - وما تبقّى من جيوب فلسطينية معزولة في الضفة الغربية. وللتمويه، ستواصل المفاوضات مع الفلسطينيين عبر اقتراح"رزمة اقتصادية - سياسية"مع تسهيلات ميدانية جدية مثل إزالة حواجز وتخفيف سياسة الإغلاق لذر الرماد في عيون المجتمع الدولي. وستتعامل مع الضفة الغربية ومع قطاع غزة ككيانين منفصلين, وقد يعلن نتانياهو رغبة في عودة المفاوضات مع سورية بوساطة تركية. كل ذلك لتضييع الوقت واستكمال الأطماع التوسعية. لكن فايز الطراونة، رئيس الوزراء الأردني الأسبق، يرفض أي حديث يتعلق بمخاوف ترحيل القضية الفلسطينية إلى الاردن، اذ يقول:"الأردن سيبقي كما هو، ونحن لسنا واقفين بإنتظار تلقي أوامر اميركية أو اسرائيلية. ولن نهلك نظامنا وكياننا لحساب خيارات غيرنا وسنظل ندفع بكل ما أوتينا من قوة باتجاه تحقيق هدف قيام دولة فلسطينية مستقلة في الضفة وقطاع غزة". نشر في العدد: 16805 ت.م: 08-04-2009 ص: 26 ط: الرياض