قد لا يكون خافياً، أن ثمة إعلاميين، تصنعهم البرامج، وآخرين، هم من يصنعونها، بأفكارهم وأدائهم. وإذا كانت برامج الحوار السياسي، باتت بالغزارة التي يصعب معها، الإحاطة بها، فثمة قلة قليلة منها، تلفت الانتباه، وتستحق المتابعة، وتستوجب الملاحظة والنقد. بخاصة، إذا كان مُعدها ومقدمها، إعلامياً من العيار الثقيل. وكذا، هي حال برنامج"في الصميم"لمقدِمه حسن معوض، الذي تعرضه ال"بي بي سي"العربية على شاشتها. حسن معوض، الذي بدأ حياته المهنية في القسم العربي في هيئة الإذاعة البريطانية،"بي بي سي"سنة 1977، سرعان ما صار محرراً للشؤون الدولية في هذا القسم، ثم رئيساً له في 1999. وبرغبة منه في التقاعد، غادر المحطة. وبعد تجربته في قناة"العربية"، عبر برنامج"نقطة نظام"، وجدناه عائداً إلى"بي بي سي"مجدداً. وهذه المرة، إلى قناتها الفضائية، الناطقة بالعربية، من خلال برنامج"في الصميم". هذا البرنامج، الذي لا يختلف عن"نقطة نظام"لجهة استضافته ضيفاً واحداً في كل حلقة، يوحي من اسمه في الصميم، بأنه سيكون شديد التركيز والغوص في تفاصيل التفاصيل، حيال تناول أي ملف أو قضية أو إشكال...، مع ضيفه. والحقُ أن"في الصميم"، يسعى الى أن يكون متماهياً مع عنوانه. وذلك، عبر إحكام الحصار حول الضيف بالأسئلة المحرجة والغزيرة والمتقاطعة، في مسعى الحصول على أكبر مقدار ممكن من الاستنطاق، على صعيد المعلومة والتحليل والمواقف. وهنا، تتبدى مهارة السائل في سبك الأسئلة وحبكها وصوغها، ومهارة المُساءل في المناورة أو المداورة أو الإفلات، أو الجسارة في المواجهة. وفضلاً عن المراس المهني الذي يتمتع به معوض، فإنه يجابه ضيفه بسيل من الأسئلة، التي قد يبدو بعضها للمُشاهد وللضيف معاً، أسئلة رئيسة، لكن، يتضح أنها أسئلة ثانوية استدراجية، يمكن تسميتها ب"الأسئلة الافخاخ"، للحصول على إجابة معينة، يتبعها سؤال أشدُ وقعاً من الأول. وهنا، تكثُرُ المفاجآت. وما يضيف مسحةً من التشويق على البرنامج، هو أن معوض، لا يتيح لضيفه فرصة أن يلتقط أنفاسه، حتى يأتيه بسؤال جديد. وصبغة المقاربات في صوغ الأسئلة ومقارنتها بالأجوبة، واستنتاج أسئلة جديدة منها، هي الطاغية على هذا البرنامج، ما يحيلنا هنا، إلى أن حسن معوض،"في الصميم"، هو أقرب إلى كونه"قاضي تحقيق"، إنْ لم نقل"رجل أمن"، من كونه إعلامياً!، وأن"في الصميم"هو أقرب إلى"جلسة استجواب"، من كونه برنامجاً حوارياً نقاشياً، وأن الضيف، هو أقرب إلى"المتهم"من كونه مُحاوراً!. وربما ما يُؤخذ على معوض في"في الصميم"، أنه لا يتيح لضيفه، أحياناً، فرصة إكمال فكرته. فكثيراً ما نجده، يقاطع ضيفه، في وقتٍ، لا يستوجب المقاطعة، وكأن معوض، يريد، تقويل ضيفه، أو جرِهِ إلى قول، ما يشاء ويشتهيه! والحال هذه، يبدو مُقدِم البرنامج، أحياناً، وكأنه،"عصبي المزاج"، كما أننا نلمح بعض ملامح"الانفعال"على ضيفه أيضاً. بخاصة، حين يشعر بأنه لم يُمنح الوقت الكافي للإجابة. أياً يكن، لا مناص من القول إنه"في الصميم"تتبدى مهنية حسن معوض، في استجماع أكبر مقدار ممكن من"ذخيرته"، من الوثائق أو المعلومات أو التصريحات أو الأفكار... المتعلِقة بضيفه، والتي يبني عليها أسئلته، في مسعى المقاربة بين الجديد والقديم منها. من هنا، فإن عدم إتاحة الفرصة الكافية والكاملة للضيف، بغية استكمال فكرته أو جوابه، والإكثار من الأسئلة المتقطِعة، قد تخلق حالاً من التشتت التي ربما تقلل من جرعة التركيز في البرنامج، والانزلاق نحو الشطط في الأطراف والهوامش، بدلاً من الإيغال في المراكز والمحاور. وبذا، يغدو البرنامج أحياناً، غير منسجم مع اسمه. *"بي بي سي العربية"، 19،20 بتوقيت غرينتش. نشر في العدد: 16789 ت.م: 23-03-2009 ص: 34 ط: الرياض