يرشح مقال السيد عماد فوزي شعيبي، رئيس مركز المعطيات والدراسات الإستراتيجية بدمشق، بغير قليل من التعالي الفكري والنبر التعليمي والتلقيني وهجاء المؤمنين بالفكر الخلاصي شخصيا احلم بظهور"الديموقراطية المنتظرة"وهو حلم سببه كوابيس لا تغرب عن بال حصيف. المعادلة الرياضية تقول: الحلم الخلاصي رد فعل كابوس طويل. كما ان المقال يكتظ بعبارات صعبة تحتاج إلى"مكانيسان لغوي"لفكها وإعادة تركيبها. على سبيل المثال:"مثقفو حداثة العهد"متلازمو"الإرادة في الحياة بعيشها؟". كما يُحسد المقال على استفادته من علوم السياسة والرياسة والكيمياء واللوبياء وتحشيدها في مقاله"الأعصم"... سأحاول تلخيص أفكار المقال راجيا من الله أن يسدد خطى قلمي الأعرج على أن يغفر لي خطيئة قلمي في ردّ العجز على الصدر حسب نظرية نيوتن في علوم الرد: 1- السيد رئيس مركز المعطيات والدراسات الإستراتيجية بدمشق يريد القول إن الديموقراطية لا تأتي على دبابة او صندوق انتخابي الحل السحري وقد صارت بدهية سياسية، فالدكتاتوريات فقط تأتي على صهوات المصفحات؟ تلك ايضا بدهية، يبقى ان ثمة من يحلم باستبدال استبداد بآخر، لكن يبدو ان المقال يريد نشر نعوة الديموقراطية. او انه يؤبنها ويهجوها هي بذاتها ويبعث على الاعتقاد بأنها كذبة. ولعل السبب في ذلك يعود إلى "استبداد الطبائع"، بعد أن شبعنا من"طبائع الاستبداد"! فإذا كان المقال يعيب على المثقفين الخلاصيين اعتبار الديموقراطية حلا سحريا، فماذا يقول عن حقبة كاملة كانت تعتبر الاشتراكية طريقا وحيدا للتقدم وتحبس و"تعدم"على إنكارها او لمزها، بل لا تزال والتهمة هي: مناهضة أهداف الدولة الاشتراكية! 2- يدعونا المقال إلى عدم الانبهار بالديموقراطية العالمية والإسرائيلية التي يصفها ب"المثلومة"ونشكره انه لم يصفها بالمنكوبة أو المزيفة أو المشوهة وكان من الممكن أن يصفها بالديموقراطية اليهودية لليهود فقط وهو عيبها الأكبر، مع التأكيد أن ديموقراطية إسرائيل لا تجعلها دولة شرعية. لكنه في مسرد آخر يصفها بالصورية، ولا ادري بما يصف الانتخابات العربية المثكولة غير المثلومة؟ من البدهي انه لا توجد ديموقراطية مثالية في العالم. لكن، والحق يقال، ان ديموقراطية إسرائيل"تثمر"حكومة جديدة كل عامين في دولة شعب الله"المحتار"، أما في دول العرب فالحكومات ثابتة، حتى أن الاسرائيليين يعانون من فرط الانتخاب وقد وصل معدل الحكومات اليهودية إلى حكومة كل عامين في العقدين الأخيرين. وينقض المقال نفسه عندما يخلص قائلا:"بناءً على ما تقدم يمكن القول إن أكثر من نصف أعضاء الكنيست لا يتم اختيارهم بطريقة ديموقراطية متكاملة، برغم الادعاءات المتكررة للديموقراطية المتميزة في إسرائيل". فإذا كان المقال قد اثبت، حسب موقع عكا الذي يقتبس منه، أن نصف أعضاء الكنسيت منتخبون صورياً، فإنه قد اثبت أن نصفهم الآخر منتخبون ديموقراطياً، أي أن الديموقراطية الإسرائيلية صحيحة بنسبة خمسين في المائة، وتلك نتيجة يطمح إليها أي عربي في انتخابات غير صورية! فلو أن نصف أعضاء أي"كنيست"عربي منتخبون بهذه الطريقة لكان الحال غير ما هو عليه: عقول عربية هاربة، فقر وإفقار، أحياء خبط عشواء، فساد منظم مؤمم، تمركز سلطوي وشخصنة مفرطة، رعايا مذعورة، مراكز دراسات غير إستراتيجية... وأيضا: أحلام خلاصية. 3 ? يقترح مقال السيد رئيس مركز المعطيات"العقلانية الواقعية التي يجسدها تيار المقاومة والممانعة بدلا من الديموقراطية، علنا ننتج منه عمقاً مفهومياً مغايراً لمصطلحات كالديموقراطية والعلمانية على أقل تقدير"، وهو"درس استراتيجي"عجيب. فنحن نعرف أن المقاومة والممانعة طرق في القتال والدفاع لا في الحكم وإدارة شؤون البلاد! ما هي المقاومة وما هي الممانعة؟ ازعم أن المقاومة هي الاسم العلماني أو الحداثي لمفهوم الجهاد الإسلامي والمقاومة هي الجهاد باليد، أما الممانعة فهي الوصف المدني أو المعاصر للجهاد باللسان أو الصوت أو بالمال أو بالقلب وهو اضعف"الإيمان". المقاومة هي كل رد على كل ظلم. من البدهي أن الإنسان يحتج على الظلم المباشر، فلمَ تمنع الدول الممانعة الاحتجاج السلمي على الظلم؟ سؤال آخر: لمَ تغرم رعاياها بتبرعات إجبارية للمقاومة؟ أليست لها ثقة بممانعة شعبها للاحتلال الصهيوني؟ عفواً نسينا أن نقول: الصهيوني الغاشم، مع ان الموصوف مكتفٍ بنفسه؟ 4- تبقى هنالك أفكار عارضة في متن المقال الغرض منها إبراز العضلات الفكرية مثل تعريف الاختزالية في استطراد طويل... وتقديم تعريف"مبهر"للديموقراطية:"أن الديموقراطية هي تداول للسلطة في إطار اللعبة السياسية، وبكلمة فهي"لعبة"و"سياسة"، فإذا أردت أن تتعامل مع السياسة عليك تتعلم لغتها، لا أن تتحدث بلغة غيرها". لا يشرح لنا المقال" قوانين"اللعبة"في أسوأ حالاتها ظلما، ولا لغة السياسة التي لا تعرف منها السلطات العربية سوى الهراوة. المقال يريد منا ان نصفق للعبة حتى لو كان الهدف في مرمانا، حتى لو شاط رؤوسنا بدلا من الكرة. أظن أن هناك تعريفات كثيرة للديموقراطية بعدد شعرات رأس... ثمرة جوز الهند، لا ثمرة القرع الفارغ. أشهر تعريف هو حكم الشعب نفسه بنفسه، لا حكم الشعب نفسه بالمقاومة أو حكم الشعب نفسه بالممانعة... و احسب أن الديموقراطية تتضمن في طيفها مفاهيم مثل العدالة والتعددية والتداولية وحتى العقلانية والعلمانية. أقصى طموح للسيد رئيس مركز المعطيات... خود نفس هو إعقال الديمقراطية كما يقول، أما أقصى أحلامي فهو إعقال الديكتاتورية في العالم العربي. فيكف يمكن عقل ديموقراطية لا تزال حلما في كتابات الكتاب الخلاصيين: قل لي بماذا تحلم اقل لك من يحكمك! تلك هي المعادلة الرياضية الفيثاغورية. مقال السيد مركز المعطيات والدراسات الإستراتيجية وسيب نفس هو نموذج للاختزالية"الاستراتيجية". اختزال حركة شعب وأمة كاملة في مقاومة وممانعة؟ هذا ممكن بشرط: مقاومة كل ظلم. مقاومة كل فساد. مقاومة كل استعمار.عندها يمكن الجمع بين الاختين المقاومة والديموقراطية في عصمة واحدة. الديموقراطية الجزئية والهامشية أنتجت مقاومتين واحدة في جنوبلبنان و ثانية في غزة. الديموقراطية تحبل بالمقاومة، فمقاومة الظلم فطرة او غريزة بالتعبير العلماني بشرية. لكن من الصعب على المقاومة والممانعة الحبل بديموقراطية حتى لو كانت"صورية"إلا إذا كانت المقاومة والممانعة زوجة شرعية لا عشيقة أو زوجة عرفية. * كاتب سوري. نشر في العدد: 16779 ت.م: 13-03-2009 ص: 14 ط: الرياض