"ماذا تقرأ هذه الأيام؟" "والله أحاول إعادة قراءة كتاب صامويل هانتينغتون عن"صدام الحضارات"". "أنا أيضاً أعيد قراءة"الاستشراق"لإدوارد سعيد". يعتقد البعض إن مثل هذا الحديث بين الصديقين الواقفين في أحد أروقة معرض الكتاب الدولي للكتاب في القاهرة في دورته ال 41 عادي، لكن واقع الحال يثبت ان الحديث استثنائي وأبعد ما يكون عن العادي. فقد تلقيا ممن حولهما عدداً لا بأس به من نظرات الاستهجان المشوبة بالسخرية والتي لم تخل من دهشة. فالشابان ? وكلاهما في أواخر العشرينات من العمر - يشكلان قلة آخذة في الاندثار، قد يطلق عليها القلة المثقفة، أو القلة القارئة، أو القلة المطلعة. باختصار إنهما قلة. أحمد الجندي وخالد صالح صديقان تخرجا في الجامعة قبل نحو خمسة أعوام ويعملان في مجال المحاسبة، لكنهما يهويان القراءة والمطالعة. وفي غرفة كل منهما مكتبة صغيرة لكنها عامرة بما"لذ وطاب"من صنوف الكتب الجديدة والمستعملة التي اقتنياها منذ كانا في المرحلة الابتدائية. وعلى رغم انهما يؤكدان إن هوايتهما تلك كانت منذ الصغر تجذب قدراً غير قليل من علامات التعجب من أقرانهما، إلا أن التعجب بلغ أوجه في السنوات القليلة الماضية. يقول الجندي:"أصبحت قراءة الكتب ظاهرة تستدعي إمعان النظر والتعجب". ويوافقه صالح تماماً ويقول مؤكداً:"زملائي في البنك يسألونني مستنكرين: كيف تتحمل عناء القراءة؟". أما كيف تحولت عبارة"متعة القراءة"وقت فتح معرض القاهرة الدولي للكتاب أبوابه للمرة الأولى قبل ما يزيد على أربعة عقود إلى"عناء القراءة"، فقد ألقى الحضور الشبابي في فعاليات المعرض الذي أغلق أبوابه قبل أيام قليلة الضوء على الكثير من الأسباب. سمية 19 سنة أكدت أنها"قارئة من الدرجة أولى"، فهي تقرأ كتابين أو أكثر كل أسبوع."أنا وزميلاتي نتبادل الكتب الدينية والأدعية، إضافة إلى كتب التفسير والفقه. فأنا لا أحب أن اضيع وقتي في كتب لا تفيد وقد تضر". ويندرج تحت فئة"لا تفيد وقد تضر"في نظر سمية كل ما ليس له علاقة مباشرة بالدين وعلومه. علوم من نوع آخر تجذب فئة اخرى من الشباب الذي يصنف نفسه بأنه"قارئ"وهي علوم قراءة الطالع، والتنمية الذاتية، وإعادة رسم خريطة الدماغ وسبل اكتساب قدرات الإقناع والتسويق الذاتي. ازدحام شديد لافت للأنظار في أحد أركان المعرض كشف عن تلال من تلك النوعية من الكتب التي تتميز كذلك برخص الأسعار، وإن كان ذلك على حساب جودة الطباعة. سليم وأصدقاؤه الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و20 أجمعوا على أن هذه هي النوعية المفضلة لديهم من الكتب. فمعرفة المزيد عن السمات الشخصية لمواليد برج ما، ومدى التوافق بين الأبراج وغيرها تستهويهم، لا سيما في بداية العلاقات بين الجنسين. كذلك الحال بالنسبة إلى كتب التنمية الذاتية التي يعتبرونها مكملاً حيوياً للدراسة لخوض سوق العمل. يقول أحدهم:"كلنا يعلم إننا ندرس ما ندرسه من أجل الحصول على شهادة نضعها ضمن ملف مصوغات العمل. لكن الطريق إلى الحصول على فرصة عمل حقيقية لن تحققها الشهادة، لذلك نحاول صقل قدراتنا بهذه القراءات المفيدة". ويختلف تعريف"القراءات المفيدة"من شخص الى آخر، فالقراءة المفيدة بالنسبة إلى هنا عمرو 17 سنة هي القراءة المحددة والموجهة، وهذا النوع من القراءة قلما تحققه الكتب."حين أريد أن أقرأ عن الأزمة المالية مثلاً فأنا ابحث عبر مواقع محددة في الإنترنت عما أريد معرفته. فلا وقت لدي للبحث في الكتب والتنقيب لأصل إلى ما أود معرفته في سطور قليلة". حتى غياهب التاريخ وظلمات الفلسفة التي يضطر دارسوها، وليس محبوها، للخوض فيها باتوا لا يضطرون إلى قراءة كتبها. تقول سالي حازم 21 سنة الطالبة في كلية الآداب قسم الفلسفة:"آخر مرة أمسكت فيها كتاباً كان في الثانوية العامة. أما الآن فلدينا الملازم والملخصات التي يجهزها أساتذة الكلية لكل مادة". إذاً حتى الكتاب الجامعي صار مهدداً بالاندثار، وهو غير مأسوف عليه ? على ما يبدو ? من الغالبية. نشر في العدد: 16747 ت.م: 09-02-2009 ص: 25 ط: الرياض