لماذا نقرأ؟ ما الهدف من القراءة؟ هل عندما نقرأ تتغير أحوالنا الفردية والاجتماعية إلى الأفضل؟ هناك نوعان من القراء، نوع من القراء هدفه المتعة وتمضية وقت الفراغ فقط، وهؤلاء قراء الروايات والقصص وأحيانا الشعر ولا يخرجون عن هذه الدائرة، ونوع آخر هدفهم من القراءة بالإضافة إلى المتعة، هدفهم المعرفة وتوعية الذات وتطويرها، والارتقاء بها، وهؤلاء هم قراء الفلسفة والروايات العظيمة والعلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية وكتب التاريخ والسياسة والاقتصاد وغيرها من الكتب التي تضيف ما نقص من الذات، وما هي بحاجة إليه. النوع الأول في الحقيقة لا نستطيع أن نطلق عليه صفة مثقف، لأنه لو تسأله عن أبسط سؤال خارج ما يقرأه لا يستطيع الإجابة عليه، بينما النوع الثاني هو الذي نستطيع أن نطلق عليه مثقف بكل معنى الكلمة، طبعا أنا أقصد الجادين منهم. وكلا النوعين يتفرع منه نوع آخر وهو الهدف من القراءة ليس القراءة فقط وإنما الهدف الكتابة، أي أنه يقرأ من أجل أن يكتب، بمعنى إنه في الغالب يقرأ لا ليعرف أكثر أو يفهم أكثر، وإنما تركيزه في القراءة على ما سوف ينتجه من كتابة لاحقا، وأنا قلت غالبا، لأن هناك من يقرأ ليعرف ويفهم وكذلك ليكتب، وهذا ما نجده لدى فطاحلة الأدباء والعلماء والكتاب الكبار، وهم في الحقيقة قلة إذا ما قيسوا على مستوى كثرة الكتاب الموجودين في الساحة. ولكن كيف ترتقي القراءة بالذات؟ قبل الإجابة أود أن أنوه عن أمر آخر وهو مثل ما هناك قراءة مفيدة هناك قراءة مضرة، مثل قراءة الكتب المتطرفة والمتشددة دينيا والتي تفرخ مثل داعش وأخواتها والتي تضر الأفراد والمجتمعات كما هو معروف للجميع، كذلك هناك ضرر آخر من بعض أنواع من القراءات وهي التي يتماهى معها القارئ مع الكاتب ويلغي شخصيته تماما، ويعتقد بكل ما يطرحه الكاتب دون نقد أو تمحيص منه وهي القراءة التي قال عنها مارسيل بروست «طالما أن القراءة بالنسبة إلينا هي المحرض الذي يمكن لمفاتيحه السحرية فتح الأبواب إلى مناطق التأمل العميقة داخلنا التي لم نكن لنعرف كيفية دخولها، سيكون دورها مفيدا في حياتنا، وسيصبح خطرا من جانب آخر لو عمدت القراءة بدلا من تنبيهنا إلى حياة الذهن الخاصة إلى الحلول محلها». نعود إلى سؤالنا أعلاه، وهو كيف ترتقي القراءة بالذات؟ إن الذي يقرأ كما قيل ليس كمن لا يقرأ وهو الذي يعيش حياة واحدة فقط، وإنما الذي يقرأ يعيش حيوات، ويرتاد عوالم مختلفة خارج عالمه، ويرتقي بذاته من خلال العلوم والمعارف التي اكتسبها، ويرتحل إلى الماضي من خلال قراءته لكتب التاريخ بالإضافة إلى توسعة مداركه من خلال علوم الكون والفلسفة وعلوم النفس والاجتماع، كذلك يستطيع حل بعض المشاكل التي تعتريه من خلال الاستفادة من تجارب الآخرين، وتطوير ذاته ومجتمعه من خلال تجارب الأمم والحضارات المختلفة ناهيك عن تقوية وحفظ ذاكرته من خلال القراءة.