بعدما أمضى شهره الأول في إطلاق ثلاث خطط"استثمار"لإنعاش الاقتصاد وإنقاذ المصارف من ورطتها وتخفيف حدة انهيار قطاع السكن، استهل الرئيس الأميركي باراك أوباما شهره الثاني بالتصدي لأخطر تحد يواجه أميركا على المديين القريب والبعيد، في جهد إضافي للسيطرة على الآثار المدمرة لأزمة المال التي تقض مضاجع حملة الأصول المالية الأميركية، من مصارف مركزية ومستثمرين أفراد في معظم أنحاء العالم. وحدد أوباما هدف مبادرته الجديدة قائلاً إن"إدارته ورثت من إدارة الرئيس السابق جورج بوش للسنة المالية 2009 عجزاً مالياً قدره 1.3 تريليون دولار - العجز الأضخم في تاريخنا - ومن شأن الاستثمارات التي خصصناها لإنقاذ اقتصادنا أن تضاف إلى هذا العجز في المدى القصير. ولدينا تحديات أخرى في المدى البعيد، لكننا لا نستطيع احتمال، ولن نحتمل، عجزاً من هذا القبيل بلا نهاية". وتحدث أوباما في"قمة المسؤولية المالية"التي استضافها في البيت الأبيض الاثنين وحضرها قادة الكونغرس واقتصاديون ومحللون لخصوا تحدي الآثار البعيدة المدى للعجز بالتحذير من أن عبء الدين العام يساوي حالياً 44 في المئة من الناتج المحلي لكنه سيتجاوز 300 في المئة في أقل من أربعة عقود، مشيرين إلى أن كلفة خدمة الدين ستقفز من اثنين إلى 14 في المئة من الناتج المحلي في الفترة ذاتها. ووضع أوباما مشكلة خدمة الدين في نصابها وخلص إلى إعلان التزامه"خفض العجز الذي ورثناه بمقدار النصف بنهاية فترتي الرئاسية الأولى". وقبل إعلان أوباما التزامه بخصوص العجز المالي استمعت"القمة"إلى المحلل الاقتصادي البارز مارك زيندي، فذكر في توقعاته أن عجز الموازنة الفيديرالية الذي تجاوز 450 تريليون دولار في السنة المالية 2008 سيصل إلى ثلاثة تريلونات دولار في السنتين الماليتين 2009 و2010. ويزيد هذا الرقم على توقعات مكتب الموازنة في الكونغرس بنحو 1.1 تريليون دولار لكنه يشمل كلفة خطتي إنقاذ الاقتصاد وقطاع السكن. وتطابق التزام أوباما مع توقعات مكتب الموازنة الذي رجح انخفاض العجز المالي إلى حدود 250 بليون دولار بنهاية 2012 أي قرابة نصف مستواه في 2008 حتى بعد أخذ كلفة خطتي الاقتصاد والسكن في الاعتبار وإن كان المكتب توقع أيضاً أن يحافظ العجز على قيمته هذه إلى نهاية العقد الحالي ما يعني أن الدين العام الذي تضاعف في فترتي رئاسة بوش سيتضاعف ثانية ليتجاوز تسعة تريليونات دولار بنهاية 2019. لكن صورة مختلفة عن العجز المستقبلي وأثره في الدين العام قد تظهر في مشروع الموازنة للسنة المالية 2010 الذي يعلنه أوباما نهاية الأسبوع الجاري، سيما أن محللين لاحظوا أن التزامه تقليص العجز إلى النصف في نهاية فترة رئاسته جاء بعدما انهارت ثقة العالم بالاقتصاد الأميركي إلى أدنى مستوى في عقود لا سيما استعداد المصارف المركزية والمستثمرين الأفراد الأجانب ضخ احتياطاتهم ومدخراتهم في أوراق المال الأميركية. وأعلنت وزارة الخزانة نهاية الأسبوع الماضي أن المصارف المركزية والأفراد الأجانب خفضوا مشترياتهم من الأصول المالية الأميركية إلى 413 بليون دولار في 2008 مقارنة مع تريليون دولار في 2007 و1.2 تريليون في 2006. وظهرت مؤشرات انعدام الثقة في مقاطعة شبه كاملة لسندات المؤسسات شبه الحكومية والشركات والأسهم وإقبال محدود نسبياً على سندات وأذونات الخزانة المتوسطة والطويلة الأجل بحثاً عن الأمان. لكن مؤشرات انعدام الثقة ظهرت بقوة أكبر في توجه الأفراد والمؤسسات الحكومية الأجانب إلى اقتناء سندات الخزانة القصيرة الأجل سنة واحدة، إذ بلغت قيمة مشترياتهم منها نحو 450 بليون دولار ما رفع نسبة مساهمتهم في تمويل القصور المالي الأميركي وتحديداً الزيادة الحاصلة في الدين العام الأميركي في 2008 إلى 68 في المئة 868 بليون دولار. نشر في العدد: 16763 ت.م: 25-02-2009 ص: 21 ط: الرياض