بعد عدوان تموز يوليو 2006 الذي أدى الى تدمير قسم كبير من الجنوب والضاحية الجنوبية والبقاع اطلق"حزب الله"من طريق مؤسسة"جهاد البناء"مشروع"وعد"لإعادة إعمار ما هدمته الحرب تحت شعار"نعيدها أجمل مما كانت". ومنذ انطلاقته وحتى اليوم أثار هذا المشروع الكثير من علامات الاستفهام والإشكالات حول أبعاده السياسية والاجتماعية والهندسية والمالية وحول علاقته ب"حزب الله"، ما دفع الإدارة الأميركية الى وضعه على"لائحة الإرهاب"بتاريخ 7 كانون الثاني ديسمبر الماضي وفقاً للقرار 13224. وأعاد العدوان الإسرائيلي الجديد على غزة طرح اشكالية إعمارها مجدداً في ظل النزاع بين حركة"حماس"والسلطة الفلسطينية على كيفية إعادة الإعمار ومن يمتلك سلطة القرار لصرف الأموال. هنا محاولة لإلقاء الضوء على"مشروع وعد"لإعادة إعمار الضاحية وكيفية انطلاقته والإشكالات التي تطرح حوله وما حققه والشكاوى والملاحظات التي أثيرت في شأن المخطط الذي يتم تنفيذه في شأن الإعمار عسى ان يكون ذلك مدخلاً لمعالجة المشاكل الناتجة من العدوان على غزة. خلاف على المشروع يقول المهندس حسن جشي المشرف على تنفيذ مشروع"وعد" في الضاحية الجنوبية:"بعد العدوان الذي شنته إسرائيل على لبنان عام 2006 وبعد صدور القرار 146 عن رئاسة الحكومة اللبنانية والذي حدد التعويضات للمتضررين، عُقِد لقاء في الضاحية برعاية"حزب الله"جمع خمسة آلاف شخص من المتضررين وتم تقديم اقتراحين لإعادة الإعمار: الأول يقضي أن يقوم الناس بإعادة إعمار منازلهم ويتم تقديم المساعدة لهم. والثاني ان يتولى"حزب الله"إعادة الإعمار عبر توكيل مؤسسة"جهاد البناء"بذلك وهي تأخذ التعويضات التي تمنحها الدولة للمتضررين وتتولى الإعمار مع تأمين ما ينقص أو إعادة ما يزيد الى الناس. وتم توزيع الاستمارات على مندوبي الأبنية المهدمة، حيث وافق 70 في المئة من المتضررين على ان يتولى الحزب إعادة الإعمار فيما طلب 30 في المئة إعمار منازلهم بأنفسهم ومن ثم تم جمع عدد كبير من المهندسين والمتطوعين لاطلاق المشروع والحصول على التوكيلات القانونية لاستلام التعويضات. لكن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة اعترض على التوكيلات على رغم صدور قرار لاحق من مجلس شورى الدولة برئاسة القاضي غالب غانم ? يبطل قرار الرئيس السنيورة". من جهته مستشار رئيس الحكومة عارف العبد يشرح وجهة النظر الرسمية قائلاً:"بعد انتهاء العدوان عمدت الحكومة الى تشكيل لجنة مشتركة ضمت ممثلين عن حركة"أمل"و"حزب الله"ونقابة المهندسين والإدارات المعنية للبحث في إعادة الإعمار. وكان هناك اقتراح بأن تتبنى الدولة تلزيم الإعمار، لكن الحركة والحزب رفضا ذلك ولهذا تم وضع آليات لدفع التعويضات للناس وفقاً لمقايس معينة، والحكومة لم تقبل وجود توكيلات من الناس لأي جهة لقبض التعويضات لأنها لا تعترف بوجود جهة رسمية تمثل الناس في حين ان الحزب عمد الى إنشاء مشروع"وعد"انطلاقاً من إحصائية أجراها في شكل غير رسمي. وبالنسبة الى الحكومة فمشروع"وعد"غير موجود قانونياً وكان يفترض أن يتم وضع مخطط توجيهي جديد بالتعاون مع مجلس الإنماء والإعمار. ونحن لا نعرف ماذا تفعل"وعد"وكيف تتم إعادة الإعمار". انطلاقة المشروع الخلاف بين القائمين على مشروع"وعد"والحكومة اللبنانية لم يقف عائقاً أمام انطلاقة المشروع بحسب ما قال المهندس جشي مستعيداً كيفية العمل:"منذ اتخاذ القرار تم تكوين جهاز إداري وفني والاستعانة بعدد من المهندسين وتلقينا الدعم من جمعية"جهاد البناء"لكننا عمِلنا في شكل مستقل وبالتعاون مع بلدية"حارة حريك"حيث يتركز عمل المشروع". وتم تنظيم العقود مع المهندسين وشركات المقاولات بعد أخذ التوكيلات القانونية من أصحاب المباني وتم تشكيل هيئة استشارية معمارية لوضع المخطط التوجيهي، وضمت الهيئة نخبة من المعماريين اللبنانيين للاطلاع على المشاكل القائمة وإيجاد الحلول المناسبة وتكوين رؤية معمارية لإعادة الإعمار وفقاً للقوانين والأنظمة المعمولة. ومن أعضاء اللجنة رئيس رابطة المعماريين العرب المهندس رهيف فياض، ورئيس قسم العمارة في الجامعة اللبنانية الاميركية مارون دكاش، والاستاذان في الجامعة الاميركية المهندس ساني جمال والدكتورة هناء علم الدين، والدكتور محمود شرف الدين من الجامعة اللبنانية، والمهندس جاك خوام من الجامعة اللبنانية، والمهندس محمود دندشلي". ويضيف جشي:"بالنسبة إلينا، القانون اللبناني كان هو المرجع الأساسي في عملنا وتقوم البلديات بالإشراف على العمل وفقاً للمخطط التوجيهي المصدّق من التنظيم المدني لمنطقة حارة حريك. وتمت إزالة المخالفات القائمة الطفيفة وإعادة الحالة الى الوضع القانوني". من جهته نائب رئيس بلدية حارة حريك المهندس احمد حاطوم يقول:"نحن كبلدية شاركنا في اللقاءات التمهيدية لمشروع"وعد"ووضع الأسس العامة للمخطط التوجيهي وطالبنا بالالتزام بكل التخطيطات الموجودة في البلدة منذ عشرات السنين وبالتراجعات القانونية وعدم التعدي على الأملاك العامة وتأمين مواقف جديدة لكل السيارات في المباني المعاد إعمارها وإضافة مواقف جديدة وتم الالتزام بهذه النقاط بنسبة 90 في المئة". رؤية الجامعة الاميركية لكن على رغم انطلاقة المشروع فإن ذلك لم يمنع وجود وجهات نظر مختلفة حول كيفية الإعمار والأسس التي ينبغي الالتزام بها، ففي حين التزمت"وعد"بإعادة الأمور الى ما كانت عليه مع إجراء تحسينات إضافية في عملية تنظيم المباني واستحداث مرائب للسيارات وحدائق وأرصفة جديدة، فإن الجامعة الاميركية في بيروت كان لديها وجهة نظر أخرى، حيث شكلت فريقاً خاصاً قام بإعداد دراسة حول إعادة الإعمار بإشراف المهندسين منى فواز ومروان غندور، أعد دراسة متكاملة تحت عنوان"إعادة إعمار حارة حريك: خيارات في التصميم من اجل تحسين شروط العيش في محيط المنطقة"وبعد دراسة مفصلة للأوضاع في المنطقة والمشاكل التي تعاني منها قبل العدوان وبعده، قدّمت الدراسة مجموعة من الاقتراحات والأفكار ومنها: 1 - تأمين أسرع وأكمل إعادة توزيع ممكنة للنازحين ضمن الحيز الجغرافي السابق. 2 - تحسين نوعية الفسحات العامة في المنطقة. 3 - الموازنة بين حركة سير المركبات وبين حاجة المشاة والحاجة الى الأمكنة العامة. 4 - تأمين امكانية حلول لائقة في الإضاءة والتهوئة الطبيعية في وحدات السكن. 5 - تأمين مساحة كافية لمواقف السيارات. 6 - جعل إعادة الإعمار جهداً تعاونياً بين القطاع العام وبين السكان والعاملين. 7 - الاعتماد على مقاربات بسيطة وسهلة الاستخدام في التخطيط. واستعان فريق العمل بعدد كبير من المهندسين والباحثين ووضع أفكاراً تفصيلية للتنفيذ. كما جرى اقتراح مسابقة دولية لوضع التصميم الجديد لإعادة الإعمار. لكن المهندس جشي اعتبر"ان مشروع الجامعة الاميركية لم يكن بالإمكان تطبيقه بسبب اعتراض الناس على بعض تفاصيله ولصعوبة التنفيذ مع انه جرى الأخذ بالكثير من الملاحظات على صعيد تحسين الطرقات وتأمين المواقف والحدائق العامة". مشاكل وعقبات وعن المشكلات والعقبات التي واجهت المشروع ووجود بعض الشكاوى من السكان يقول نائب رئيس بلدية حارة حريك احمد حاطوم"ان العقبة الأساسية التي واجهت تنفيذ المشروع تتمثل بالتأخر في تنفيذ المستحقات المالية من جانب الدولة. كما ان هناك بعض العقبات غير المنطقية واللامقبولة التي توضع أمام المواطنين للحصول على حقوقهم على صعيد تحديد الورثة وتعدد الشركاء والعلاقة بين المالكين والمستأجرين، ما ينعكس سلباً على الحصول على الأموال. ويضاف لذلك ضبابية القرار 146 حول إعادة الإعمار إضافة الى اعتراض بعض المواطنين على كيفية إعادة الإعمار". أما المهندس حسن جشي فيقول:"هدفنا إعادة البناء كما كان ولكن واجهتنا بعض المشاكل وخصوصاً على صعيد الحفر والتدعيم وإزالة الردم والتأخر في دفع التعويضات وزيادة كلفة الإعمار بسبب ارتفاع الأسعار، وان كان حزب الله تعهد بدعم المشروع إذا لم تكف الأموال المقدمة من الدولة". وأما عن شكاوى الناس فهي تأتي نظراً لحصول بعض التغييرات في المباني بسبب اعتماد معايير بناء جديدة ومواصفات عالية ضد الزلازل ولتأمين الحماية المناسبة. لكن مستشار رئيس الحكومة عارف العبد يؤكد"ان الدولة حريصة على دفع التعويضات لكن هناك مشكلة في تأمين الأموال لأن 95 في المئة من أبنية الضاحية لم يتم تبنيها من الدول التي تعهدت بإعادة الإعمار ونحن لسنا مطلعين على ما تقوم به"وعد"وإذا تم الإعمار وفقاً للقوانين فهذا عمل جيد ولا دخل لنا بأية اتهامات توجه للمشروع". بين الإنجاز والوقائع وحول ما تم إنجازه حتى الآن يقول جشي:"لقد كلفنا بداية بإعمار 185 مبنى ولكن بعد عرقلة دفع التعويضات فان أصحاب بقية المباني البالغة 48 مبنى طلبوا منا أيضاً إعادة إعمارها، ويبلغ عدد الوحدات حوالي 4000 وحدة سكنية. ويعمل في المشروع 48 مكتب دراسات و19 شركة مقاولات و12005 مهندس ومشرف وعامل وإداري، وتم إنجاز 9 من المباني وتم تسليمها لأصحابها. ونتوقع حتى آخر عام 2009 ان يتم إنجاز 80 -85 في المئة من المشروع". ويعتبر نائب رئيس بلدية حارة حريك احمد حاطوم"انه لو لم يكن هذا المشروع لكانت الناس ما زالت تسأل حتى الآن عن كيفية إعادة الإعمار وتفتش عن المستقبل المجهول". وينفي حاطوم"وجود مخازن سرية ومراكز غير معروفة يتم بناؤها لمصلحة حزب الله"، موضحاً انه قام بعد العدوان بجولة مع 25 سفيراً أوروبياً على الضاحية الجنوبية"وتجولنا على الأحياء الشعبية والمصانع المهدمة ومعامل الألومينيوم ودور النشر ولم يكن هناك مخازن للأسلحة أو مراكز غير معروفة". اما المهندس جشي فيؤكد"ان كل ما نقوم به تم بإشراف شركات لبنانية معروفة والتصاميم موجودة لدى الشركات سواء كانت شركات للدراسة أو المقاولات، ونحن نعمل على إعادة بناء ما تهدم وفقاً لما كانت عليه الامور. وعندما يتم إنجاز المشروع سيكون نمودجاً جديداً في عملية إعادة الإعمار من خلال"تجربة أهلية"غير رسمية وهذه تجربة جديدة في إعادة الإعمار لم نعهدها سابقاً في دول أخرى تعرضت للدمار والعدوان". نشر في العدد: 16755 ت.م: 17-02-2009 ص: 32 ط: الرياض