"لا أستطيع أن أتصور كيف تجرأت على ارتكاب فعلتها تلك بكل ثقة وبرودة أعصاب..."، قطعت سناء جملتها، وحركت عينيها في كل الاتجاهات كما لو كانت ستجد في مكان ما كلمات أكثر تعبيراً عما تريد قوله."...هذه ليست جرأة، هذا انعدام ضمير، واستهتار بالعلم والنفس والمستقبل". شعرت الفتاة بأنها أفرغت شحنة الغضب التي اشتعلت في داخلها لما تلقفت من زميلاتها في الثانوية خبر التلميذتين اللتين اتفقتا على تبادل الأدوار، وحلول واحدة مكان الأخرى لاجتياز إحدى مواد الامتحانات. غطت حادثة انكشاف عملية الغش الجريئة هذه في مدينة مراكش بين تلميذة تدرس في مستوى القسم الثالث إعدادي وبديلتها التي تدرس في مستوى البكالوريا على كل أخبار الغش والغشاشين الرائجة في أوساط التلاميذ والطلاب أيام الاستعداد للامتحانات وخلالها وبعدها، جراء انتشار الظاهرة وتطور أساليب الغش بواسطة تكنولوجيا المعلوماتية. لم تكن المرة الأولى التي يعمد فيها الممتحنون لهذه الوسيلة الجريئة جداً، ولكن ربما هي المرة الأولى التي يكون المتورطون فيها إناثاً."الغشاشات يفضلن وسائل أخرى أقل جرأة"، تؤكد سناء، وتأتي على سرد بعضها مثل الهاتف المحمول وتقنية البلوثوت والأوراق الصغيرة المنقوشة بخط دقيق البرشامة، ثم تضيف بثقة في النفس:"أظن أن أكثر الوسائل جرأة جربتها الغشاشات في الفترة الأخيرة هي اللجوء إلى ارتداء الحجاب أيام الامتحان فقط، لإخفاء سماعات الهاتف المحمول والأوراق المنسوخة". وانكشفت خطة التلميذة الغشاشة وصديقتها منتحلة شخصيتها لاجتياز الامتحانات الموحدة نهاية شهر كانون الثاني يناير الماضي، عندما شكت أستاذة مكلفة بالمراقبة في ثانوية"ابن تومرت"الإعدادية في شخصية التلميذة الأصلية التي كانت تستعد لاجتياز امتحان مادة التربية الإسلامية، وأشعرت المسؤولين في إدارة المؤسسة للتصرف مع عملية الغش. وكانت خطة الغش نجحت في اليوم الأول من الامتحانات، وتمكنت تلميذة الباكلوريا من خداع المراقبين، واجتياز امتحان مادة الرياضيات مكان صديقتها من دون أن تثير أية شبهات حولها. من جديد، كشفت هذه الحالة عدم فاعلية نظام المراقبة القائم على اللوائح المدرسية التي تضم أسماء التلاميذ فقط." لو كانت المؤسسة اعتمدت نظام التحقق من هوية الممتحنين بواسطة بطاقة التلميذ المعززة بالصورة الشخصية لما أمكن لعملية الغش من هذا النوع أن تحصل، فأحرى أن تنجح في خداع المراقبين"، نبه إسماعيل، وهو مدرس صاحب خبرة في اكتشاف شخصية الغشاش كما يقول عن نفسه، موضحاً أن"من يختار الغش بطريق التواطؤ مع منتحل للشخصية يظنها أكثر الطرق أماناً لتجنب لفت الانتباه، لأن المراقب يركز على التلاميذ الذين يبدو عليهم الاضطراب وكثرة الحركة والانشغال بغير ورقة الامتحان". بعد اجتماع لجنة المؤسسة، تقرر تأديب تلميذة الإعدادي بإجراءات إدارية"مخففة"، بالنظر إلى ما يتم في مثل هذه الحالات من منع من اجتياز الامتحانات مدة سنة إلى خمس سنوات، ربما لاحتواء تداعيات تقصيرها في تطبيق المراقبة بواسطة بطاقة هوية التلميذ، بحسب بعض التفسيرات. وقضت الإجراءات التأديبية المتخذة في حق التلميذة الأصلية بتوقيفها من الدراسة مدة 20 يوماً، وحصولها على نقطة صفر في مادتي الرياضيات والتربية الإسلامية، كما تم إبلاغها بعدم الالتحاق بالمؤسسة بعد انصرام مدة التوقيف، والبحث عن مؤسسة تعليمية أخرى لإكمال سنتها الدراسية. وتعتبر هذه الوسيلة غير شعبية بين الغشاشين، ويفضلون عليها"الاعتماد على النفس". وتعود أسباب عدم شعبيتها إلى عوامل كثيرة، منها صعوبة إيجاد منتحل الشخصية الذي ينبغي أن يكون بمواصفات الطالب الذكي المجتهد والمتمكن من المادة التي سيجتازها مكان الكسول كي يضمن له النجاح مهما كانت صعوبة الأسئلة. ثم ينبغي إقناع المتواطئ ب"نبل التضحية الجسيمة"و"البطولة"الكامنة في تجنيب الكسول الرسوب وتضييع سنة تعليمية كاملة. وبالطبع يعتمد اقناع منتحل الشخصية على الوعد ب"التوبة"من الكسل والغش، وتبرير التكاسل والتواكل بظروف خارجة عن الإرادة وغير ذلك، لأن الأول هو في الأصل شخص متشبع بقيم الاستحقاق والاجتهاد والاعتماد على الذات، ويندر أن يكون أصدقاؤه من الكسالى، لذلك، يلاحظ أن منتحلي شخصية الممتحنين غالباً ما يكونون مرتبطين بصلة قرابة. نشر في العدد: 16754 ت.م: 16-02-2009 ص: 25 ط: الرياض