تناقلت وسائل الإعلام السعودية المختلفة أن 80 في المئة من السعوديين يؤيدون وجود السينما في المملكة. وقد يبدو الأمر عادياً لبقية الوسائل على رغم توجهاتها المتنوعة. لكني استغربت نشر الخبر بهذا البروز في المساحة والموقع في جريدة"الحياة"التي أعتز أيما اعتزاز باهتمامها المحترف بالسينما في شكل عام ... والتي قد تكون الصحيفة اليومية الوحيدة في السعودية التي تخصص ملحقاً خاصاً عن السينما أسبوعياً. وأستميحكم عذراً في كون صوغ الخبر لم يكن في مستوى عقلية المتلقي، خصوصاً من قراء"الحياة". وفي تصوري أن الأسباب التي أدت إلى ذلك يمكن إيجازها في ما يأتي: أولاً: كون الدراسة أعدتها أصلاً شركة إنتاج سينمائي، وليست شركة متخصصة بإعداد دراسات إعلامية أو حتى أي طرف محايد، تبعاً للمتعارف عليه مهنياً من تضارب في المصالح. ثانياً: لم تحدد الدراسة حجم أو عدد أفراد العينة التي أجريت عليها الدراسة حتى نعي ما تمثله عددياً نسبة 80 في المئة من بين أي عدد من الأفراد. ثالثاً: كيفية اختيار أفراد العينة، فهل تم الاختيار بطريقة علمية إحصائية أما أنهم فئة محددة ومقصودة، كما ذكر في أحد الأخبار من أن العينة هي جمهور مشاهدي أحد العروض السينمائية في جدة. رابعاً: ما مدى تمثيل العينة التي تم اختيارها للمجتمع السعودي بكل أطيافه وخصائصه ومناطقه المختلفة؟ خامساً: ما مدى دقة وصحة البيانات التي تم تجميعها وآلية التدقيق والمراجعة لضمان سلامتها وصلاحيتها قبل إخضاعها للقياس؟ سادساً: إلى أي مدى يمكن تعميم النتائج التي جرى تجميعها على المجتمع السعودي، خصوصاً ما تم تحديده من نوعيات مختلفة الأفلام. سابعاً: ما هي نسبة الخطأ في هذه البيانات حتى يمكن تحويلها إلى معلومات يمكن الاعتماد عليها في تقديم الحقيقة مجردة من أي أهواء أو مصالح شخصية. وهناك أسباب لا تقل أهمية، لكننا لسنا في صدد تقويم أكاديمي دقيق لهذه النتائج، بل أمام ظاهرة سلبية آخذة في الانتشار، هي التلاعب بالأرقام تحت مسمى دراسات من دون الاهتمام بأبسط البديهيات أو اتباع أهم الأساسيات، والتي غالباً ما يتم التغاضي عنها في شكل يستفز أي متلق لديه درجة ولو محدودة من الوعي والاهتمام. وللأسف الشديد هناك الكثير من الجرائم التي ترتكب تحت مسمى دراسات ومعلومات وبيانات وأرقام ليس لها أساس من الصحة أو الدقة أو الاعتمادية، وعادة ما يتم تعميمها في شكل عفوي لا نعفيه في أغلب الأحيان من البراءة. وهذا الأمر يستشري في السوق الإعلامية والإعلانية السعودية بصورة مخيفة ومروعة . وكثيراً ما نطالب ليس فقط كأكاديميين أو دارسيين ولكن أيضاً كمهنيين أو محترفين بضرورة التنبه لهذا الأمر. والأمثلة كثيرة في صورة أرقام تطلق بالآلاف وبالملايين أحياناً لمشاهدة برنامج بذاته أو لقراءة صحيفة معينة من دون اتباع منهجية سليمة وواضحة لا يختلف عليها أحد .. وكأن الأمر مستحدث فقط في السوق الإعلامية والإعلانية السعودية وليس له علاقة بما هو متعارف عليه مهنياً ودولياً . ولا أريد أن أتطرق هنا إلى بعض الحملات الدعائية المحدودة التفكير والمدفوعة القيمة في أغلب الأحيان لترويج ونشر أخبار ليس لها أساس من الصحة ولا تحقق المصلحة العامة، وغالباً ما يقتصر مروجوها على مصالحهم الشخصية البحتة من دون اهتمام بالآخرين أو بالمصلحة العامة، والأمر في هذا المجال يطول شرحه. وعود على بدء، أود أن أؤكد مرة أخرى أنني سأكون أول المؤيدين للعروض السينمائية في المملكة وفقاً لضوابط محددة تراعي القيم المجتمعية العامة، لكني بالطبع سأكون أول المعترضين على اتباع أساليب متواضعة التقدير ومحدودة التفكير للترويج للسينما في المملكة. فمهما تسامت الغايات والأهداف لا يمكن أن يبررها الاستخدام السيّء لوسائل خطأ أو أساليب مغلوطة. ولعلني أشير في هذا الصدد إلى أنه أيضاً ثمة بارقة أمل تتمثل في بعض المبادرات الحثيثة لتطوير دراسات الوسائل الإعلامية، كان أخرها وأتمنى ألا يكون أخيرها الندوة التي رعاها وزير الثقافة والإعلام في مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر، تلك الندوة وما يترتب عليها هي ومثيلاتها، يتوقع أن تضع عدداً من الضوابط المهنية التي تحمي المجالين الإعلامي والإعلاني من التهاون، أو التلاعب بمثل هذه النوعية من الدراسات أو ربما الافتراءات، إن جاز التعبير. * أستاذ في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة. نشر في العدد: 16751 ت.م: 13-02-2009 ص: 27 ط: الرياض