انتهت قيادة الفرنسيين للاتحاد الأوروبي في نهاية شهر كانون الأول ديسمبر 2008 وتسلمت تشيخيا هذه القيادة لفترة ستة شهور. وأدرك كثيرون وجود مفارقة كبيرة بين القيادتين حيث تنتقل القيادة من بلد أوروبي غربي كبير له وزنه وثقله السياسي والاستراتيجي والتاريخي في أوروبا والعالم وله جذورة الممتدة في الديموقراطية وحقوق الإنسان ومن المؤسسين الأوائل للاتحاد الأوروبي، الى بلد صغير من أوروبا الشرقية التي كانت منضوية تحت مظلة المعسكر الاشتراكي، هو جديد على الديموقراطية وحديث الانتماء الى عضوية دول الاتحاد الأوروبي، وقليل الخبرة في المعترك السياسي وسياسيوه في صراع مع أنفسهم. الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي قاد أوروبا للفترة الماضية أبلى بلاء حسناً في معالجته الأزمات، بدءاً من ارتفاع أسعار الطاقة الى الپ"لا"الارلندية للدستور الأوروبي المنقح، الى الحرب الروسية - الجورجية ثم الخلاف الأوروبي - الروسي جراء هذه الحرب، حتى الأزمة المالية والاقتصادية التي ضربت أوروبا. نجاحات ساركوزي لم تقتصر على الوقوف بحزم أمام الأزمات فحسب بل امتدت الى جوانب أخرى، فقد نجح في إرساء أسس ما يسمى بپ"اتحاد من أجل المتوسط"وهو مشروع شراكة بين دول شمال حوض المتوسط وجنوبه. كما نجح في التوصل الى معادلة وموازنة بين متطلبات الطبيعة المناخ والبيئة ومتطلبات الاقتصاد استهلاك الطاقة، إذ وعد العالم بأن في عام 2020 ستكون نسبة الانبعاثات الغازية الناتجة عن الحرق الحراري في أوروبا 20 في المئة، أقل من معدلاتها لعام 1990. وهذا الوعد هو انتصار مهم للبيئة ولسلامة الأرض من التلوثات الغازية التي أدت الى ظاهرة الاحتباس الحراري، ويعتبر رسالة مفتوحة الى العالم الصناعي فحواها بأن"أوروبا أعطت شيئاً ما للطبيعة فماذا أنتم معطون؟". ويشكك كثيرون بوجود الصفات القيادية نفسها التي يتحلى بها ساركوزي من حيوية وديبلوماسية وحكمة وبعد نظر وتأثير على الآخرين، عند الرئيس الجديد للاتحاد الأوروبي. وهذا الأمر جعل بعض السياسيين الأوروبيين يتساءل حول إمكان تمديد فترة رئاسة فرنسا للاتحاد فترة اضافية خصوصاً أن أوروبا تمر بأزمة تستدعي قيادة حكيمة ومتمرسة وديناميكية. إلا أن الأوروبيين بشكل عام لا ينظرون الى الخلف وعقارب الساعة عندهم لا ترجع الى الوراء مهما كلف الثمن إذ عليهم أن يحترموا دستورهم ولا يفعلون ما يخالف بنوده التي نصت على وجوب القيادة الدورية لأوروبا من دون أن تشير الى مسألة تمديد القيادة في ظل ظروف طارئة. أمام القيادة الأوروبية الجديدة برنامج عمل وأجندة يمكن حصرها بثلاث نقاط: توفير الطاقة، مكافحة الفاقة وتطوير العلاقة وعلى هذه القيادة أن توفر الطاقة لدول الاتحاد من خلال إيجاد أسواق متعددة لتزويد الطاقة وعدم حصرها بيد طرف ممول واحد كي لا يتكرر المأزق الذي تعرضت له أوروبا الشرقية وأوروبا الوسطى عندما انقطع عنها الغاز الروسي إبان الأزمة الروسية الأوكرانية. كما على القيادة الجديدة أن تشرع أيضاً في احتواء آثار الأزمة المالية التي تعرضت لها مصارفها ومؤسساتها وأن تضع أوروبا في مكانها المرموق بين دول العالم وأن تتسلم دول الاتحاد دورها المغيّب في بعض الحالات. الحقيبة الأوروبية التي يحملها رئيس الاتحاد الأوروبي الحالي ستكون ممتلئة بالقضايا المعقدة والملفات الصعبة إضافة الى المستجدات والأحداث الساخنة الجديدة التي لم يتوقعها المنظرون وأصحاب الفكر الأوروبي حينما رسموا خارطة السياسة الجديدة للرئاسة الجديدة. فقد كان انقطاع الغاز الروسي عن أوروبا أمراً مفاجئاً ولم يدرج ضمن البرنامج الرئاسي، كذلك كان الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة المعزول. فهل ستتفاعل القيادة التشيكية الفتية مع حرارة الأحداث بشكل مشوش وأرعن كما تفاعلت مع قضية هجوم إسرائيل على غزة حين اعتبرته دفاعاً عن النفس!؟ أم أن العصا الأوروبية ستبقى مرفوعة عليها وعلى طول الخط كي لا تخرج عن مسارها المرسوم لها وأن تتعلم كيف تتصرف وتتكلم بلسان حال أوروبا وليس بلسان حالها!؟ فإن اعتذرت أوروبا مرة عن خلل طفولي للقيادة الفتية وتقبل المعنيون اعتذارها فلربما لن يقبل مثل هذا الاعتذار في المرات المقبلة. محمد مسلم الحسيني - بروكسيل - بريد الكتروني