لم تمض إلا فترة وجيزة على انتخاب الرئيس الفرنسي الجديد، ساركوزي السريع speedy Sarkozy، حتى أطل علينا في العالم العربي بمبادرات جديدة ورحلات مكوكية له ولبعض وزرائه بمن فيهم الاشتراكي اليميني، برنار كوشنير المعروف بعلاقاته الوطيدة والجيدة ببعض ساسة ورجال المجتمع المدني في الشرق الأوسط ودول شمال افريقيا. لم تقتصر هذه الزيارات على الشخصيات الحكومية الفرنسية ولكن تعدتها لتشمل زوجة الرئيس، سيسيليا ساركوزي، معيدة إلى الأذهان دانييل زوجة الرئيس فرنسوا ميتران. وحيث فشل العديد من القادة السياسيين، سافرت زوجة الرئيس في تحد إلى ليبيا لتفاوض قائد"ثورة الفاتح"حول مصير الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني الذين قضوا أكثر من ثماني سنوات في السجن بتهمة تلقيح أطفال ليبيين بفيروس الايدز. ثم كان لبنان وجهة اهتمام الرئيس ساركوزي الأخرى في المنطقة، حيث أرسل وزير خارجيته في زيارات مكوكية للدفع إلى الأمام بالعملية السياسية التي تعيش فترة جمود. ثم دعا كل الفرقاء السياسيين، بما فيهم"حزب الله"، إلى مؤتمر في باريس للجلوس والتحاور والبحث عن مخرج للأزمة السياسية التي يعيشها لبنان منذ فترة طال أمدها. قرر الرئيس ساركوزي، وعلى غرار ميتران، أن تكون وجهة سفره الأولى بشمال افريقيا، إلى الجزائر، برفقة وزيري الخارجية والطاقة. وجاء الرد سريعاً من المغرب الذي ألف علاقة مميزة مع ممثل الحزب الديغولي بالإيليزيه، علاقة استمرت طيلة فترة حكم الرئيس جاك شيراك. كانت فرنسا وما تزال الحليف الأول سياسيا واقتصاديا للمغرب. إلا أن بدء رحلة ساركوزي المغاربية المكوكية من الجزائر لم تكن لتروق لمخاطبيه في المغرب، كما أنها تبعث برسائل مبطنة أو ظاهرة عن سياسة ساركوزي الجديدة تجاه المغرب العربي. لم تكلل رحلة ساركوزي للدول المغاربية بالنجاح المنتظر. فالمغرب"أجل"وهو التعبير الديبلوماسي الملطف للالغاء الزيارة، وفرنسا ومن خلال رئيسها الجديد ظلت متشبثة بعدم الاعتذار عن مآسي 130 سنة من الاستعمار الفرنسي للجزائر. قال الرئيس ساركوزي في الندوة الصحافية التي عقدت بالجزائر، إنه يتوجب على قادة الجزائروفرنسا أن ينظروا إلى المستقبل بدل الحديث عن ماض لم يعشه هو. إلا أن الرئيس بوتفليقة، كعضو في جبهة التحرير الجزائرية، عاش ذاك الماضي وما يزال متشبثاً باعتذار فرنسي. كما أن ملف الصحراء، وحسب ردود فعل مسؤولين من البلدين، لم يتم التطرق إليه إلا بإيجاز. لم تمض على عودة ساركوزي إلا أيام حتى فتح بابا آخر في ليبيا، هذه المرة مخاطبا العقيد باسم الاتحاد الأوروبي حول احتجاز الممرضات البلغاريات. قال ساركوزي إن التفاوض مع ليبيا كان صعبا، لكنه نجح حيث فشل الكثير من القادة الأوروبيين، مثل توني بلير وأنغيلا ميركل وآخرين. نجح ساركوزي في إطلاق سراح الممرضات بعد ثماني سنوات من الأخذ والرد. من دون شك هناك صفقات تطمع ليبيا في تحقيقها من خلال علاقات جديدة مع قادة أوروبيين جدد، ساركوزي، ميركل، برودي، براون... لكن المهم في"الصفقة" الجديدة هو علاقات فرنسا بليبيا، التي لا محالة سيكون المستفيد منها هو المغرب. فليبيا منتج قوي للبترول والغاز، وربما سيجد ساركوزي ضالته التي افتقدها في رحلة الجزائر. كل هذه المحاولات والمبادرات، من طرف"ساركوزي السريع"، توجهت نحو دول أدارت لها الإدارة الأميركية ظهرها أو أقصتها عن قصد. فساركوزي الذي تركزت حملته الانتخابية على السياسة الداخلية، افتتح المئة يوم الأولى من وصوله لسدة الحكم بالتركيز على سياسة فرنسا الخارجية، على نقيض ما قام به الديموقراطيون في الكونغرس الأميركي، حيث ركزوا على السياسة الداخلية في المئة يوم الأولى. فلا عجب إن بادر ساركوزي إلى زيارة إيران وسورية في المستقبل القريب. إذاً فلننتظر لنرى ما سيقوم به ساركوزي السريع في تعاطيه مع سياسته الخارجية، التي يحاول أن يضع فيها بصماته وبصمات فرنسا في السياسة الدولية من دون عزل فرنسا عن باقي الدول الفاعلة. * باحث مغربي