اضطربت شؤون البيت الأوروبي. فالأزمة المالية العالمية الشاملة حملت الأوروبيين على إعادة احتساب أولوياتهم السابقة. ويرى معظم المراقبين أن الازمة ستغير وجه العالم، وتعيد رسم خريطته الجيو السياسية. ويبدو أن روسيا ودول الاتحاد الأوروبي البارزة والولاياتالمتحدة، يسعون الى صوغ اتفاق جديد يتناول أمن القارة الأوروبية. وشهدت القمة الاوروبية - الروسية في مدينة بنيس الفرنسية مصالحة بين روسيا والاتحاد الأوروبي، إثر خصامهما في حرب القوقاز، وأسهمت في تذليل مشكلات كبيرة. ويبدو أن أوروبا تتخفف من النزعات المعادية لموسكو، والمنتشرة في أوساط بعض الأعضاء الجدد في الاتحاد الأوروبي. ويرى الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، وهو رئيس الاتحاد الأوروبي في الدورة الحالية، أن خسائر هذا الاتحاد تقدر بنحو 800 بليون يورو جراء الأزمة المالية العالمية. وهذه أثرت سلباً في أوضاع الأعضاء الجدد المالية أكثر مما أثرت في قدامى الأعضاء. وقدر ديميتري ميدفيديف الخسائر الأولية الناجمة عن الأزمة المالية العالمية بنحو 1.5 تريليون دولار، ودعا الى إصلاح النظام المالي العالمي ومؤسساته الرئيسة، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والحد من هيمنة الولاياتالمتحدة فيهما. وزادت الأزمة المالية الشاملة الانقسام في صفوف الاتحاد الأوروبي، وأيقظت رغبة أوروبا القديمة في الاستقلال عن واشنطن. فاقترح نيكولا ساركوزي خطة إنشاء"أوروبا الكبار"، أي ناد يضم الحرس الاوروبي القديم النافذ في الاتحاد الأوروبي، والنازع الى التعاون مع موسكو. وغداة قمة روسيا - الاتحاد الأوروبي، قلصت الشركات الروسية تصدير النفط الى الخارج 25 في المئة، وتذرعت بانخفاض ضريبة التصدير التي لم تعد تعوض الخسائر الناتجة عن الانخفاض الكبير في أسعار النفط. فأدرك الأوروبيون أن عليهم تفادي تعقيد العلاقات مع المورد الاستراتيجي لمصادر الطاقة على عتبة الشتاء. وفقدت دواعي الاختلاف بين موسكو وبروكسيل مسوغاتها. وفشلت محاولات تبيليسي كسب المعركة ضد روسيا على الساحة الأوروبية. وتناقص عدد أنصار عرقلة سياسة الكرملين من الأوروبيين. ويبدو أن الغرب قرر التخلي عن ميخائيل ساكاشفيلي، ومعاقبته لعجزه عن ضمان أمن خط أنابيب الغاز باكو- تبيليسي- جيحان. ولا شك في ان دور ساركوزي مهم في تطور العلاقات الروسية - الأوروبية. فهو تغلب على معسكر المعادين لروسيا في الاتحاد الأوروبي، وتجاوز مقاومة وارسو، العاصمة البولندية، وفيلنيوس، العاصمة الليتوانية. وسعى ساركوزي في إنجاح لقاء قادة روسيا والاتحاد الأوروبي. وحيّد العلاقات الروسية - الأوروبية عن آثار"الأزمة الجورجية". ولكن الأمور قد تتغير عندما تنتقل رئاسة الاتحاد الأوروبي بعد شهرين الى تشيكيا. وتنظر براغ بعين الجفاء الى روسيا، وهي وافقت على نشر منظومة درع صاروخية أميركية في أراضيها، ولا ترحب بفكرة التكامل الأوروبي - الروسي. ولا شك في أن الاتحاد الأوروبي مؤلف من دول غير متجانسة. لذا، يكاد يكون مستحيلاً ابرام اتفاق جديد مع روسيا. ولا تجوز المغالاة في تقدير أهمية قرارات قمة نيس. فأغلب الظن أن يكون الحوار الروسي - الاوروبي طويلاً وصعباً. ويرى عدد من المراقبين الروس والأجانب أن فتور علاقة الاتحاد الأوروبي بروسيا يعوق نجاح اجتماعاتهما. وعليه، تميل روسيا الى تعزيز التعاون الثنائي مع دول أوروبية بارزة في الاتحاد الأوروبي، عوض السعي العقيم في توطيد علاقات تعاون مع دول الاتحاد كلها. وهذا الضرب من التعاون يفترض مراعاة مواقف 27 دولة أوروبية في القضايا المتصلة ببناء الفضاء الاقتصادي والقانوني المشترك. وعلى سبيل المثال، يبلغ حجم التبادل التجاري بين روسيا وفرنسا نحو 15 بليون دولار. ولم تعد موسكو ترى أنها شريك الغرب الصغير. وأغفلت أوروبا أن مصالح روسيا اختلفت، شأن نهجها السياسي في التعاون مع الاتحاد الأوروبي في العام الماضي، عما كانت عليه. عن فاليري سيتشوفا،"أيتوغي ري"الروسية، 17/11/2008 نشر في العدد: 16672 ت.م: 26-11-2008 ص: 28 ط: الرياض