في منتصف العقد الأخير، أجمعت دول منظمة شنغهاي على التقارب السياسي للتعاون من أجل حمل الولاياتالمتحدة على الانسحاب من منطقة آسيا الوسطى. ولكن الانسحاب هذا لم ينجز الى اليوم جراء تفاقم اضطراب الأوضاع الأمنية بآسيا الجنوبية والشرق الأوسط. ويبعث على العجب تجنب الولاياتالمتحدة و"الناتو"التعاون معها، على رغم الحاجة اليه في سبيل لحلّ مشكلات أفغانستان وباكستان. فنفوذ الصين يتنامى في أوساط القيادات العسكرية الباكستانية. وفي وسع منظمة شنغهاي مساعدة أفغانستان على محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة وتجارة المخدرات الدولية، والإسهام في إرساء الاستقرار بأفغانستان، والإسهام في تطوير البلد هذا. وتقع دول آسيا الوسطى، الأعضاء في المنظمة، على مقربة من أفغانستان. وتدرك الدول هذه أن حل العقدة الأفغانية - الباكستانية في مصلحتها. ويلفت تعاون روسياوالصين في منظمة شنغهاي اهتمام الغرب. ويبرز الاهتمام هذا خوف الغرب من تحالف البلدين. وعلى رغم التقاء مصالح الدولتين على المستوى العالمي الشامل وبناء نظام دولي، يتعاظم التنافس بينهما إقليمياً، في وقت تراهن موسكو على بسط نفوذها الإقليمي لتعزيز دورها العالمي.ش وشأن موسكو، تنظر بكين إلى منظمة شنغهاي على أنها وسيلة لتعزيز أنشطتها الاقتصادية في أسواق آسيا الوسطى، وتنويع مصادر موارد الطاقة في المنطقة. وإنكار هيمنة الصين على المنظمة هذه مُحال. فهي تنتهج سياسات مدروسة لبلوغ أهدافها. والتزمت بكين صرف 10 بلايين دولار لتمويل خطط متفرقة في هذه الدول لمواجهة اثر الأزمة المالية ? الاقتصادية العالمية في بلدان أورواسيا. والمبلغ هذا يفوق ما قدمته موسكو. وتسعى روسيا في عرقلة التكامل الاقتصادي في منظمة شنغهاي. فهو يغلب كفة الصين على الكفة الروسية، على رغم أن بكين لا تقدم مساعدات مالية، على خلاف ما تفعل موسكو، وتمول خططاً تخدم مصالحها. والتعاون العسكري - السياسي بين دول المنظمة هو الورقة الرابحة في يد موسكو. فسياسة بكين الخارجية تتحاشى تقديم أي ضمانات أمنية لأي بلد. وهذه الدول تخشى هيمنة الصين عليها، وتميل الى الاحتماء بروسيا تحت سقف منظمة الأمن الجماعي. ولكن الخلافات بين دول آسيا الوسطى من جهة، واعتراضها على سياسة روسيا من جهة أخرى، قد يؤديان الى ترك الدول هذه التعاون في إطار المنظمة. وقد تصبح الصين من أضخم مستوردي الطاقة الروسية، على رغم أن موسكو تخشى محاولاتها احتكار استيراد الطاقة. فمثل هذا الاحتكار يؤدي الى انخفاض أسعار الطاقة الروسية، على ما تشتهي الصين وتسعى. وأغلب الظن ان تتعاظم المسؤوليات الروسية مع ارتقاء منظمة شنغهاي من منظمة"شكلية"هدفها مقاومة التوسع الأميركي بآسيا الوسطى إلى منظمة جدية تسعى في تطور الدول الأعضاء، ومعالجة ذيول آثار الأزمة المالية العالمية، والتعاون فيما بينها. وروسيا مدعوة الى بذل جهود دؤوبة لإقامة علاقات استراتيجية سليمة، خصوصاً مع"الصديق اللدود"الصين، ولتجنب تردي العلاقات مع دول المنظمة، على ما حصل مع الغرب. * محلل سياسي، عن "غازيتا رو" الروسية، 15 / 10 / 2009، إعداد علي ماجد نشر في العدد: 17001 ت.م: 2009-10-21 ص: 24 ط: الرياض