لا تملك الصحافة المقروءة الإمكانات والقدرات التكنولوجية التي يملكها الإعلام المرئي، ورغم ذلك فإن أداء الإعلام المقروء يفوق، في مناسبات معينة، أداء التلفزة. ولعل ذلك يظهر جلياً في المهرجانات السينمائية، إذ تعاني السينما، عندئذ، من تقصير شقيقتها الصغرى التلفزيون، التي ترتبك، وتتعثر، وتسير"خبط عشواء"، لتقدم، في النهاية، تغطية مبتورة، تفتقر إلى الحس الصحافي الرفيع، وتخلو من اللمحات والفقرات التي تعبر عن روح هذه المناسبة السينمائية أو تلك، حتى وإن بدت مساحتها الزمنية واسعة على الشاشة. في مهرجان الإسماعيلية للفيلم التسجيلي والقصير، الذي انتهى أخيراً، بذلت قناة"نايل سينما"جهوداً واضحة، إذ سعت إلى تقديم تقرير يومي عن المهرجان، ورافقت الضيوف في تنقلاتهم، وأطلعت جمهورها على ابرز الأفلام المشاركة... بيد أن هذا النشاط المحموم لم يرتق إلى مستوى مقالة صحافية"مكتوبة بمهارة، نشرت في مطبوعة جادة. ولعل مرد مثل هذا التباين يعود إلى أن القنوات الفضائية تعتمد عادة فريقاً ضليعاً في الجوانب التقنية والفنية، لكنه يجهل خفايا السينما وجمالياتها وتاريخها وروادها على عكس الصحيفة التي تختار عادة متخصصاً يعرف الكثير مما يجهله التقنيون من المصور والمخرج ومهندس الإضاءة والصوت والديكور وربما المذيع والمعد، الذين يرافقون القنوات التلفزيونية. هذا الفريق يعمل، من دون قصد، لتحويل الهامش إلى متن أو العكس، إذ يبحث عن النافر، وعن الوجوه الجميلة الملائمة للتصوير، وعن كل ما هو ثانوي يصلح لأن يتحول أمام الكاميرا إلى مادة جذابة، بينما يتم تجاهل نقاد بارزين، ومخرجين مجتهدين، وكتاب سيناريو معروفين. فضلاً عن ذلك فإن هذا الفريق يفضل استضافة الأصدقاء والمقربين ليكون المشاهد، والحال كذلك، إزاء"موزاييك إعلامي ملون"يظهر قشور السينما ونوافلها، دون أن يتمكن من الدخول إلى عالمها الرحب والساحر والمهيب، وهكذا سنجد أن رحلة مسلية في قارب، ستكون أهم من ندوة نقدية! ونظراً الى افتقار الفضائيات لبرامج سينمائية جادة، فإن المهرجانات السينمائية، بصورة خاصة، هي مناسبات مثالية كي يستثمرها التلفزيون ويسخر كل إمكاناته في سبيل تحقيق تغطية قادرة على إشاعة الثقافة السينمائية، وتقريبها من ملايين المشاهدين، بل والارتقاء بذائقتهم البصرية. ومثل هذه التغطية تستدعي وجود معد متخصص في مجال السينما، يستطيع التركيز على الجانب السينمائي تحديداً، وإهمال تلك المظاهر الدعائية والسياحية الكثيرة"المكملة للمهرجانات، والتي لا تمت بصلة إلى السينما. والمؤسف أن الفضائيات تركز، غالباً، على ذلك الضجيج الثانوي الصاخب، وتترك منظري السينما وصناعها يتناولون قهوتهم بهدوء قرب العدسات التائهة، التي تتوجه، بإصرار غير مفهوم، إلى المكان الخطأ. نشر في العدد: 17001 ت.م: 2009-10-21 ص: 34 ط: الرياض