في ظل غياب أفلام سينمائية جادة عن صالات السينما "المهملة" المنتشرة في دمشق والمدن الأخرى السورية، على رغم الأحاديث الطموحة الرامية الى انتعاش هذه الصالات واستعادة دورها، فان اعداد برامج تلفزيونية تهتم بالفيلم السينمائي، يشكل خطوة نوعية نحو مقاربة أكثر عمقاً لعوالم الفن السابع وسحره. ولعل هذا الفهم هو ما يبرر ظهور برنامج "فيلم الأسبوع" الذي يعده الناقد السينمائي محمد الأحمد، والذي يعتمد في مادته الأساسية عرض شريط سينمائي روائي كامل، وقد بدأ التلفزيون السوري بعرضه قبل أشهر قليلة. وفي مراجعة سريعة للأفلام التي عرضت حتى الآن نجد جامعاً مشتركاً بينها يتمثل في أهمية الفيلم سينمائياً جماهيرياً ونقدياً من جهة، وبساطة المضمون من جهة اخرى، اذ ان معد البرنامج يدرك ان التلفزيون وسيلة جماهيرية لها خصوصيتها المختلفة عن خصوصية السينما. فهو يتوجه الى جميع الشرائح والفئات بمختلف انتماءاتهم وميولهم وأمزجتهم ومستويات ثقافتهم، ومن هنا ضرورة مراعاة شرط البساطة في اختيار الفيلم، تلك البساطة التي لا تتعارض بالضرورة مع المضامين الجادة لهذا الفيلم او ذاك. البرنامج المذكور يعرض في سهرة الخميس، وهي الفترة المثالية من حيث عدد المشاهدين، تبعاً لعادات المشاهدة لدى الجمهور السوري، نظراً الى ان يوم الجمعة الذي يلي عرض الفيلم عطلة رسمية. أي ان الفروقات التي تصاحب الشريط السينمائي لدى عرضه "تلفزيونياً" تجعل من وجود ذاك الكمّ الكبير، ليس بالأمر المضمون، فالفيلم السينمائي يفقد الكثير من خصوصيته الفنية والتقنية والجمالية لدى عرضه على الشاشة الصغيرة، فضلاً عن اختلاف طقوس المشاهدة بين الحالين. ففي التلفزيون ثمة خيارات عدة مع وجود الفضائيات، ثم ان المشاهدة تكون في هذه الحال عشوائية عموماً ومن دون تركيز، على عكس حال السينما التي تتطلب تخطيطاً مسبقاً لمغادرة المنزل، والاستعداد للجلوس نحو ساعتين في صالة معتمة مع نماذج متقاربة في مستوى الثقافة وطرائق التفكير. وأصوات الممثلين وشكل الصورة في شاشة السينما وفترات الصمت والموسيقى التصويرية وغيرها عوامل مساعدة ومهمة لتلقي الفيلم في صورة مغايرة. وفي محاولة لتجاوز هذه العقبات يلجأ محمد الأحمر، بمساعدة رندة رهونجي، الى التعريف بالفيلم ومخرجه وممثليه، والتذكير بالجوائز التي حصل عليها ومواقف النقاد منه، والظروف التي رافقت انتاجه في سعي منها الى تقريب الفيلم من ذهن المشاهد وحثه على المتابعة واستمالته وسط الخيارات الكثيرة. وقد نجح البرنامج في ذلك الى حد ما خصوصاً اذا علمنا ان هناك حرصاً شديداً على اختيار افلام تركت بصمة واضحة في تاريخ الفن السابع. فمن الأفلام التي عرضت على سبيل المثال: "سينما باراديسو" و"صمت الحملان" و"غاندي" و"القيامة الآن" و"البطل" و"رجل وامرأة" و"ذاتية الشيطان"... الخ وهي أفلام يعلم محبو الفن السابع مدى أهميتها وتميزها. وعلى رغم روعة هذه الأفلام، فان انتاج معظمها يعود الى السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، ما يعني تقصير البرنامج في مواكبة الجديد من الأفلام، فضلاً عن عدم التفاته الى الأفلام العربية، وسينما العالم الثالث، على رغم وجود أفلام اثبتت حضوراً لافتاً في المهرجانات العالمية السينما الايرانية على سبيل المثال. ينبغي ألا يُكتفى بالأفلام المتوافرة في أرشيف المؤسسة العامة للسينما، بل لا بد من جلب أفلام لاقت صدى عالمياً... وإذا كانت المادة الأساسية للبرنامج هي الفيلم السينمائي، فان هذا الأخير يعد العيار الأساسي لنجاحه، بصرف النظر عن فترة العرض، وطبيعة التقديم وشكله. فهل ننتظر كثيراً لنرى افلاماً جميلة وجديدة؟!