لم يسبق أن بلغت الملاحقة المالية والضريبية الحد الذي بلغته مع وضع لائحة ب3 آلاف حساب مصرفي في سويسرا يملكها فرنسيون، وأوكلت بإحصائها المديرية العامة للموارد المالية في ضوء تقارير المراقبة الضريبية على فروع المصارف السويسرية في فرنسا، والتحويلات عبر الحدود الفرنسية - السويسرية. وسبقت اللائحة هذه عمليات طاولت الجنات الضريبية، واللائحة السويسرية من أذرعها وأقنيتها. وألح وزير الخزانة على المصارف الفرنسية، وألزمها، للمرة الأولى في تاريخها، الإبلاغ عن معظم تحويلات زبائنها الى المناطق الحرة. وخططت الوزارة، من طرف يكاد يكون خفياً، لمكافحة ضروب الغش والاحتيال في معاملات التعويضات الاجتماعية والعمالة غير المعلنة وعمليات التزوير على الإنترنت. والغاية هي إلغاء الثغر الخفية التي يتوسل بها المتحايلون، والناجمة عن الحواجز بين الإدارات وضعف التنسيق. ويستفيد من الثغر هذه السنكري الذي يعمل في الخفاء ويتقاضى عائداً مضموناً يداري به بطالته الموقتة، ومودع أمواله في المصارف السويسرية والمتعيش من فوائد ودائعه، على حد سواء. ويذهب جان - لوي فينيه، مساعد مدير المديرية العامة للموارد المالية، الى أن الحرب على الجنات الضريبية بدأت في أوائل 2008. ويومها أرسلت ألمانيا الى الوزارة الفرنسية لائحة ب200 مكلف فرنسي يملكون حسابات في لييشتينشتاين، وأحيلت اللائحة على المديرية الوطنية للتحقق من الأحوال الضريبية، وموظفوها هم نخبة مراقبي الثروات الكبيرة والنجوم. وانتخب من موظفي النخبة أقدرهم وأمهرهم وأكثرهم أمانة، وتولى الوزير رعاية عملهم، والحؤول دون تهريب الأسماء وإخطار المودعين. وكانت النتيجة مخيبة للتوقعات. وجنت المديرية الوطنية من فحص 211 ملفاً 3 ملايين يورو، أي 14 ألفاً من كل مكلف. وهذا صيد ضئيل، ولم يكن إلا تمهيداً لما قد يلحق. فمع مطلع العام المقبل، ينتظر الفرنسيون إحالة اللائحة السويسرية وملفاتها عليهم. ويأمل موظفو المديرية الوطنية الولوج الى دهاليز ودائع تبلغ 40 بليون يورو تعود الى متهربين فرنسيين من سداد ضرائبهم. فسويسرا التزمت التقيد بموجبات المعاهدة الضريبية التي وقّعتها هرباً من ضمها الى لائحة مجموعة العشرين"الرمادية". ويقضي التزامها بإفشاء المعلومات العائدة الى المكلفين الفرنسيين، وانتهاك السر المصرفي عملياً. وتنوي هيئة مراقبة الضريبة الفرنسية اختبار التوقيع السويسري من طريق إرسال لائحة بالمتهربين المفترضين الى المصارف السويسرية. وعلى السويسريين إفشاء الحسابات وأسماء المودعين. وتدعو جدة الأمر الى التشكيك في حقيقته. فيقول فيليب غرومباك، أحد المحامين الضريبيين السويسريين: أتوقع أن تلزم إدارة الضرائب الاتحادية التحفظ، وألا تسرع الى إذاعة لائحة الحسابات. وعلى فرنسا أن تثبت، لتستحق الحصول على المعلومات التي تطلبها وتنتظرها، حقيقة شكوكها في تحايل المكلفين وتهربهم. ولن يكون عسيراً على الجبهة السويسرية رد الشكوك والطعن فيها، وفي قوتها ورجحانها. ويتوقع أن تنهال الطلبات على هيئة المراقبة السويسرية، فتسوغ كثرتها بطء الجواب. ومثل الاختناق هذا حصل مع اللوكسمبورغ التي وقعت فرنسا معها اتفاقاً على تبادل المعلومات. ويأسف موظفون فرنسيون لامتناع الهيئة اللوكسمبورغية من تسجيل الطلب في بعض الأحيان. والى هذا، فالإجراء الإداري يعف عن مراقبة الشركات المجمعة التروتستات والهيئات الوقفية المتفرقة. وتمكن الفئتان المتهربين والمتحايلين من التستر على هوياتهم. ويقر مراقب من الهيئة الوطنية بأن تقصيات الهيئة تقف عند باب الأقنعة هذه، وهي ستر يتستر بها كبار المتهربين والمتحايلين. ويسع هؤلاء توكيل مكاتب المحاماة الكبيرة والنافذة، وتوليتها تخريج توليفات مالية وضريبية معقدة وصفيقة. ومن القرائن على حقيقة دور المكاتب في التخريج والتوليف أن لائحة ال3 آلاف مكلف تخلو من أسماء كبار المتهربين المعروفين. وتتولى وكالة وطنية لمكافحة الغش، من 12 مفوض شرطة ومفتشاً مالياً وقاضياً، تعبئة الإدارات في سبيل مكافحة أعمال التحايل"الصغيرة". واقتصار الفريق على عدد قليل دعا الهيئات الإدارية الى الانخراط في العمل. فاستجابت طلب تبادل المعلومات، والتحقق من توارد الاستمارات، اتفاقاً أو اختلافاً. ولم يعد استعمال رصيد الاستمارات العام"فيكوبا"، وبرنامجه، وهو مرونة الحسابات المصرفية في فرنسا، وقفاً على التفتيش المالي، فهو يستقبل الهيئات"الاجتماعية"مثل صناديق التأمين على الشيخوخة. وأنشئت في كل محافظة من المحافظات لجنة محلية تتولى مكافحة الغش وتنسق بين أجهزة الدولة والإدارات كلها، خارج المراتب والمرتبية الهرمية. ووسع اللجان هذه رصد مصادر غش وتحايل خفية مثل النقل بواسطة سيارات الإسعاف أو العمل غير المشروع. فارتفع عدد محاضر ضبط المخالفات، في بعض المحافظات، 300 في المئة. والتحايل الأوروبي، على شاكلة توظيف شركات بولندية عمالاً في فرنسا تحت ستار انتدابهم وتسديد ضمانهم الاجتماعي في البلد الأم مخفضاً، باب آخر من أبواب الغش لم يطرق بعد. * صحافي، عن "شالانج" الفرنسية، 8 / 10 / 2009، إعداد و. ش. نشر في العدد: 16994 ت.م: 2009-10-14 ص: 25 ط: الرياض