تغيرات سياسية جديدة تظهر ملامحها في خضم الأحداث العالمية. فبعد نجاح باراك أوباما في الوصول الى الحكم وسقوط الحزب الجمهوري الذي يرى كثيرون من السياسيين أنه قاد العالم الى حروب لم تكن ضرورية، ولم تحقق أهدافها الأمنية والاقتصادية، بل إن سياسة إدارة بوش قادت العالم الى أزمة اقتصادية أدخلته في فوضى أمنية ساهمت في نشر الإرهاب في العالم بدلاً من محاربته... فشل الحزب الجمهوري لم يقف عند هذا الحد، بل إن سياسته الخارجية كانت فاشلة بكل المقاييس بدءاً بالإخفاق في العراقوأفغانستان وانتهاء بفشل سياسة العصا والجزرة التي اتبعتها إدارة بوش في التعاطي مع الملف النووي الإيراني، فالعراق ما زال يعيش في دوامة الفوضى السياسية وانعدام الأمن بعدما تحول الى مرتع لتفريخ الجماعات الإرهابية، وإيران ما زالت مستمرة في مشروعها النووي. ويبدو أنها تأمل خيراً في أوباما وترى فيه الشخصية القادرة على تغيير سياسة الولاياتالمتحدة المعادية لها. لا ينبغي على إيران ومعها العالم العربي التفاؤل كثيراً بسياسة أوباما، فمن الصعب على إدارة أوباما تجاوز ضغوط اللوبي الصهيوني، ويبدو أننا سنشاهد تكراراً لسياسة الرئيس بيل كلينتون، وذلك يظهر جلياً في اختيارات أوباما لحكومته الجديدة، فقط أعطى مهمة وزارة الخارجية لهيلاري كلينتون التي كانت تلعب دوراً رئيساً في البيت الأبيض خلال فترة حكم زوجها، ولا ننسى أن أوباما اعتمد في شكل كبير على فريق بيل كلينتون الاقتصادي على رغم تصريحاته بأن سياسته ستكون مغايرة، وهذه مؤشرات تدعم الرأي القائل بأن سياسة الولاياتالمتحدة الخارجية تجاه القضايا الكبرى في العالم سترتبط بالاقتصاد، وسنشهد تكراراً لسياسة المصالح القائمة على المبدأ الرأسمالي والهيمنة الاقتصادية التي كانت السبب وراء غزو العراقوأفغانستان، ولن يتغير الأمر كثيراً بالنسبة الى القضية الفلسطينية التي يضعها الرئيس أوباما وقبله الرؤساء ضمن أولوياتهم السياسية، لكن وعودهم بإعلان دولة فلسطينية تبقى دائماً حبراً على ورق. التخلي عن سياسة العصا والجزرة الأميركية مطلب إيراني في الدرجة الأولى، وظهر ذلك جلياً في تصريحات المتحدث باسم الخارجية الإيرانية حسن قشقوي الذي وصفها بأنها سياسة غير مقبولة، ومصيرها الفشل، وهو ربما رد على تصريحات أوباما الذي أعلن في السابق أن إدارته ستتبع سياسة قاسية ومباشرة مع إيران، ويبدو من هذا التبادل في التصريحات أننا سنشهد تكراراً لسيناريو تبادل التصريحات النارية بين إيران والإدارة الأميركية. إن أي إدارة أميركية، مهما كان توجهها السياسي، ستجعل أمن أميركا القومي خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه. فالولاياتالمتحدة تعتبر أن الإرهاب يتخذ من أفغانستان مسرحاً له، وهو المهدد الأول للأمن القومي الأميركي، وهذا يعني أن أوباما لن يغير سياسته في هذا الاتجاه على رغم إقراره بأن الحرب على العراق بددت موارد الولاياتالمتحدة المالية والاقتصادية وأنها كانت تلهث وراء وَهم الخطر العراقي على الأمن القومي الأميركي، إلا أن أوباما وأثناء زيارته لأفغانستان خلال حملته الانتخابية أكد أن الحرب على الإرهاب ستبدأ من أفغانستان. من هنا يمكن أن نخلص الى نتيجة مفادها أنه لا توجد فوارق كبيرة بين سياستي الحزبين الديموقراطي والجمهوري، فكلاهما يرفع شعار الحرب ضد الإرهاب التي ليس لها حد زمني أو مكاني، وما تصريحات أوباما وجون ماكين إلا أدوات للاستهلاك الانتخابي لكسب الأصوات. أما السياسة الحقيقية فهي الحرب على الإرهاب، والتي ينضوي تحتها الكثير من السياسات، فبوش كان يقول إن من ليس معنا فهو ضدنا، ولا أعتقد أن أوباما سيغير هذه السياسة، ولا أدل على ذلك من نية أوباما زيادة عدد القوات العسكرية في أفغانستان. الاختلاف الوحيد هو أن أوباما يحاول جعل أفغانستان محوراً بدلاً من العراق. وأعتقد أن الاثنين ليسا على صواب، فمحاربة الإرهاب يجب أن تكون فكرية، فقد ثبت منذ أحداث 11 أيلول سبتمبر أن القوة ليست السلاح المناسب لمحاربة الإرهاب جلال بوشعيب فرحي - بريد إلكتروني