السبت 27/12/2008 البداية بدأت اسرائيل حربها على غزة، لم يكفها الحصار. مثل حروب أخرى، تدمير بيوت على سكانها، وحضور الضحايا، دائماً، في شكل ايقونات. كأن هالة تحيط بوجه الميت، تجعله فجأة منتمياً الى عالم لا نعرفه، الى سرّ يكشفه العابرون الى عالم الموتى. هناك رجل بعيد امرأة بعيدة على مقعد وثير في غرفة دافئة، ينظر الى الضحايا في التلفزيون، وقد يكون قرب الرجل، قرب المرأة، كلب أو قطة، ومن النافذة منظر الثلج هابطاً مثل ورق أبيض ممزق. نحن أهل المجرمين والضحايا، وهذي بلادنا منذ آلاف السنين، ترابها تدوسه نعال الجنود، لكنه يحضن الذين فقدوا أرواحهم، لينبت في مكانهم شجر يسكن في ظله قدماء وعابرون. ونحن، أهل هذه البلاد، لم تهبط علينا نعمة التنوع. نحن أهل الرأي الواحد، والعصب الواحد، فإذا افتقدنا جيوشاً تغزونا نحارب بعضنا بعضاً. هذي بلاد الباحثين عن النقاء، الرافضين الاختلاف، وإن أدت الحروب الى بقاء رجل واحد وفكرته الوحيدة تحت شمس شاهدة. الأحد 28/12/2008 : حرب بلا نقاش حرب اسرائيل على غزة. "حماس"تحارب لا تناقش، فإذا أبديت رأياً مخالفاً فأنت شريك في الجريمة، يغلبك دائماً مشهد الدمار والشهداء. نبحث عن هولوكوست يخصنا وقد وجدناه. يقف الاسرائيلي في مكان النازي ونقف في مكان اليهودي، ونصرخ في العالم مثلما صرخوا ليكون لنا مثلما كان لهم. ولكن، هل تتكرر الوقائع ومعها ردود الفعل؟ هي لن تتكرر، وسيكون التكرار مرآة لمآسينا لا أفقاً: مَن يبحث عن طريقة غير الموت ليصنع الحياة؟ تعالوا نبحث معاً عن هذه الطريقة. الاثنين 29/12/2008 : وعيد الشرق ولكنها الحرب، وهي الصورة الأولى لوعيد الشرق: الحكومة التي أعلنت اسرائيل"دولة يهودية"تحارب الحكومة التي استولت على غزة وطردت المعارضة وتعتقد بفكرة"دولة اسلامية". خلعت اسرائيل ثوب الديموقراطية والعلمنة ولم تعد تشبه أوروبا والولايات المتحدة كما يروّج ساستها ومديرو مكاتبها السياحية. حرب دينية؟ نعم. راجع ما سبق في تاريخ العالم. تسقط أخوّة البشر لمصلحة انقسامهم"الروحي"بين رحماني وشيطاني. تصبح الجريمة جهاداً والتضحية بالنفس شهادة. يا أهل العالم، تعالوا اشهدوا ما يشبه الأجزاء الأكثر دموية في تاريخكم. في غزة استعادة لحروب أنبياء بني اسرائيل ولفتوحات بعض الخلفاء الأمويين وللحروب الصليبية ولحرب المئة سنة الأوروبية ولاستعمار أميركا والشرق الأقصى، استعادة تطلبها حكومتا اسرائيل و"حماس"لتؤسسا نمط حروب الشرق الأوسط المقبلة. الثلثاء 30/12/2008 : المخطوط قرأت هذه القصيدة للشاعر العراقي سعدي يوسف كتبها في لندن في 17/9/2007، عنوان القصيدة"مخطوط"، وهي مدرجة في مجموعته الشعرية"قصائد الحديقة العامة"الصادرة عن دار الجمل كولون/المانيا - بغداد 2009: "بين يديّ المخطوط المخطوط يقلّب وجهي في الصفحات البالية الصفحات الجلد الصفحات الصفر الصفحات السود الصفحات اللائي يتشربّن هواء من زمن مسدود... كان خريفٌ يزحفُ كالتمساح ويرسل غيماً جوناً يطبق منذ الصبح على القرية والأشجار وكان غراب أسحم ينعق، والمخطوط البالي يتفتت بين يديّ... ولكني أتفتتُ أيضاً بين يديه: الصفحات البالية المسمومة تسحبني نحو البئر تطوّح بي في البئر البئر المطوية إلا من لفح هواء من زمن مسدود". الأربعاء 31/12/2008 : أحوال خالدة هدية رأس السنة لفتاة في غزة؟ حزمة خبز لأخوتها ولها. إنه الحصار، يفرضه الخارج ليمنع تنفسنا ويقنن غذاءنا ودواءنا ويحجب السلاح. ويطلبه الداخل لتبقى السيادة له وحده، لأفكاره فلا نحتك عملياً بالآخر وأفكاره نعارضها أو نقبل بها أو نخضعها للنقد. الحصار لنكون مع ال"النعم"الكاملة وال"لا"المطلقة، فلا نعرف النسبية وننتهي منتصرين أو ضحايا، وفي الحالين لا نعيش مثلما يعيش أهل بلاد بعيدة يروننا في التلفزيون ويستغربون أحوالنا الخالدة. الخميس 1/1/2009 : بحر ورمل رأس السنة رأس غزة أهلها المرفوعو الرأس، أهلها الفلسطينيون. رأس غزة عند البحر الأبيض المتوسط وخلفها سيناء وصحراء اسرائيل. والبحر انفتاح يبقى ما بقي الموج على الشاطئ، والصحراء انتماء ساخن ومدى تأمّل. رأس غزة يوازن بين بحر ورمل، فإذا فقد التوازن يعجز عن رؤية الحاضر والمستقبل. ولكنها الحرب، الاهتزاز، اللاتوازن. أفضل المحاربين لا تأخذه الحرب الى حريق الأفكار. في منتهى القسوة يحتفظ باللين، وفي حميات المعارك يبقى عقله بارداً قادراً على تقدير الأحجام والامكانات. رأس السنة. فلتحفظ غزة رأسها. الجمعة 2/1/2009 : الكائنات الأخرى تأخذنا في الحرب صوَر البشر الضحايا، أشلاء من يحلمون، يغضبون ويرضون ثم يحلمون. تأخذنا صوَر البشر وننسى الكائنات الأخرى: الشجر الذي يكلف أعماراً لتعلو أغصانه في الفضاء، والحيوانات الأليفة علامة اقامة الانسان وشريكته في بيته الزراعي الأول. ولكن، عدد الكلاب والقطط عندنا قليل، فلا صيد ولا رعاة ولا حدائق للبيوت، وليس من يساكن كلباً أو قطة فالمساكن ضيقة والبشر كثيرون. بلاد بلا كلاب يفاجئها الزلزال، ربما لذلك يقتل الجيش الاسرائيلي الكلاب ويحرق الشجر قبل البشر. هذا الجيش عدو البيئة قبل أن يكون عدو أعدائه. هل البيئة من أعدائه؟ انظروا قنابله العنقودية الباقية في جنوبلبنان. نشر في العدد: 16710 ت.م: 03-01-2009 ص: 26 ط: الرياض