تسابقت الطائرات الحربية الإسرائيلية أمس، لليوم السابع على التوالي، في ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية بحق الفلسطينيين المدنيين في قطاع غزة، وشن غاراتها المكثفة على منازل ومساجد وأطفال يلعبون في شوارع ضيقة قرب منازلهم، وحتى مزارع الدواجن التي لم تنج من شظايا الصواريخ. فتارة تُفرغ الطائرات النفاثة من طراز"اف 16"حمولتها من الصواريخ الضخمة على المنازل والوزارات والمقار الرسمية، وطوراً تأتي المروحيات من نوع"اباتشي"الأميركية الصنع فتقصف سيارة مدنية أو محال صرافة أو مساجد ومستودعات للأدوية وغيرها من ممتلكات المواطنين المدنيين. ويبدو أن إسرائيل أرجأت حتى الآن البدء في عملية برية في القطاع، علماً أن تقديرات إسرائيلية سابقة أشارت إلى احتمال إطلاقها أمس، لكنها واصلت التلويح بتنفيذ العملية التي قد ترفع عدد الشهداء الفلسطينيين وتسقط قتلى في صفوف الجنود الإسرائيليين. لكن اليوم السابع حمل مؤشرات جديدة على قرب العملية البرية، إذ شنت طائرات"اف 16"غارات مركزة على عدد من الطرق الرئيسة الطولية التي تربط شمال القطاع بجنوبه، والجسور فوق وادي غزة التي أصبح التنقل بين مدن القطاع في الشمال والوسط والجنوب مستحيلاً بعد تدميرها. ويسود اعتقاد في القطاع أن اسرائيل بحاجة إلى ما بين 40 إلى 50 ألف جندي لاجتياح القطاع، وأن الجنود العشرة آلاف الذين حشدتهم على حدود القطاع الشرقية البالغ طولها نحو 45 كلم لن يكون كافياً لتنفيذ مثل هذه العملية. ويُتوقع أن تقدم قوات الاحتلال في حال دخلت براً إلى القطاع على التوغّل في عمق أراضيه مسافة تتراوح بين 500 متر وكيلو متر واحد وربما ضعف هذه المسافة في بعض المناطق قليلة الكثافة السكانية. ومن المرجح أن تحتل أجزاء واسعة من شمال القطاع الذي يضم بلدتي بيت لاهيا وبيت حانون، ومخيم جباليا أكبر مخيمات اللاجئين في القطاع. لكن لن يكون في مقدور قوات الاحتلال أن تتوغل عميقاً في المخيم، بل ستقف عند حدوده الشرقية والشمالية. وستتوغل هذه القوات في المناطق والمخيمات المحاذية للحدود الشرقية للقطاع التي تضم الأحياء الشرقية من مدينة غزة، وقد تحتل المحور الذي كانت تحتله يوماً مستوطنة"نتساريم"جنوبالمدينة، وهو طريق عرضية تربط الحدود الشرقية بالساحل. ومن المتوقع أيضاً أن تتوغل هذه القوات في قرية جحر الديك جنوب شرقي مدينة غزة، ومنها إلى الجنوب حيث مخيم البريج للاجئين، ومخيم المغزي ثم قرية المصدر، فالأجزاء الشرقية من مدينة دير البلح وسط القطاع، ثم البلدات الشرقية لمدينة خان يونس في الجنوب ثاني أكبر المدن بعد غزة، فالأجزاء الشرقية لمدينة رفح أقصى الجنوب على الحدود مع مصر. ويرجح أن تحتل قوات الاحتلال الطريق العرضية الثانية المهمة في القطاع التي تربط شرقه بغربه جنوب دير البلح، بغية تقسيم القطاع إلى ثلاثة أجزاء، بحيث تمنع التنقل بينها لإحكام سيطرتها على القطاع كاملاً. ومن المستبعد أن تعود قوات الاحتلال إلى احتلال الشريط الحدودي الفاصل بين القطاع ومصر الذي يفصل بين مدينتي رفح الفلسطينية وتوأمها المصرية، المعروف فلسطينياً باسم"محور صلاح الدين"واسرائيلياً باسم"محور فلادلفي". وإذا أرادت قوات الاحتلال تنفيذ هذا السيناريو، فإنها بحاجة إلى أضعاف أضعاف عدد القوات التي حشدتها حتى الآن على حدود القطاع. وفي حال نفذت هذا السيناريو، فإنها ستكون أعادت الوضع في القطاع إلى ما كان عليه قبل الانسحاب الأحادي الجانب الذي انتهى في 12 أيلول سبتمبر 2005، لكن الأهم من ذلك أن قوات الاحتلال ستضع نفسها في مرمى نيران فصائل المقاومة الفلسطينية التي لن تجد صعوبة تُذكر في تجنيد ناشطين للقيام بعمليات ضدها بسهولة. ميدانياً، أغارت الطائرات الحربية الإسرائيلية أمس على عشرات الأهداف في القطاع، فيما واصل مقاتلون من مختلف الأجنحة المسلحة للفصائل الرئيسة المتمثلة في"حماس"و"الجهاد الإسلامي"و"الجبهة الشعبية"و"الجبهة الديموقراطية"إطلاق صواريخ على مدينة المجدل عسقلان، ما قوّض حتى الآن أهداف العدوان. وأضافت الطائرات أهدافاً جديدة إلى قائمتها، فقصفت مطار غزة الدولي أقصى الجنوب الشرقي لمدينة رفح وعدداً من الطرق الرئيسة والجسور التي من دونها يصبح من شبه المستحيل التنقل من الشمال إلى الجنوب أو بالعكس. وقصفت نحو 50 هدفاً، وقتلت تسعة فلسطينيين، من بينهم ثلاثة أطفال في بلدة القرارة كانوا يلعبون أمام منزل ذويهم، ما رفع حصيلة الشهداء الى 430، والجرحى إلى أكثر من 2100، بينهم نحو 300 في حال الخطر. وأسقطت طائرات"اف 16"ثمانية صواريخ على مباني المطار المغلق بقرار إسرائيلي منذ اندلاع انتفاضة الأقصى قبل ثماني سنوات، بعدما دمّرت آنذاك مدرجه الوحيد. واستهدفت نهار أمس أطفالاً ومنازل ومواقع لحركة"حماس". وأعلنت مصادر طبية استشهاد ثلاثة اطفال من عائلة واحدة في بلدة القرارة جنوب القطاع. وقالت ل"الحياة"إن الاطفال الثلاثة وهم محمد وعبدربه إياد الاسطل 10 و11 عاماً، وابن عمهما عبدالستار وليد الأسطل 11 عاماً كانوا يلهون قرب منزلهم عندما أطلقت طائرة حربية صاروخاً على البلدة، ما أدى إلى استشهادهم فوراً. واستشهد طفلان آخران هما كريستين الترك 14 عاماً وحماد مصبح 15 عاماً في قصفين منفصلين. وقالت مصادر طبية إن مصبح استشهد بشظايا صاروخ أطلقته طائرات الاستطلاع الإسرائيلية على حي الشجاعية شرق غزة، وعثر على جثمانه أشلاء، فيما أصيبت الترك بسكتة قلبية فزعاً من قصف إسرائيلي استهدف منزل عائلتها. وقصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية بصاروخين منزل عماد عقل القيادي في"كتائب القسام"، الذراع العسكرية لحركة"حماس"، للمرة الثانية ودمّرته. وفي حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، أصيب سائق إسعاف وطفلة بجراح في قصف إسرائيلي ثان طاول منزل عائلة دبابش الذي قصف أول من أمس. واستهدفت غارة إسرائيلية منزلاً يعود لأحد كوادر"كتائب القسام"من عائلة أبو موسى في خان يونس، ما أدى إلى جرح ثلاثة من أفرادها بينهم طفل. وأكدت مصادر طبية استشهاد الشاب فادي شبات 20 عاماً في غارة إسرائيلية استهدفت بلدة بيت حانون شمال القطاع. وأضافت أن غارة إسرائيلية استهدفت منزلاً في مخيم جباليا للاجئين، ما أدى إلى استشهاد رجل وجرح أربعة آخرين. وأطلقت الطائرات الإسرائيلية صاروخاً قرب منزل الوزير النائب عن"حماس"الدكتور عاطف عدوان، وقصفت مسجد عمر بن عبدالعزيز في بيت حانون، في وقت شنّت سلسلة من الغارات الجوية فجر أمس استهدفت 15 منزلاً في مناطق مختلفة في قطاع غزة. في هذه الأثناء، شيّع آلاف الفلسطينيين في مخيم جباليا الدكتور نزار ريان القيادي البارز في حركة"حماس"و15 من أفراد عائلته الذين اغتالتهم إسرائيل أمس، وسط حال من الغضب والغليان، فيما استهدفت الطائرات الحربية مواقع قريبة من المشيعين الذين احتشدوا لتشييع الشهداء وطالبوا بالثأر والانتقام لدمائهم. إلى ذلك، ألقت الطائرات الإسرائيلية أمس عشرات آلاف المناشير على سكان القطاع في إطار الحرب النفسية المترافقة مع العدوان العسكري. ودعت الفلسطينيين إلى التعاون مع سلطات الاحتلال ضد المقاومة. وقال المنشور المقتضب:"إلى سكان قطاع غزة تحمّلوا المسؤولية عن مصيركم! إن مطلقي الصواريخ والعناصر الإرهابية يشكلون خطراً عليكم وعلى عائلاتكم". وتتخوف إسرائيل من احتمال سقوط الصواريخ الفلسطينية على مدينة تل أبيب التي تبعد نحو 70 كيلو متراً عن شمال القطاع. وتخشى دوائر صنع القرار في إسرائيل أن تتحول هذه الهواجس إلى واقع، ما يعني ضربة كبرى لإسرائيل بوقوع العاصمة الفعلية حالياً تحت مرمى الصواريخ الفلسطينية. في غضون ذلك، بدت حركة"حماس"عصيّة على الكسر في اليوم السابع للعدوان الذي لم يتوقف ليلاً ونهاراً على القطاع، فيما ظل مليون ونصف المليون فلسطيني صامدين لا تهزّهم الهجمات الصاروخية أو حتى الحرب النفسية الاسرائيلية المترافقة مع العدوان العسكري. وراهنت"حماس"على فشل هذه الحرب في تحقيق أهدافها، بالتفاف"الجماهير"حولها. وقال الناطق باسم الحركة فوزي برهوم في تصريح صحافي أمس إن"استهداف وقتل المدنيين في مدارسهم وجامعاتهم ومساجدهم، وقصف البيوت الآمنة وتدميرها فوق رؤوس ساكنيها وتحديداً المناطق ذات الكثافة السكانية، وقطع الكهرباء، ومنع دخول الوقود والغذاء والدقيق والدواء، وهذا الحجم الكثير من الضحايا من الأطفال والنساء يكشف كذب ادعاءات العدو الصهيوني بأن المستهدف هو حماس، وإنما المستهدف هم أهل غزة جميعاً انتقاماً منهم على التفافهم حول شرعيتهم ورفضهم الانقلاب على حكومتهم وبقائهم على عهدهم مع المقاومة وبرنامجها القوي الناجح". نشر في العدد: 16710 ت.م: 03-01-2009 ص: 10 ط: الرياض عنوان: الطائرات الإسرائيلية تقطع أوصال غزة تمهيداً لعملية برية