أعلن صندوق النقد الدولي، في تعديل جديد وخطير على توقعاته الاقتصادية، أن الاقتصاد العالمي لن يتمكن من تحقيق أي نمو يذكر في السنة الحالية للمرة الأولى منذ الحرب الكونية الثانية. لكنه أبدى تفاؤلاً في احتمال تحقيق نمو تدريجي وقوي نسبياً بمعدل 3 في المئة العام المقبل، محذراً من أن التعافي الاقتصادي يتوقف على اتخاذ صانعي القرار سياسات حفزٍ قوية. وأرجع كبير الاقتصاديين في صندوق النقد أوليفيه بلانشار، في مؤتمر صحافي عقده في وقت متأخر من بعد ظهر أمس، صدمة الاقتصاد العالمي، إلى استمرار تدهور الاقتصادات المتقدمة خصوصاً الولاياتالمتحدة ومنطقة اليورو وبريطانيا، جراء تفاقم أزمة الائتمان وانتقال الآثار المدمرة للأزمة المالية والاقتصادية بقوة إلى الاقتصادات الناشئة والنامية. وخفض الصندوق النمو المتوقع للاقتصاد العالمي إلى 0.5 في المئة في 2009 في مقابل 3 في المئة للعام المقبل، مقارنة مع 2.2 و3.8 في المئة على التوالي في التعديل الذي أصدره بداية تشرين الثاني نوفمبر الماضي. ولفت إلى أن وتيرة النمو الأنيمية المتوقعة للسنة الحالية تتحول إلى نمو سالب في حال حساب الناتج العالمي وفق أسعار الصرف. وفي حال تحققت التوقعات الجديدة للمؤسسة الدولية، فإن الاقتصاد العالمي الذي يزيد ناتجه على 56 تريليون دولار بالأسعار الجارية، مقبل على تكبد خسائر تقترب من ثلاثة تريليونات دولار بسبب الأزمة العالمية التي قلصت طاقته على النمو من 5.2 في المئة في 2007 إلى 3.4 في المئة في 2008 ومن ثم إلى صفر السنة الحالية. ورفع الصندوق معدل انكماش الاقتصادات المتقدمة من 0.3 إلى اثنين في المئة في 2009 وخفض النمو المتوقع للعام المقبل نصف نقطة مئوية إلى 1.1 في المئة. وضاعف معدل انكماش الاقتصاد الأميركي إلى 1.9 في المئة في 2009 بينما رفع نسبة النمو قليلاً 1.6 في المئة في 2010. ورفع معدل انكماش منطقة اليورو ثلاثة أضعاف إلى اثنين في المئة، لكنه خفض نمو العام المقبل بحدة إلى 0.2 في المئة. وفيما تلعب الولاياتالمتحدة دوراً أساسياً في تحديد آفاق الاقتصاد العالمي، ليس لمسؤوليتها عن أزمة الرهون العقارية الرديئة التي أفرزت أزمة الائتمان فحسب، بل لأن اقتصادها يساهم بنحو 15 في المئة من الناتج العالمي بالأسعار الجارية، ولا يقل دور الاتحاد الأوروبي خطورة لضخامة مساهمة دوله ال 27 الأعضاء في الناتج العالمي ب 30 في المئة. ولحقت بالاقتصادات الناشئة والنامية خسارة قاسية جراء خفض الصندوق معدل النمو المتوقعة إلى 3.3 في المئة مقارنة مع 5 في المئة، وطاول التعديل السلبي أيضاً نمو عام 2010 الذي انخفض بحدة إلى 5 في المئة. وانحصرت أكبر خسائر النمو في روسيا ويتوقع أن ينكمش اقتصادها بنسبة تقترب من واحد في المئة في 2009. وعدل الصندوق آفاق الاقتصادات الناشئة الكبرى خصوصاً الصينوالهند سلباً، خافضاً معدل النمو المتوقع في الصين إلى 6.7 في المئة وفي الهند إلى 5.1 في المئة في 2009، وخفض نسبتي النمو المتوقعة في البلدين إلى 8 و6.5 في المئة على التوالي العام المقبل. لكنه أفرد حجم التجارة العالمية بأكبر خفض على الإطلاق متوقعاً انكماشاً بنسبة 2.8 في المئة هذه السنة. وأكد بلانشار أن الاقتصاديات الناشئة والنامية دفعت ثمناً باهظاً بسبب الأزمة المالية وتبعاتها لا سيما حرمانها من أسواق التصدير الرئيسة لمنتجاتها والارتفاع الحاد في كلفة الاقتراض لتمويل مشاريعها والأهم من ذلك كله الصدمة المفاجئة التي تعرضت لها إيرادات معظم هذه الدول، ليس بسبب انخفاض أسعار النفط والسلع الأولية، وإنما لانهيارها السريع والحاد. وتوقع الصندوق تراجع وتيرة نمو الاقتصادات العربية الشرق الأوسط من 6.1 في المئة في 2008 إلى 3.8 في 2009 قبل أن تتحسن قليلاً مرتفعة إلى 4.7 في المئة العام المقبل. وربط التراجع والتحسن بتوقع انخفاض متوسط أسعار النفط بنسبة تصل إلى 49 في المئة في 2009 بعدما قلصت نسبة ارتفاعها إلى 36 في المئة العام الماضي ومن ارتفاعها بنسبة 20 في المئة في 2010. نشر في العدد: 16736 ت.م: 29-01-2009 ص: 19 ط: الرياض