رفع صندوق النقد الدولي، للمرة الثانية في ستة شهور، توقعاته في شأن قوة انتعاش الاقتصاد العالمي خلال العامين الجاري والمقبل، مشدداً على أن النمو سيأتي بوتائر متباينة، على رغم أن التوقعات الجديدة التي رجحت نمو الناتج العالمي بما يصل إلى معدل 4 في المئة أو يزيد عليه في 2010 و2011، أفردت للولايات المتحدة أكبر حصة من التعديل الإيجابي وعززت آفاق كل من مجموعتي الدول المتقدمة والاقتصادات الناشئة والنامية، بما فيها الدول العربية. وقال كبير الاقتصاديين في صندوق النقد أوليفيه بلانشار إن «الاقتصاد العالمي بدأ في الانتعاش بقوة أكبر مما كان متوقعاً، لكنه يتقدم بوتائر متباينة في مناطق العالم المختلفة،» لافتاً في استعراض لأحدث توقعات خبراء المؤسسة الدولية مساء أمس الأول، إلى أن النشاط الاقتصادي تعمق واتسع نطاقه في الدول المتقدمة خلال النصف الثاني من 2009. وبموجب التعديل الأخير، رفع الصندوق معدل النمو المتوقع للاقتصاد العالمي إلى 3.9 في المئة في 2010 و 4.3 في المئة العام التالي، مقارنة مع 3.1 في المئة توقعها للعام 2010 في تشرين الأول (اكتوبر) الماضي. ولا يزال معدل النمو الجديد بعيداً نسبياً عن معدل النمو العالمي قبل الأزمة مباشرة (5 في المئة) لكن تبرز أهميته عند مقارنته مع معدل النمو الهزيل الذي توقعه الصندوق في تموز (يوليو) ولم يتجاوز 2.5 في المئة. وفي شأن تباين وتائر النمو، أوضح بلانشار أن النمو الاقتصادي في معظم الاقتصادات المتقدمة سيتسم ب «التراخي» خلال الفترة المقبلة مقارنةً مع مقاييس الماضي القريب، بينما سيكون النشاط الاقتصادي متيناً نسبياً في معظم الاقتصادات الصاعدة والنامية، مدعوماً بقوة الطلب المحلي. وشدّد على أهمية انتهاج سياسات تحفز على إعادة التوازن إلى الطلب العالمي وتدعم النشاط الاقتصادي حيث لا يزال الانتعاش غير مستدام. وأبرز خبراء الصندوق أهمية الدور الذي لعبته سياسات الحفز الاقتصادي وخصوصاً الإنفاق الحكومي وخفض أسعار الفائدة إلى مستويات متدنية قياسية في الدول المتقدمة واقتصادات صاعدة كثيرة، في إنقاذ الاقتصاد العالمي من تكرار تجربة «الكساد العظيم»، لكنهم أشاروا في الوقت ذاته إلى مساهمة قوية في هذا الاتجاه جاءت من قوة غير متوقعة في الطلب المحلي الأميركي ومتانة الطلب في الاقتصادات الصاعدة الرئيسة. ورفع خبراء الصندوق توقعات نمو الاقتصاد الأميركي إلى 2.7 في المئة في 2010 و2.4 في المئة في 2011 مضيفين 1.2 في المئة ونحو نصف نقطة مئوية على التوالي إلى توقعات تشرين الأول. وفيما حضوا على استمرار جهود معالجة تبعات الأزمة المالية، وبخاصةٍ الأصول المصرفية المتعثرة وإصلاح القطاع المالي أكدوا أن السياسات الجديدة التي تنتهجها الحكومة الأميركية لخفض البطالة يمكن أن تعزز زخم انتعاش الاقتصاديين الأميركي والعالمي على السواء. وجاءت التوقعات المحسنة للاقتصاد الأميركي بعد نمو هزيل بمعدل 0.4 في المئة في 2009 وانكماش قاس معدله 2.5 في المئة في 2009. وفي حال الاقتصادات المتقدمة التي انكمشت بنسبة 3.2 في المئة في 2009 رفع خبراء الصندوق معدل النمو المتوقع في 2010 إلى 2.1 في المئة مضيفين 0.8 في المئة إلى توقعاتهم السابقة لكنهم خفضوا توقعات العام التالي هامشياً إلى 2.4 في المئة. وطاول التعديل آفاق الاقتصادات الصاعدة والنامية التي ارتفع معدل نموها المتوقع في 2010 بنحو نقطة مئوية كاملة لتصل إلى 6 في المئة. وتحسنت وتيرة نمو العام التالي قليلاً إلى 6.3 في المئة. ولعب التعديل الجديد لمصلحة منطقة اليورو والاقتصادات الأوروبية الأكثر تأثراً بالركود، إذ بات يُتوقع أن ينمو اقتصاد منطقة اليورو بنسبة واحد في المئة ويتعزز إلى 1.6 في المئة في العامين الجاري والمقبل بعد انكماش بنسبة 4 في المئة في 2009. وخرجت ألمانيا بأكبر مكاسب التعديل بعدما ارتفع معدل النمو المتوقع لها إلى 1.5 و1.9 في المئة على التوالي، وتحسنت أيضاً آفاق فرنسا وإيطاليا وإسبانيا بقوة. وانعكست التوقعات المتفائلة للنمو العالمي على أسعار النفط التي ينتظر أن ترتفع بنسبة قوية تلامس 23 في المئة في 2010 وبنسبة 8 في المئة في 2011 معوضة انهياراً تجاوزت نسبته 36 في المئة العام الماضي. وفي المحصلة رفع خبراء الصندوق توقعات نمو اقتصادات الشرق الأوسط إلى 4.5 و4.8 في المئة على التوالي بعدما ساهمت أسعار النفط في انخفاض متوسط نموها إلى 2.2 في المئة في 2009 من 5.3 في المئة في 2008.