سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"الخطر والفرصة" لإدوارد دجيرجيان ... الديبلوماسية الأميركية وقضايا الشرق الأوسط . تقرير بيكر - هاملتون ... استقرار العراق بالتفاهم مع القوى المحلية والإقليمية 8 من 8
تنشر"الحياة"الحلقة الأخيرة من كتاب DANGER AND OPPORTUNITY"الخطر والفرصة"للديبلوماسي الأميركي ادوارد دجيرجيان الذي عمل في سفارة بلاده في بيروت، وكان سفيراً في دمشق ثم في تل أبيب في عهدي حافظ الأسد واسحق رابين، قبل أن يتولى مسؤوليات في وزارة الخارجية تتعلق بالشأن العراقي وسائر شؤون الشرق الأوسط. تجاهلت سياسة الرئيس جورج بوش بعد غزو العراق نصائح عدد كبير من المستشارين العسكريين، المهيمنين وأصحاب الخبرة في السياسة الخارجية، وكانت النتائج كارثية. وكان لدى هؤلاء الذين يديرون دفة السياسة الخارجية الفهم القليل لتاريخ وثقافة وأمور السياسة في ذلك البلد، إضافة إلى تعقيدات التركيبة الاجتماعية للشعب العراقي وأهل المنطقة في وجه عام. وكانت الحماسة الزائدة للمفاهيم الإيديولوجية المتجذرة في عدم المعرفة، إضافة إلى الغطرسة فاقت كل التحذيرات التي كان يسديها العالمون ببواطن الأمور والعارفون بالحقائق والدارسون تاريخ العراق، وتجاهلت الإدارة كل هذه الأصوات. حرب العراق كانت حرب خيارات وليست حرباً ضرورية. كان يتوجب علينا احتواء صدام حسين وعزل نظامه تماماً كما فعلنا مع معمر القذافي، وكان العالم أجمع يقف بجانبنا بعد أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر. كان يمكننا أن نغرق نظام صدام حسين بالعقوبات الدولية الشاملة. وكما ثبت بعد ذلك، لم تكن هناك أسلحة دمار شامل، وهذه الحرب كانت حرباً لتغيير النظام من الخارج تخوضها قوات أميركية وتديرها مجموعة من المحافظين الجدد الذين يدفعهم هوس نشر الديموقراطية بالقوة في منطقة الشرق الأوسط. وكانت للمقاربة الخاطئة التي اتبعتها الإدارة الأميركية نتائج لم تكن مقصودة، إلا أنها كلفت الشعب الأميركي الكثير من الدماء والمال، ومما زاد الأمور بِلّة تفاقم التوترات بين الشيعة والسنّة في المنطقة، ونتج من ذلك تسلل تنظيم"القاعدة"وإرساؤه قاعدة مهمة للعمليات العسكرية في العراق تحوّل انتباهنا عن قضايا كبيرة عاجلة مثل أفغانستان وباكستان والصراع العربي - الإسرائيلي وعلاقاتنا مع أميركا اللاتينية والصين وروسيا. ... كنت شاركت في مجموعتي دراسة تركّزان على سياسة الولاياتالمتحدة في العراق. كانت المجموعة العاملة الأولى والمستقلة في عام 2003 يرعاها كل من مجلس العلاقات الخارجية ومعهد بيكر. وطلبت مني لسلي غيلب، رئيسة مجلس العلاقات الخارجية أن أشارك في رئاسة هذه المجموعة بالتوافق مع زميلي المقرب وصديقي فرانك ويزنر. ونُشر التقرير الموجز للمجموعة وعنوانه"المبادئ الاسترشادية لسياسة الولاياتالمتحدة عقب الصراع في العراق"، قبل قيام الولاياتالمتحدة بغزو العراق في مدة لا تتعدّى شهرين عام 2003 واحتوى التقرير على الجدلية الآتية: السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما الكيفية التي ستعالج بها الولاياتالمتحدة والمجتمع الدولي الأمور في عراق ما بعد الحرب؟ وهذه مسألة على درجة كبيرة من الأهمية، حيث إن أسلوب إدارة هذا الموضوع سيحدد مصير العراق في المنظور البعيد وسيؤثر في أمور كثيرة في منطقة الشرق الأوسط. فإذا لم تقم واشنطن بتحديد أهدافها في العراق وبناء تأييد ودعم داخلي هي وحلفاؤها وشركاؤها، فإنها ستجابه صعوبات كبيرة في المستقبل تحجب أي انتصارات ونجاحات عسكرية. وبالاختصار، فإن الولاياتالمتحدة تكون قد خسرت السلام وإن كسبت الحرب. وعملت كمستشار كبير للسياسات في المجموعة الأخرى، وهي مجموعة المهتمين بأمور الديبلوماسية والسياسة، التي تتألف من أعضاء من الحزبين الديموقراطي والجمهوري ويرعاها الكونغرس كما يرأسها جيمس بيكر ولي هاميلتون. وقدم هذان التقريران توصيات لسياسة قوية ومقنعة يمكن تحقيقها، ولسوء الحظ فإن الموظفين الذين يديرون أمور السياسة في العراق والعاملين في إدارة الرئيس بوش تجاهلوا تقرير 2003 ولم يأخذوا بالهدف الرئيس لتقرير عام 2006 وتقبلوا أخيراً القليل من هذه التوصيات. وقد ساهمت الاستجابات في فشل محاولة بناء وفاق وإجماع من كلا الحزبين لمعالجة الموقف في العراق، إلا أنني عرفت بعد ذلك أن آراءنا وأفكارنا لم تكن الوحيدة التي طرحت جانباً ولم تعمل بها إدارة بوش. أما الورقة التي أعدت في عامي 2002 -2003 والتي عالجت القضايا التي ستواجهها الولاياتالمتحدة إذا ما غزت العراق وما يمكن الحكومة أن تعمل استعداداً لمواجهة هذه التحديات، فقد كانت على درجة كبيرة من الأهمية. ووضعت بطريقة حازمة توصيات مشابهة للتوصيات التي ذكرت في تقرير معهد بيكر. أهمل كبار الموظفين المدنيين في وزارة الدفاع هذا التقرير أيضاً وذلك لعدم انسجامه وسير الأعمال التي كانوا مصممين على القيام بها في العراق. فهل كل ما قلناه لإدارة بوش في هذين التقريرين قد أعلن عنه جهاراً؟ ... سحر النفط العراقي في جلسة استماع أمام لجنة الدفاع لشؤون الموازنات في آذار مارس 2003، خرج بول وولفوفيتز نائب وزير الدفاع الأميركي بالقول"إن عائدات النفط لهذا البلد يمكن أن تدر ما بين 50 و100 بليون دولار على مدى السنتين أو السنوات الثلاث المقبلة. والآن هناك الكثير من الاستحقاقات على هذه الأموال، لكننا نتعامل مع دولة تستطيع أن تحاول في واقع الأمر إعادة الإعمار وفي وقت قريب نسبياً". وفي ضوء هذه التصريحات، أشار تقريرنا إلى أن هناك الكثير من التخمينات بالنسبة الى النفط العراقي، وهذا يشمل بالطبع الاعتقاد السائد بأن عائدات النفط يمكنها أن تغطي نفقات الحرب ونفقات إعادة بناء الدولة العراقية والاقتصاد العراقي. وعلى رغم قيمة مخزونات العراق الهائلة من النفط، إلا أن هناك قيوداً كبيرة على هذه المخزونات، كمصدر لتمويل عراق ما بعد الحرب وإعادة تعميره وكدافع أساس للتنمية الاقتصادية في المستقبل. وبالاختصار، فإننا لم نتوقع منجم ثراء، فقد أوصينا باتباع الولاياتالمتحدة الخطوط العريضة الآتية: - يستمر العراقيون في السيطرة على قطاع النفط. - يُنفق جزء كبير من العائدات على إعادة تأهيل صناعة النفط وإصلاحها. - لا بد من أن يسمح للاعبين الدوليين بالمشاركة في إعادة الإعمار والتطوير والتنقيب عن النفط. - يجب أن يستفيد كل المواطنين العراقيين من عائدات النفط. بيكر - هاملتون كان دوري كمستشار كبير لجماعة دراسة الحالة العراقية قد وفر لي فرصة أن أراجع بطريقة رسمية وبتفصيل كبير سياسة الولاياتالمتحدة في العراق. وقامت هذه المجموعة بتفويض من الكونغرس وبرعاية أربع منظمات هي: معهد الولاياتالمتحدة للسلام، ومعهد بيكر للسياسة العامة، ومركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، ومركز دراسة الرئاسة. ولم تكن مهمة المجموعة النظر إلى الوراء وتفهم ما صدر من مؤيدي ومعارضي الغزو والاحتلال، وإنما كان الهدف التوصية بمسلك لدفع سياسة الولاياتالمتحدة إلى الأمام، لذا كانت المجموعة فريدة في طبيعتها من منطلق احتوائها على أعضاء من الحزبين الديموقراطي والجمهوري. وكان هذا الفريق يضم الجمهوريين: جيمس بيكر رئيساً، ولورانس إيغلبورغر، وأدوين ميس، وساندرا داي أوكونور، وآلان سمبسون، والديموقراطيين: لي هاملتون مشارك للرئيس، وفيرنون جوردان، وليون بانيتا، ووليم بيري، وتشارلي روب. وفي أول اجتماع للمجموعة، قال بيكر:"ما اتفقت عليه أنا وهاملتون يتلخص في تطلعنا دائماً إلى الأمام، فنحن لا نريد الانخراط في ما حدث، كما أننا لا نريد أن ننغمس في الماضي، نريد أن نصل إلى قراراتنا بالإجماع وأن نقوم بفعل شيء يمكن أن يساعد الرئيس والكونغرس والجمهور. نريد أن نكون بعيدين من السياسة، ولن نساهم بتقريرنا قبل كانون الأول ديسمبر"بعد الانتخابات النصفية. وكواحد من المنخرطين في هذه العملية أستطيع أن أصدق على أن أفراد هذه المجموعة حافظوا على تعهداتهم. وفي البداية شكر الرئيس جهاراً أعضاء المجموعة وقال:"ننظر إليهم كي نتقدم إلى الأمام، إننا ننظر إليهم ليقدموا لنا النصح عن الاستراتيجية المناسبة والتكتيكات التي تحقق لنا النجاح، لدينا أناس يمتلكون الكثير من الخبرات والذين كانوا يعملون في إدارات عدة وفي فروع الحكومة التشريعية والقضائية، إنني أشكرهم على رغبتهم في خدمة هذه الإدارة". لسوء الحظ لم تقبل إدارة بوش التقرير والعمل بالتوصيات في البداية، ومن ثم فاتتهم فرصة تاريخية للدفع بعراقنا وبسياسة الشرق الأوسط إلى الأمام وذلك على أساس شامل وبعيد من الحزبية. وفّر هذا التقرير للإدارة إجماعاً توافقياً بالنسبة الى المشكلة العراقية في وقت أعطت الانتخابات النصفية للديموقراطيين الغالبية في كلا المجلسين، كما وفر التقرير لكل من الرئيس والكونغرس أداة لإيجاد أرضية مشتركة بالنسبة الى المسألة العراقية، وقد كانت فرصة فريدة لجمع الكلمة والاتفاق على أهم قضية تجمعنا في مسار السياسة الخارجية. كما عبّر رئيسا المجموعة عن ذلك بالقول:"إن من مسؤولية قادة أميركا السياسيين البحث عن إجماع بعيداً من الحزبية بالنسبة الى قضايا الحرب والسلام". وبينما تبنت الإدارة الكثير من الفقرات التي أوردها التقرير، إلا أن السياسة الشاملة التي رسمها التقرير لم تجد آذاناً صاغية. ولسوء الحظ، بما أن انتخابات عام 2008 على الأبواب، أصبحت القضية تتسم بالحزبية المريرة. ... بغداد 2006 في أيلول سبتمبر 2006 صحبت أعضاء مجموعة بيكر - هاميلتون في رحلة إلى بغداد ووفرت لهم تقويماً على الطبيعة للموقف في العراق وفرصة لقاء قطاع عريض من المدنيين والعسكريين في كل من الولاياتالمتحدةوالعراق، فضلاً عن القادة الدينيين ورؤساء المنظمات غير الحكومية والديبلوماسيين الأجانب وممثلين عن المنظمات الدولية الذين يراقبون الوضع. وكانت المجموعة تضم موظفين كباراً من الإدارة الأميركية السابقة والكونغرس، منهم: جيمس بيكر، ولي هاميلتون، وبيل بيري، وبوب غايتس، وتشوك روب، وإيد ميس، وليون بانيتا، ولأهداف أمنية كانت هذه البعثة على المستوى الرئاسي. وعندما اقتربنا من مدينة الكويت على متن طائرة USG 737 شُرح لنا الموقف الأمني الخطير في بغداد ووُضعت الاحتياطات التي يتوجب علينا اتخاذها في رحلتنا داخل المدينة وحتى في حدود المنطقة الخضراء، وهي أكبر منطقة محمية في بغداد تضم مراكز القيادة العسكرية الأميركية وأكبر سفارة أميركية في العالم. لدى وصولنا إلى مدينة الكويت، ركبنا طائرة C-130 وهي طائرة شحن. وعندما دخلنا الطائرة وجدنا أربعة صفوف من الجنود الأميركيين بلباسهم العسكري القتالي، كانوا عائدين إلى العراق بعد إجازة، وجلسنا بجانبهم تحت درجة حرارة وصلت إلى 118 ف. دهشت لفارق السن الذي يفصلنا نحن صانعي السياسة المتقدمين في العمر والجنود الذين هم في العشرينات. سألت الرقيب الذي يجلس إلى جانبي عن المكان الذي حُدد لوحدته في العراق، فقال"المحمودية"في"مثلث الموت". كان لدي احترام عميق بعد سماعي هذه العبارة من هؤلاء الشبان الذين يخدمون بلدنا والتضحية التي يقدمونها. وبينما كنا ننتظر لحظة الإقلاع التي طالت، أعطاني العريف بعض المظاريف لأوصلها الى زملائي، وكانت تحتوي على حقائب من البلاستيك، وقال إن الهبوط في مطار بغداد سيكون صعباً يتسم بالانحدار الشديد، الأمر الذي لن تتحمله معداتنا، وتجنب قائد الطائرة النيران التي يمكن أن تصيب الطائرة من الأعداء المجهّزين بالصواريخ. وكانت الرحلة قاسية، وشرح لنا ضابط الأمن كيف نضع الخوذات على رؤوسنا والثياب التي يجب علينا ارتداؤها. وعند نزولنا من الطائرة، ركبنا طائرة هليكوبتر لكي تنقلنا إلى المنطقة الخضراء التي تتعرض لبعض النيران في بعض الأحيان. رحلتنا هذه أعطتنا إطلالة على بغداد ورأينا مساحات واسعة من الأرض تتخللها أشجار النخيل وشواطئ دجلة الخصبة. وقد لاحظنا أن الحاجة إلى إعادة الإعمار كبيرة في بغداد في كل مكان، عدا بضعة منازل تبدو عليها الرفاهية والثراء، وبينما كنا نطير فوق هذه المنازل أدركنا كيف يكون من السهل على الإرهابيين من تنظيم"القاعدة"التسلل إلى هذه المنازل والاختباء فيها وإطلاق صواريخهم على الطائرات. ولحسن الحظ وصلنا إلى هدفنا من دون حادث وأخذنا إلى مقر كبير في عربات مصفحة ورافقنا طاقم طبي. بعد وصولنا وبعد لقائنا بالجنرال كايسي ارتدينا حللنا وذهبنا للقاء رئيس الوزراء نوري المالكي ورئيس الجمهورية جلال الطالباني. حيّاني الطالباني بحرارة زائدة وحكى لي مغبة لقاءاتنا في واشنطن عام 1991 عندما ناقشنا دور الأكراد في عراق ما بعد"عاصفة الصحراء"وما بعد إقصاء صدام. كان طالباني مسروراً من الوضعية الجيدة للأكراد في العراق. وفي المساء التالي وبعد اجتماعات مع الوزراء العراقيين وممثلين عن المنظمات غير الحكومية وموظفي السفارة الأميركية، دعانا طالباني إلى عشاء عربي شهي في منزله، وروى حكايات عن اللقاءات القديمة بين كبار المسؤولين الأميركيين وأعضاء من الحزب الوطني الكردستاني والحزب الديموقراطي لكردستان. ومع وزير الخارجية زيباري ونائب رئيس الوزراء برهم صالح والرئيس طالباني، رفعنا كؤوسنا نخب الأيام الخوالي، وتحدثنا بالعربية عن تقدم الأكراد وكيف أصبحوا وزراء ورؤساء جمهورية، بينما انتهيت أنا سفيراً ليس إلا. اتبعنا برنامجاً عاماً كبيراً باجتماعنا مع العراقيين المديرين والقادة المدنيين بمن فيهم عبدالعزيز الحكيم رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق الذي يسيطر على ميلشيات بدر، وكانت قضية الطائفية تلوح في أفق محادثاتنا بدرجة كبيرة. أما القضية المركزية التي نوقشت، فهي ما إذا كانت حكومة المالكي قادرة على القرارات الصعبة للسيطرة على الميلشيات وبخاصة جيش المهدي وفيلق بدر. أخبرنا زعيم سنّي في المعارضة أنه في بداية تحرير/ احتلال الكويت، قمنا بارتكاب خطأ فادح في محاباة قادة الطوائف الدينية عوضاً عن القادة العلمانيين والليبراليين والنخبة من المثقفين والمهنيين. وقال لي أحد الممثلين عن منتدى الصدر سراً:"لقد خلقتم الصدر". كان لدي إحساس قوي بأن هذه الحكومة في أشدّ الحاجة إلى إثبات قدرتها على التقدم إلى الأمام وعلاج القضايا الأساسية الأمن وتقاسم عائدات النفط والفيديرالية وإعادة الإعمار والمصالحة. لعبت المناقشات التي قمنا بها دوراً مهماً في كتابة التقرير، وقد انعكس تعقد التحديات التي واجهناها في ما قلناه في افتتاحية التقرير:"الموقف في العراق خطير ومتدهور وليس هناك من مسلك يمكن أن يضمن لنا النجاح إلا أن الآمال المرتقبة يمكن أن تتحسن". البعدان السوري والإيراني ما الذي يميز تقرير"بيكر - هاملتون"؟ يحتوي التقرير ثلاثة عناصر رئيسة: أولاً، أكد التقرير أن المهمة الرئيسة لقوات الولاياتالمتحدة يجب أن تتطور حتى تستطيع دعم وتقوية الجيش العراقي الذي سيتسلم المهمات القتالية وعمليات الاشتباك مع العدو. وبيّن التقرير أنه بحلول الربع الأول من عام 2008 وهذا يخضع للتطورات غير المتوقعة في الموقف الأمني على الأرض يمكن كل الوحدات القتالية غير المسؤولة عن حماية القوة أن تغادر العراق، وبعد ذلك يعاد انتشار القوات القتالية في العراق في وحدات ملحقة بالقوات العراقية ومندمجة معها في فرق عمليات خاصة وسريعة، وفي تدريب وتجهيز وتعليم وحماية وبحث وإنقاذ. واعترف التقرير بأن الحكومة العراقية ستحتاج إلى المساعدة المستمرة من الولاياتالمتحدة، خصوصاً في المجال الأمني، إلا أن التقرير أقر بوضوح أنه يتوجب على الولاياتالمتحدة أن تلتزم الحفاظ على أعداد كبيرة من القوات لتفتيش العراق. ثانياً، أوصى التقرير بأنه يتوجب على الولاياتالمتحدة أن تعمل عن كثب مع القادة العراقيين لتحقيق تقدم كبير بالنسبة الى ثلاث قضايا مهمة: المصالحة الوطنية، الأمن، الحكم. ثالثاً، المكون الثالث لهذا التقرير يقع تحت عنوان"هجوم ديبلوماسي جديد". من الواضح أن سياسات جيران العراق وأقوالهم تؤثر كثيراً في استقراره ورفاهيته، وقد أوصى التقرير بأن تطلق الولاياتالمتحدة مبادرة ديبلوماسية، لبناء إجماع دولي يهدف إلى توطيد الاستقرار في العراق والمنطقة. ويشمل هذا المجهود كل جيران العراق. كما دعا التقرير إلى تأسيس مجموعة دولية لدعم العراق وتنظيم هذه المجموعة لتصبح أداة لهذه المبادرة. وتتألف المجموعة من جيران العراق والدول الرئيسة داخل المنطقة وخارجها لدعم الأمن والمصالحة الوطنية داخل العراق. وبالنظر إلى قدرة كل من سورية وإيران على التأثير في مجريات الأحداث في العراق واهتمامها بتجنبها حدوث فوضى في العراق على المدى الطويل، أوصى التقرير بأنه يتوجب على الولاياتالمتحدة أن تعمل على تطبيقها بطريقة بنّاءة وباتجاه ديبلوماسي قوي يتضمن حوافز وعقوبات في الوقت نفسه. وهناك وجه مهم لهذه الحملة الديبلوماسية الجديدة، يتلخص في التقويم والتوصية بأن الولاياتالمتحدة لا يمكنها تحقيق هذه الأهداف في الشرق الأوسط إذا لم تتعامل مباشرة مع صراع الشرق الأوسط بين العرب وإسرائيل وعدم الاستقرار في المنطقة. وبناء على ما تقدم، فإن التقرير يؤيد بقوة التزاماً مجرداً ومستداماً من جانب الولاياتالمتحدة لتحقيق تسوية شاملة للوصول إلى سلام على كل الجبهات: خصوصاً على الجبهة السورية والجبهة اللبنانية، والتزام بوش في حزيران يونيو 2002 حلاً على أساس دولتين، فلسطينية وإسرائيلية. شرحت أنا ووزير الخارجية بيكر ما يجب أن تكون عليه ديبلوماسية الولاياتالمتحدة مع سورية وما يجب أن تتضمنها، لأننا علمنا أن هذا المسلك سيلقى معارضة، وأشرنا بقوة الى أن الفرصة سنحت لدق إسفين بين سورية وإيران، ويمكن تحقيق ذلك بجعل سورية تنخرط في أجندة أوسع وأبعد من العراق، نعني بذلك مفاوضات السلام السوري - الإسرائيلي والأمور في لبنان والإرهاب وعلاقات سورية مع الولاياتالمتحدة ودول أخرى في المنطقة. وكان وزير الخارجية السوري عام 2006 وليد المعلم منتقداً سياسات الولاياتالمتحدة تجاه سورية، إلا أنه قدم بعض الإجراءات المعيّنة التي تضمنت استعداد سورية للمساعدة في إحكام السيطرة على الحدود العراقية -السورية ودعم الحكومة العراقية والتعاون مع اللجنة الدولية التي تبحث في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري. وكان قرار اللجنة صائباً، حيث إن إيران ترى أن من مصلحتها أن تشهد فشل أميركا في العراق وذلك في المدى القصير. إلا أن فشل سياسة الولاياتالمتحدة في العراق في المدى الطويل لن يخدم المصالح الإيرانية إذا حدث تفكك للدولة العراقية. أوصى التقرير بأنه يتوجب على إيران اتخاذ خطوات لتحسين الموقف في العراق، هي: - على إيران أن توقف تدفق الأسلحة والتكنولوجيا والتدريب إلى مجموعة تلجأ إلى العنف في العراق. - لا بد من أن يكون واضحاً لدى إيران أن دعمها سلامة أراضي العراق كدولة موحدة واحترامها سيادة العراق وحكومته أمر ضروري. - تستطيع إيران أن تستخدم نفوذها على المجموعات الشيعية في العراق لتشجيع المصالحة الوطنية. - يمكن إيران أيضاً في الظروف المناسبة أن تساعد في عملية إعادة الإعمار الاقتصادية في العراق. ولاستكشاف فرص الانخراط الجدي مع إيران، اتصلت أنا وبيكر بالإيرانيين بالنيابة عن مجموعة العمل. وفي النظر إلى العلاقات المحدودة التي يسودها التوتر، علاوة على صعوبة الاتصالات بين الدولتين، لم نعقد آمالاً كبيرة على انتزاع تعاون من الإيرانيين، أما بالنسبة الى التقرير، فقد أفاد بأن: "اتصالاتنا المحدودة مع الحكومة الإيرانية قادتنا إلى الاعتقاد بأنّ من المحتمل أن يقول القادة الإيرانيون في البداية إنّهم عاجزون عن مشاركة الولاياتالمتحدة في مساعيها الديبلوماسية لدعم الاستقرار في العراق. وهذا يرجع إلى إدراك إيران مواقف حكومة الولاياتالمتحدة تجاه الحكومة الإيرانية، خصوصاً ما يتعلق بقضية تغيير النظام. ومع ذلك، علينا أن نطلب من إيران الاضطلاع بمسؤوليتها في مشاركة مجموعة دعم العراق كدولة مجاورة للعراق، وعليه فإن رفضاً إيرانياً للقيام بمثل هذا العمل سيثبت للعراق وللعالم موقف إيران الرافض، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى عزلتها"إضافة إلى أن رفض إيران التعاون يمكن أن يقلل كثيراً من فرص انخراطها مع الولاياتالمتحدة في الحوار الأكبر الذي تسعى إليه". التقينا السفير الدكتور محمد جواد ظريف الممثل الدائم للجمهورية الإسلامية الإيرانية في الأممالمتحدة، في الخامس من تشرين الأول أكتوبر 2006 في مدينة نيويورك"وأرسل بيكر رسالة مفادها أن لا أحد من جيران العراق له مصلحة في رؤية عراق في حال من الفوضى أو أن يراه دولة فاشلة. وقال، إن الإيرانيين يفكرون في ما إذا كان من الممكن القيام بأعمال عدة بمفردهم أو سوياً مع حكومة العراق ودول مجاورة أخرى لجلب الاستقرار ومساعدته في عملية إعادة الإعمار الناجحة. وتساءل: هل تعتقد الحكومة الإيرانية بأن هناك إجراءات ثنائية أو متعددة الأطراف يمكن اتخاذها؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما هي تلك الإجراءات؟ هل هناك إمكان للتعاون الإيراني - الأميركي في سياق متعدد الأطراف؟ وأوضح لنا ظريف أنه سينقل هذه الأسئلة إلى طهران قبل أن يوفر لنا الإجابات المؤكدة، إلا أنه ظل يصف وجهة نظر إيران بالنسبة الى المحاولات الفاشلة لإقرار حوار إيراني - أميركي بأنه استغل من طرف دولة ثالثة لأهداف سياسية، ثم قال إن إيران على استعداد للتحاور في آذار مارس 2003، وأشار إلى إعلان رسمي صدر عن مستشار الأمن القومي الإيراني مفاده أن إيران ترغب في الانخراط مع الولاياتالمتحدة وأن زعيم إيران الروحي آية الله خامنئي وافق على هذه المحادثات في مقابلة معه"ثم روى كيف أن إيران تسلمت بعد ذلك"مجموعة من الأمور التي تحمل علامات استفهام""وهذا إشارة إلى برنامجها النووي، علاوة على تكوين حكومة جديدة في العراق ثم محاولات تأجيل المحادثات. كل ذلك جعل إيران تشعر بأن لدى الولاياتالمتحدة أجندة وتشكك في تغيير النظام. وفي مثل هذه الظروف نجد أن الحوار لن يؤدي إلى أي نتائج. وكشف ظريف عن التصورات الإيرانية الخاطئة والخطيرة بالنسبة الى سياسة الولاياتالمتحدة في العراق. فعلى سبيل المثال، تساور الإيرانيين الشكوك حول رئيس الوزراء العراقي وحكومته وعدم دعم الولاياتالمتحدة هذه الحكومة وسعيها لإحلال حكومة بديلة عوضاً عنها. أما عبدالعزيز الحكيم رئيس المجلس الإسلامي الأعلى للعراق، فقد تخلى عن كلمة"الثورة"في اسم حزبه، وذلك في أيار مايو 2007، وآخرون كانوا دوماً يخبرون الإيرانيين بأن الولاياتالمتحدة والأوروبيّين وبعض الدول العربية كانوا يريدون أن تفشل حكومة المالكي. طمأنتُ ظريف بأن كل ما ذكر ليس صحيحاً، وفي الواقع عند لقائنا مع الحكيم في بغداد، سأله بيكر عما إذا كان على وجه الخصوص يؤيد الحكومة الحالية، فما كان من الحكيم ورفاقه إلا أن عبّروا عن دهشتهم لهذا السؤال. وذكرت من جانبي وأنا أعلّق على الحديث أن هناك تحذيراً يفيد بأنه ربما تكون للحكيم أجندته الخاصة به بما يشمل تأسيس منطقة شيعية تتمتع بالحكم الذاتي في الجنوب. فما كان من ظريف إلا أن أبدى تساؤلاً قائلاً إنّه إذا لم يكن هناك تهديد بالانفصال في الجنوب، فمع خلق"شيعستان"يصبح من المستحيل الإبقاء على الأكراد في منأى عن الانفصال، وقال ظريف إن الحكيم يعتقد أن هذا هو ما يُبقي العراق متحداً ومتماسكاً، واختتم بالقول إنّه لا يظن أنه سيكون هناك كيان شيعي منفصل في الجنوب. أوضح بيكر رأيه بأن حكومة الولاياتالمتحدة تريد النجاح للحكومة العراقية الحالية، ثم أثار ظريف"نظريات مؤامرة"أخرى، وقال إن تقارير تشير إلى أن هناك موظفين معينين أميركيين - يتعاونون تعاوناً وثيقاً مع المتمردين، وأن صدام حسين سيتم نفيه إلى قطر وينتهي حينئذ التمرد، ثم يصوّب المتمردون بنادقهم على الشيعة وليس على الوجود الأميركي في العراق. وعلى رغم أنه لم يقدم أي التزام، ادّعى ظريف أن الحكومة في طهران مهتمة بالتوصل إلى علاقة عمل مع الولاياتالمتحدة. وكنت في أغلب الأحيان أقول لزملائي في وزارة الخارجية إننا في تعاملنا مع الإيرانيين يتوجب علينا أن نضع يدنا على محفظتنا، فهم أكبر المفاوضين ذكاءً ودهاءً في منطقة الشرق الأوسط، ولا يجب التقليل من شأنهم أبداً، إلا أننا يجب ألا نجعل من إيران قوة أكبر مما تستحق. يمكننا أن نقول إن إيران قوة إقليمية في الخليج والشرق الأوسط، بفضل حجمها وموقعها الاستراتيجي وتاريخها الثري وثقافتها ومصادر الغاز والنفط، إلا أن إيران ليست الاتحاد السوفياتي الذي كان يشكل تهديداً استراتيجياً للولايات المتحدة. يمكن إيران أن تهدد جيرانها في الخليج والمنطقة بما فيها إسرائيل، غير أن معظم هذه الدول لها علاقات ثنائية قوية مع الولاياتالمتحدة، وإيران تدرك أنها إذا هددت أو قامت بأعمال عدائية ضدها، فإنها تخاطر بدرجة كبيرة برد فعل الولاياتالمتحدة وكذلك القوى الكبرى. ومفهوم الردع في هذا السياق مفهوم حقيقي يمكن أن يمتد ليشمل الوسائل الاقتصادية والسياسية، فضلاً عن الوسائل العسكرية. نجد أن إيران ليست دولة فارسية متجانسة ونصف سكانها تقريباً موزعون بين الأتراك والكرد والعرب وبضع جماعات عرقية صغيرة. وهناك حساسية في إيران لما يحدث على حدودها في كل من العراقوأفغانستان، وهي تأمل في تجنب ما يمكن أن يمتد من هذه البلاد إلى حدودها من صراعات إثنية ودينية وحركات انفصالية يمكن أن تهدد سلامتها الإقليمية. وفي النظر الى كل هذه العوامل نجد أن لدى إيران أسباباً قويّة تجعلها تتجنب إثارة الولاياتالمتحدة وتحريك العداء ضدها ليصل إلى مواجهة، فمثل هذه المواجهة يمكن أن تكون مكلفة للطرفين وستكون مدمرة بالذات بالنسبة الى إيران، لهذا فإنّ للديبلوماسية دورها هنا إذا ما أديرت دفتها بحكمة وتعقل. وكقوة عالمية كبيرة تستطيع الولاياتالمتحدة أن تأخذ الخطوة الأولى لوضع النظام الإيراني تحت الاختبار، من خلال عرض لحوار استراتيجي عريض بالنسبة الى كل القضايا الأساسية. والمتابعة النشطة للقضية النووية على منبر متعدد الأطراف أمر مهم، إلا أن الخطوة الأولى في الحوار يمكن أن تكمن في تبادل التقويمات بالنسبة الى القضايا الإقليمية مثل العراقوأفغانستان والصراع العربي - الإسرائيلي ولبنان وأمن الخليج والإرهاب. وما يمكن أن تتمخض عنه هذه المناقشات يمكن أن يتمحور حول إيجاد علاقة ثنائية بين الولاياتالمتحدةوإيران. من هنا يكفينا أن نوضح أن في الوقت الذي لا نسعى إلى تغيير النظام، سنعمل على تعزيز مواقعنا بالنسبة الى حقوق الإنسان والديموقراطية ودور المجتمع المدني وسيادة القانون كأجزاء هيكلية وبنيوية لحوار ثنائي. وباختصار، فإن المخاطر كبيرة ويجب ألا تفوتنا فرصة استمالة أحد الأنظمة الأكثر عداء لنا في المنطقة. نشر في العدد: 16726 ت.م: 19-01-2009 ص: 26 ط: الرياض * تصدر الترجمة العربية للكتاب أوائل الشهر المقبل عن دار الكتاب العربي في بيروت.