لم تستطع شبكة الانترنت تجنب حرب غزة. والأدق القول إنها رافقتها بالبث الحيّ. وبذا، اندلعت حرب في فضاء الإعلام الرقمي بموازة المعارك الدائرة في قطاع غزة بين جيش الاحتلال الاسرائيلي وفصائل المقاومة الفلسطينية. ولأن الحرب الفعلية تفرض نفسها على الفضاء الالكتروني، تظهر في شاشة الكومبيوتر عينها مواقع تحض على التبرع لأهالي غزة، وأخرى تحض على مد اليد لأطفال إسرائيل الجياع في مناطقها الجنوبية الواقعة تحت ضغط"الإرهاب". أنظر"الحياة"في 6 كانون الثاني / يناير 2009. تردد الشبكة العنكبوتية أصداء انقسامات عربية - عربية، وفلسطينية - فلسطينية، وعربية - دولية، ونوبات غفوة عربية ودولية. وتبدو الانترنت ميالة الى نوع من"الشعبوية"التي تنسجم مع صيتها بأنها"برج بابل"رقمي! وتسمع فيها دعوات إلى التطوع في صفوف المقاومة، دعوات للإطاحة بالأنظمة، تراشق بالألفاظ بين مدوّنين الكترونيين بلوغرز عرب يتهم بعضهم البعض بالخنوع والخيانة، مطالبة بالتوقف عن خوض الحروب لملصحة آخرين، تحاليل سياسية واستراتيجية، وألسنة ساخرة وأخرى غاضبة من الجميع. وشملت هذه الحرب الالكترونية وسائل جديدة: تمكن بعض مناصري حركة"حماس"من اختراق موجات بث بعض الإذاعات الاسرائيلية المحلية، واستعملوها للنيل من الجانب المعنوي لخصمهم. وكذلك لجأت اسرائيل الى استخدام شبكة الهاتف اللبنانية، التقليدية والخليوية، لبث رسائل صوتية مسجلة تُهدّد بتكرار الخراب الهائل الذي احدثه الجيش الاسرائيلي في عدوان تموز يوليو 2006. وقد عمدت اسرائيل الى أمر مشابه أثناء ذلك العدوان. وحينها، بثت رسائل خاطبت زعيم"حزب الله"السيد حسن نصر الله، موجهة اليه تهديدات. ويتولى إدارة رحى الحرب المشتعلة على صفحات الانترنت نشطاء متمكنون من مهارات الكومبيوتر. ويأتي هؤلاء من الجانبين المتورطين مباشرة في النزاع العسكري الراهن، إضافة الى أعداد من مؤيديهما. وتبادل أولئك النشطاء"عمليات"كرّ وفرّ نشطة شملت محو بعض المواقع واغلاق مجموعات في موقع"فايس بوك"الشهير. واستُبدلت المواقع الممحوة بصفحات الكترونية تحتوي على بيانات مؤيدة للجانب الذي يناصره الناشط الرقمي. وفي اطار هذه الحملة استهدفت مواقع الكترونية تابعة لآلة الحرب الاسرائيلية، ومواقع تابعة لحلف شمال الاطلسي ناتو ومواقع اسرائيلية من بينها موقع لأحد المصارف. وحذر خبراء الانترنت مستخدمي الشبكة العالمية من محاولات اختراق بريدهم الالكتروني في سياق نشر رسائل طفيلية سبام تشرح وجهات النظر المتقابلة في تلك الحرب. كما اطلقوا تحذيرات مماثلة لمزودي خدمات الانترنت، مطالبين هؤلاء بزيادة الحيطة في أعمالهم. حلف"الناتو"والهاكرز على نحو يُذكر بما دار على الشبكة الالكترونية أيام حرب"كوسوفو"، هاجم"قراصنة انترنت"يعرفون أيضاً باسم"هاكرز" مؤيدون للجانب الفلسطيني، مواقع رقمية بارزة من بينها موقع الكتروني تابع للجيش الاميركي وآخر تديره"الجمعية البرلمانية لحلف الناتو"في السابع من كانون الثاني يناير الجاري. واستطاع النشطاء الالكترونيون الفلسطينيون محو صفحات هذين الموقعين وتركوها بيضاء فارغة باستثناء صورة شهيرة لصبي يقذف دبابة اسرائيلية بالحجارة في غزة. وخلّف الهاكرز الفلسطينيون وراءهم جملة تقول:"أوقفوا الهجمات يا اسرائيل والولايات المتحدة! أنتما أمتان ملعونتان! يوماً ما المسلمون سينظفون العالم منكم". وقال مسؤول في حلف الناتو أن الهاكرز الفلسطينيين واصلوا هجماتهم الرقمية على موقع الجمعية البرلمانية للحلف على مدى ايام في اعقاب الهجوم الاول للجيش الاسرائيلي. وأضاف أن هؤلاء الهاكرز لم ينجحوا في الوصول الى خوادم شبكة الانترنت الداخلية للموقع المذكور. وخلص المسؤول للقول:"الأمر يشبه لعبة القط والفأر... لا يوجد نظام محصن من عدم الاختراق". كما هاجم القراصنة الالكترونيون المؤيديون للفلسطينيين مواقع اسرائيلية عدة، من بينها موقع"بنك ديسكاونت". وكذلك فعلوا مع أحد المواقع الاخبارية. واستطاعوا ان يحوِّلوا قراء ذلك الموقع الى صفحة مكتوب عليها رسائل مناهضة لاسرائيل مع صور لسجناء ترتكب ضدهم انتهاكات في سجن"ابو غريب"في العراق. وتزايد عدد الهجمات في شكل كبير جداً خلال الأشهر الاخيرة داخل اسرائيل. وربط احد المسؤولين الاسرئيليين العاملين في مجال الانترنت بين تلك الهجمات وما يدور في غزة من اعمال حربية. وعلى الجانب الآخر، هوجمت المواقع الالكترونية المؤيدة للفلسطينين، إضافة إلى مواقع عرب اسرائيل. وبرز أسم المجموعة الاسرائيلية اليمينة المتطرفة التي تعرف باسم"كاش"باعتبارها من الجهات التي تنظم تلك الحملات. وذكر عز الدين بدران مدير قسم الاخبار في موقع"عرب 48"على الانترنت ان موقعه"عانى في شكل مستمر من هجمات القراصنة". معركة"فايس بوك" وتتبدى الحرب الاعلامية الرقمية بجلاء في الموقع الاجتماعي الشهير"فايس بوك"Face Book الذي يضم مجموعات كثيرة لها ارتباط بالصراع في غزة. واندلع الصراع في الموقع عندما تمكنت مجموعة تحمل اسم"قوة الدفاع اليهودية على الانترنت"من السيطرة على مواقع عدد من المجموعات المؤيدة للجانب الفلسطيني. وازالت هذه المجموعة محتوى مجموعة من المواقع اعتبرتها مناوئة لها، واستبدلت بها بيانات مؤيدة للسياسة الاسرائيلية ومناهضة لحركة"حماس"الاسلامية الفلسطينية التي تسيطر على قطاع غزة. وتضرر اندرو سيلفيرا، الذي يعتبر احد النشطاء في العديد من المواقع المناصرة للفلسطينيين على"فايس بوك"، من اعمال القرصنة الالكترونية. ويقول اندرو ان حسابه على الانترنت قد هوجم بعدما استجاب لطلب وصله عبر صفحته في موقع"فايس بوك"من مستخدم آخر دعاه فيه لتولي مسؤولية جماعة تؤيد وقف النار فوراً في غزة. وأضاف أن"بمجرد ما ضغط على الرابط الذي رافق تلك الدعوة، ادركت ان ثمة خطأ... لم يكن الرابط يؤدي الى مجموعة عادية من مجموعات"فايس بوك"...بمجرد ان ضغطت على الرابط تبخر حسابي على الانترنت". نشر في العدد: 16730 ت.م: 23-01-2009 ص: 27 ط: الرياض