تنشر"الحياة"مقاطع من كتاب DANGER AND OPPORTUNITY"الخطر والفرصة"للديبلوماسي الأميركي ادوارد دجيرجيان الذي عمل في سفارة بلاده في بيروت، وكان سفيراً في دمشق ثم في تل أبيب في عهدي حافظ الأسد واسحق رابين، قبل أن يتولى مسؤوليات في وزارة الخارجية تتعلق بالشأن العراقي وسائر شؤون الشرق الأوسط. هنا حلقة سابعة: بعد فوز"حماس"في انتخابات المجلس التشريعي عام 2006 وقبل الأزمة التي أعقبت سيطرة حماس على القطاع وحل حكومة الوحدة الوطنية في حزيران يونيو 2007 كان هناك أمل يشوبه الحذر في أن يتكامل الفصيلان"فتح"وپ"حماس"وتندمج عناصرهما ليصبحا كياناً يتسم بالحكم القائم على المسؤولية وتتعدل السياسات المبنية على مفهوم القتال والنضال. ولقد أثبت الجناح الخارجي لحماس وعلى رأسه خالد مشعل ميوله وسياساته الأصوليّة، بينما كان رئيس الوزراء السابق، إسماعيل هنية، ورفاقه في الأراضي المحتلة يحاولون الإمساك بزمام السلطة ومتطلباتها، وكان عليهم الأخذ بخيارات سياسية في غاية الصعوبة. وكان لانهيار حكومة الوحدة الوطنية والمواجهات بين"فتح"وپ"حماس"الأثر الكبير في تفاقم الانقسامات وتفاقم الأوضاع في الجسد الفلسطيني الواحد. وكان على الولاياتالمتحدة أن تتجاوب مع الديناميكيات السياسية"فبينما كانت تدعم بقوة السلطة الوطنية الفلسطينية كان عليها أيضاً ابتداع سياسات من شأنها إيجاد الظروف التي يمكن أن تشجع"حماس"على التحرك في اتجاه أكثر اعتدالاً وتقوّي مواقف"فتح"وتؤازر محمود عباس رئيس السلطة الوطنية. فالفلسطينيون فقط هم الوحيدون الذين يمكنهم لملمة صفوفهم ويكون للعرب حق النصح والإرشاد الذي لا يمكن تجاهله. أما اللّجنة الرباعية التي تضم الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأممالمتحدة فقد وضعت متطلبات عدة طالبت بها"حماس"، ومن بينها الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود والتخلي عن الإرهاب واحترام كل الاتفاقات الموقعة. وللعمل على تسهيل الحركة في هذا الاتجاه لا بدّ لپ"حماس"من فعل ما فعلته الحكومات العربية من قبل، وهو التقبل الكامل لمبادرة السلام العربية الصادرة عن قمة الجامعة العربية في بيروت عام 2002 والتي نادت بالاعتراف بإسرائيل في مقابل تسوية سلام شاملة مبنية على قراري الأممالمتحدة 242 و 338. وبهذا تكون"حماس"استجابت في هذا السياق للمبادرة العربية التي قبلتها إسرائيل واللّجنة الرباعية الدولية. ولتعزيز الحركة إلى الأمام على المسار الفلسطيني، يتوجب على اللّجنة الرباعية بقيادة الولاياتالمتحدة أن تشجع توجهاً متعدد المراحل وواضح المعالم بهدف حل القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية. بيان مبادئ - 2002 ما هو هام على وجه الخصوص يتلخص في أن تكون هناك حركة موازية قائمة على تحسين الموقف على الأرض في إطار الالتزامات التي وعد بها الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني، وكذلك الانخراط الكبير والحركة في اتجاه قضايا المرحلة النهائية، بما فيها مسألة القدس وقضية الحدود وحق العودة والتسوية العادلة لمشكلة اللاجئين ومسألة مصادر المياه. وحيث إن هذه قضايا عسيرة كما يبدو إلا أن النقاش المستفيض في المفاوضات السابقة والوجوه العامة للتسوية تبدو في الأفق. و"بيان المبادئ"الذي وقعه آمي أيالون الرئيس السابق للشين بيت في 27 تموز يوليو 2002، وسري نسيبة رئيس جامعة القدس والممثل السابق لمنظمة التحرير، يوفر إطاراً ناقشته الأطراف وتحاورت في شأنه، وأهم ما ينص عليه البيان: 1- دولتان لشعبين: سيعلن الطرفان أن فلسطين هي الدولة الوحيدة للشعب الفلسطيني وإسرائيل هي الدولة الوحيدة للشعب اليهودي. 2- الحدود: سيُتفق على الحدود الدائمة بين الدولتين على أساس خطوط الرابع من حزيران يونيو عام 1967 وقرارات الأممالمتحدة والمبادرة العربية للسلام المعروفة بالمبادرة السعودية. ستُبنى تعديلات الحدود على أساس عادل ومنصف لتبادل الأراضي سيتفق عليه الطرفان طبقاً للحاجات الحيوية للطرفين، بما يشمل الأمن وتواصل الأراضي والاعتبارات الديموغرافية. سيكون للدولة الفلسطينية رابطة بين الكيانين الجغرافيين: الضفة الغربية والقطاع. بعد تأسيس الحدود المتفق عليها لن يكون للمستوطنين اليهود مكان في الدولة الفلسطينية. 3- القدس: ستكون القدس مدينة مفتوحة وعاصمة للدولتين. أما حرية الأديان والوصول بحرية كاملة إلى الأماكن المقدسة فستكون مكفولة للجميع. ستقع الأحياء العربية في القدس تحت السيادة الفلسطينية، والأحياء اليهودية تحت السيادة الإسرائيلية. لن يكون لأي طرف السيادة على الأماكن المقدسة، وستكون لدولة فلسطين الوصاية على الحرم الشريف لمصلحة المسلمين، وسيكون لإسرائيل الوصاية على الحائط الغربي لمصلحة الشعب اليهودي، وسيظل الوضع الحالي كما هو بالنسبة للمقدسات المسيحية، ولن يكون هناك أية حفريات داخل الأماكن المقدسة أو تحتها من دون الموافقة المتبادلة. 4- حق العودة: من منطلق الاعتراف بآلام وأحوال اللاجئين الفلسطينيين فإن المجتمع الدولي وإسرائيل والدولة الفلسطينية ستساهم في إنشاء صندوق لتعويضهم عن ممتلكاتهم وبيوتهم. سيعود اللاجئون الفلسطينيون فقط إلى دولة فلسطين، وسيعود اليهود إلى دولة إسرائيل فقط. سيقدم المجتمع الدولي التعويض اللازم لتحسين أحوال الكثير من اللاجئين الذين يرغبون في البقاء في البلاد حيث يقيمون حالياً أو مقار إقامتهم أو من يرغبون في الهجرة إلى دولة ثالثة. 5- ستكون الدولة الفلسطينية دولة منزوعة السلاح وسيكفل المجتمع الدولي أمنها واستقلالها. 6- إنهاء الصراع: عند التنفيذ الكامل لهذه المبادئ ستنتهي كل الدعاوى من كلا الطرفين وينتهي بذلك الصراع العربي - الإسرائيلي. يمكن أن نرى هنا الملامح العامة لاتفاق انبثق نتيجة لانخراط كل من الفلسطينيين والإسرائيليين في الحوار على هذه القضايا. ويمكن التفاوض على الخلافات. وما نحتاجه هنا هو الشجاعة السياسية والإرادة من كلا الطرفين لترجمة هذه الأفكار الرئيسة إلى اتفاقات. المفاوضات الإسرائيلية - السورية واللبنانية يبدو أن المسارين السوري - الإسرائيلي واللبناني - الإسرائيلي قد أصبحا في طي النسيان بالنسبة الى أجندة عملية سلام مدريد وذلك نتيجة للتركيز على المحادثات الإسرائيلية - الفلسطينية. إلا أنه يمكننا تحمل هذا الوضع لفترة قصيرة"وكلما مر الوقت فإن الفشل في حسم هذه القضايا المعلقة التي تنطوي على مخاطر كبيرة يمكن أن يشكل تهديداً للسلام والأمن لعموم المنطقة، تماماً كما ثبت من الأحداث الدراماتيكية التي حدثت عام 2006 ضمن سياق المواجهة بين حزب الله وإسرائيل في لبنان والتي هددت بتوسيع الصراع الإقليمي والذي من الممكن أن يشمل سورية. بينما يكون النقاش حول الماضي في هذا السياق وثيق الصلة بموضوع المفاوضات إلا أن التحدي الأساسي يكمن في الكيفية التي يمكن بها استئناف المفاوضات بين سورية وإسرائيل. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ما إذا كانت الحكومة الإسرائيلية راغبة وقادرة على التوصل إلى اتفاق مع سورية، ويتم هذا الاتفاق على أساس الانسحاب الشامل. غير أن الجانب الآخر من هذه المعادلة هو ما إذا كان بشار الأسد راغباً في التقدم بصفقة شاملة كاملة تجعل من الاتفاق اتفاقاً مقبولاً من الناحية السياسية من جانب الطرف الإسرائيلي، آخذين في الاعتبار خبرات المفاوضات السابقة. معظم المراقبين لا يتوقعون حرباً بين سورية وإسرائيل على المدى القصير إلا أن الخطر يتزايد إذا لم يصل الطرفان إلى تسوية. فنجد مثلاً أن استمرار الوضع على ما هو عليه يمكن أن يؤدي إلى تنشيط الجبهة بين"حزب الله"، المدعوم من الدولة السورية، وإسرائيل على الحدود اللبنانية. وفي أسوأ الحالات يمكن أن يجر هذا الوضع دولاً عربية أخرى إلى الصراع. فالنزاع حول منطقة مزارع شبعا على الحدود اللبنانية - السورية يمكن أن يعد مثالاً عن حالة التأزم الحالية في المنطقة التي لا تعدو أن تكون مساحتها عشرة أميال مربعة من الأرض الخضراء التي تروى نتيجة ذوبان الجليد والمتاخمة للحدود مع سورية ولبنان وإسرائيل والتي استولت عليها إسرائيل في حرب الأيام الستة عام 1967. وعلى رغم الالتباس الظاهر حول الحدود حيث إن كلاً من سورية ولبنان يدعيان ملكية لبنان لها وهو لم يكن طرفاً في الحرب ويجب بالتالي إعادتها إلى لبنان. غير أن إسرائيل تؤكد أن هذه الأرض جزء من مرتفعات الجولان وقد استولت عليها من سورية في الحرب وترفض التخلي عنها وعن مصادر مياهها الغنية وإرجاعها إلى لبنان. لقد أصدرت الأممالمتحدة عدة قرارات تشكك في ادعاءات إسرائيل. واستغل"حزب الله"احتلال إسرائيل مزارع شبعا مبرراً كبيراً لهجماته المتكررة والمستمرة على إسرائيل. وحيث إن النزاع لم يحسم فإنه يظل مصدراً محتملاً لتفجر صراع في المنطقة. هذا المأزق، بالإضافة إلى سوء الفهم والشكوك سيؤدي إلى زيادة تأجج الوضع. وستقع الحكومة الإسرائيلية تحت ضغوط متزايدة وإنفاق مواردها الضرورية، وذلك في محاولة للإبقاء على تفوقها التكنولوجي في الميزان الإقليمي العربي والتعامل مع أنظمة الدفاع الصاروخي من طراز"آرو"وما يستجد من تطور في هذا المجال. وعلى الرغم من القيود الاقتصادية الخطيرة وغياب الراعي السوفياتي السابق لسورية فإن هذا البلد سيقع تحت إغراء السير في الاستحواذ على العتاد الحربي لتحديث بنية قوته وتطوير أسلحة أكثر للدمار الشامل فسورية لديها برنامج طويل الأمد للأسلحة الكيميائية والبيولوجية. وبالنظر إلى الأنظمة التي يمكن لسورية أن تستخدمها مع هذه الأسلحة صواريخ أرض - أرض فإن موقفاً مثل هذا سيعمل على زعزعة الاستقرار. وتخشى سورية من تدمير أنظمة أسلحتها في ضربة إسرائيلية أولى ومن ثم سيكون لديها دافع قوي لاستخدامها عوضاً عن فقدانها. وسيصل الإسرائيليون إلى النتيجة نفسها ويكون لديهم الحافز القوي للهجوم أولاً، وذلك قبل أن تستخدم سورية أسلحتها وهذا بالطبع سيكون المثل الكلاسيكي للشك والتوتر والتصعيد الذي نجده في أدبيات سباق التسلح. وباختصار، فمن وجهة النظر العسكرية نجد أن هناك نافذة لعدم الاستقرار في العلاقات الاستراتيجية بين البلدين. ويمكن لهذا الوضع أن يتفاقم من جراء العنف المتزايد على الأرض، خصوصاً تلك الأعمال التي يقوم بها"حزب الله"على الحدود الشمالية. بعد وفاة حافظ الأسد كرر بشار الأسد قول أبيه"الخيار الاستراتيجي للسلام"المبني على الأرض مقابل السلام واسترجاع الأراضي السورية التي احتلت عام 1967 وصولاً إلى الحدود الدولية. وفي مقابلة صحافية أجرتها معه صحيفة"الشرق الأوسط"في شباط فبراير 2001 صرح بشار قائلاً:"ما طالب به الأسد هو ما أطالب به، لم أحذف أو أضيف أي شيء، فالحقوق السورية لم تتغير والشارع السوري صاحب هذه الحقوق لم يتغير كذلك. ولم يقم حافظ الأسد بتنازلات بالنسبة الى الحقوق السورية ونحن في سورية لم ولن نقوم بأية تنازلات في المستقبل... نحن نخبر كل من نقابلهم أن هذه هي شروطنا ومهما كان من نقابله يستمع إلى المقولة نفسها. فنحن مستعدون للاستمرار في المفاوضات معهم. ونحن نتعامل دائماً مع الحقائق وليس التوقعات". من الواضح أن ملاحظات بشار الأسد كانت تتسم بالحزم وكان مصراً على الاستمرار قوياً من موقعه، كما كان يشير إلى أن الكرة في الملعب الإسرائيلي. وأتذكر أنني قلت لوالد بشار إنني أكتب كتاباً عن مبادئ الديبلوماسية السورية، فما كان من حافظ الأسد إلاّ أن قال:"هل لديك الوقت؟"فأجبته قائلاً: إنّه سيكون كتاباً موجزاً - صفحة واحدة وجملة واحدة"الكرة في ملعبكم". فضحك ولم ينكر ما قلته. وفي أي حال فإن الولاياتالمتحدة في وقت مناسب يمكنها أن تلعب دوراً أساسياً في تسهيل استئناف المفاوضات والوصول إلى نتيجة إيجابية. وللاضطلاع بهذا الدور فإن القيادة الرئاسية والالتزام والدعم لجهود الولاياتالمتحدة في هذا المجال أمر مهم للغاية. والقواعد الأساسية لأي تسوية هي قرار الأممالمتحدة 242 و338. وهذان القراران يتضمنان عدم السماح باستمرار احتلال الأراضي بالقوة وعن طريق الحرب، كما أنّهما يدعوان للاعتراف المتبادل واحترام السيادة وسلامة أراضي كل الدول في المنطقة وحق كل الدول في العيش في سلام داخل حدود آمنة ومعترف بها. ولقد فسر السوريون هذين القرارين على أنّهما يتطلّبان من الإسرائيليين الانسحاب من الأراضي السورية المحتلة عام 1967، إلا أن الإسرائيليين يطالبون بتعريف واضح للسلام وتطبيع العلاقات وترتيبات الأمن والوصول إلى المياه. الدور السوري في العراق كان تقرير مجموعة بيكر - هاملتون ينص على الأعمال التي يمكن أن تقوم بها سورية للوصول إلى اتفاق سلام قابل للحياة، وأنّ هذا السلام المتفاوض عليه لا بد من أن يتضمن العناصر الآتية: - التزام سورية الكامل بقرار مجلس الأمن الرقم 1701 الذي أُقرّ في آب أغسطس 2006 والذي يوفر إطاراً للبنان لاستعادة كامل سيادته على أراضيه. - تعاون سورية الكامل في التحقيق في حادث اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري الذي تشرف عليه لجنة الأممالمتحدة والمحكمة الدولية التي وافق عليها مجلس الأمن. - توقف سورية عن مساعدة"حزب الله"والتحقق من ذلك. - توقف سورية عن استخدام أراضيها لنقل الأسلحة الإيرانية إلى"حزب الله"والتحقق من ذلك. - استخدام سورية نفوذها مع"حماس"وپ"حزب الله"للمساعدة في إطلاق سراح الجنود الإسرائيليين. - توقف سورية عن زعزعة الحكومة اللبنانية المنتخبة ديموقراطياً والتحقق من ذلك. - التوقف عن شحن الأسلحة من سورية أو عبرها إلى"حماس"والجماعات الأصولية الأخرى والتحقق من ذلك. - التزام سوري بالمساعدة في الحصول من"حماس"على اعتراف بحق إسرائيل في الوجود. - العمل على مراقبة الحدود مع العراق وإحكام السيطرة عليها. وفي مقابل كل ذلك، وفي سياق التوصل إلى اتفاق سلام نهائي، لا بد من أن تعيد إسرائيل مرتفعات الجولان مع ضمان للأمن الإسرائيلي يمكن أن تقدمه الولاياتالمتحدة في شكل قوى دولية على الحدود تشمل قوات أميركية إذا طلب منها الطرفان ذلك. سلام إسرائيلي - سوري والتقدم على المسار السوري - الإسرائيلي لا يجب أن يستغل مبرراً لعرقلة التقدم على المسار الإسرائيلي - الفلسطيني، والعكس صحيح أيضاً. ومن ثم فإن هذا المبدأ لا بد من أن يكون واضحاً في سياسة الولاياتالمتحدة الأميركية. ولقد كان المنحى الذي اتخذه مؤتمر السلام في مدريد ينص على تقدم كل مسار ثنائي بالسرعة التي تناسبه، بالترافق مع المسارات المتعددة الأخرى بطريقة مماثلة، وذلك للتعامل مع القضايا الأساسية مثل قضايا السيطرة على السلاح والأمن واللاجئين والبيئة والتطور الاقتصادي والمياه. إلا أن هذا المنحى العام الشامل والهيكلي تخلت عنه الأطراف بعد ذلك. ولعل الأفكار التالية يمكن اعتبارها كوسيلة لاستئناف المفاوضات ورفع سقف نجاح هذه المفاوضات حتى يتوصل الجانبان إلى توقيع معاهدة سلام. لمساعدة الأطراف فإن الولاياتالمتحدة يمكنها أن تقدم سلسلة من التساؤلات لكل من سورية وإسرائيل حول: أ رغبتهما في النظر إلى تجربة المحادثات السابقة والبناء عليها مع الأخذ في الاعتبار دور الولاياتالمتحدة في هذه المفاوضات. ب أوجه مواقفهما بالنسبة الى القضايا الجوهرية قيد البحث والتفاوض مثل الانسحاب وترتيبات الأمن، وطبيعة السلام، والمياه، والعلاقات المتداخلة لهذه القضايا مع بعضها البعض. الهدف من السؤالين هو توضيح المواقف لتحديد أجندة ومحتوى المفاوضات. ويجب تبادل هذه المواقف بين الأطراف المعنية مباشرة أو بأسلوب غير مباشر للتقليل من انعدام الثقة والشك وذلك من خلال شفافية السياسة. ويمكن أن تأخذ هذه الأسئلة شكلاً معيناً هو،"ماذا لو". ولقد طُبّق هذا المنحى في الماضي وربما كان مفيداً على صعيد تقدم في محادثات عام 1993 و1994. هناك بديل ممكن وهو: إذا كانت الخلافات قد ضاقت فإن الإجابات على هذه الأسئلة أو التوضيحات تكون أساساً لوضع مسودة لنص تفاوض واحد. يمكن أن يشكل أساساً للمفاوضات، ويمكن أن يكون هذا النص مفيداً حيث إنه سيكون مبنياً على إرث خبرات وتجارب المفاوضات السابقة مع تضمنه أفكاراً جديدة وتأكيدات من الجانبين. ويكون رد الجانبين في شكل اقتراح بعض التعديلات والمراجعات وما إلى ذلك. واستخدام هذا النص أساساً للمفاوضات المستقبلية يمكن أن يؤدي إلى عملية تتسم بالتركيز الكبير. يجب استئناف المفاوضات على المسار اللبناني - الإسرائيلي في الوقت الذي تدور فيه المفاوضات مع السوريين، وعلى الأطراف المعنية القيام بجهود مستدامة، في محاولة للتوصل إلى اتفاق إسرائيلي - لبناني وإسرائيلي - سوري شامل. وكوسيط نزيه يتوجب على الولاياتالمتحدة أن تستهل توضيح المواقف من خلال طرح أسئلة مثل"ماذا لو"، تتعلق بترتيبات الأمن بين الفرق المعنية بالأمن والشؤون العسكرية والتي تشمل خبراء في هذه المجالات. فهذه المحادثات يجب أن تشمل النظر في الشروط التي توضع للترتيبات الأمنية وذلك قبل التوصل إلى الاتفاق النهائي. ويمكن أن تشمل أيضاً مناقشات لقضايا أخرى ترتبط ببحيرة طبرية. - يجب على الولاياتالمتحدة أن تكرر رغبتها في ضمان أية ترتيبات أمنية على هضبة الجولان التي يتفق عليها وذلك إذا طلب الفرقاء ذلك. - يجب على الولاياتالمتحدة تنسيق الجهود مع الدول الأخرى داخل المنطقة وخارجها وتستخدم هذه الدول نفوذها مع الأطراف المتفاوضة، لتنمية"دوافع"يمكن أن توفر حوافز إضافية للتفاوض والوصول إلى اتفاق. يجب على الولاياتالمتحدة أن تقوم باستمالة القادة الإسرائيليين والسوريين للانخراط في الديبلوماسية العامة والمقابلات الصحافية والتصريح ببيانات للمساعدة في زيادة الثقة بين البلدين وتسهيل استئناف المفاوضات. والأكثر أهمية، يجب على الطرفين تجنب الإدلاء بتصريحات من شأنها أن تعيق فرص استئناف المفاوضات والوصول إلى تسوية"وعلى كل جانب أن يقدم بياناً مهماً لتسهيل المفاوضات. فعلى سبيل المثال يمكن لإسرائيل أن تقدم بياناً يفيد بأن مبدأ الأرض مقابل السلام ينطبق على الجولان وأنه إذا ما توفرت حاجات إسرائيل للأمن فإنها على استعداد للتنازلات المؤلمة. بالإضافة إلى كل ذلك يمكن لإسرائيل أن تعترف بأن إرث المحادثات والمفاوضات السابقة يمكن أن يكون أساساً مقبولاً لتجدد المفاوضات وأن كل الخيارات متاحة بما فيها الانسحاب الكامل في مقابل سلام وأمن كاملين. كما أن إسرائيل يمكنها التصريح بأن القضايا التي نوقشت في الماضي تحتاج إلى المزيد من المناقشات والتوضيح. وبالمثل يمكن للقيادة السورية أن تكرر القول للشعب الإسرائيلي بأن سورية اتخذت خيارها الاستراتيجي للسلام الشامل مع إسرائيل، إلا أنها تعترف بالحاجة إلى اتفاق يتضمن"علاقات كاملة وطبيعية"وأن الحاجات الأمنية لكل طرف يجب التصدي لها كاملة في هذا الاتفاق. - يجب أن يتبع التسوية الإسرائيلية سلسلة من الإجراءات السياسية والاقتصادية. وكمقدمة يمكن لهذه المحادثات أن تنخرط فيها كل من الولاياتالمتحدة والمجتمع الدولي وكذلك دول الخليج التي يمكنها أن تبدأ وتشجع مثل هذا الاستئناف للمفاوضات. لتعزيز الثقة وللتقليل من سوء التصورات يجب تشجيع الأطراف على الانخراط في نقاشات مباشرة وغير رسمية، علاوة على الاجتماعات التي يمكن أن تكون بمثابة تكملة للمفاوضات"والمثال على ذلك: السماح بالمزيد من الإيضاحات والتعليقات بالنسبة لأسئلة مثل"ماذا لو". لبنان يجب أن يقود التقدم على المسار الإسرائيلي - السوري إلى الحركة قدماً على المسار الإسرائيلي - اللبناني، والاعتبار الذي تضعه الولاياتالمتحدة نصب أعينها يجب أن يكون على أساس محدود وألا يكون الاتفاق الإسرائيلي - السوري على حساب الاستقلال السياسي للبنان وسيادته وسلامة أراضيه. وبالانسحاب الإسرائيلي من جنوبلبنان عام 2000 تكون هناك قضية أساسية قد حسمت بين الدولتين، وباستثناء منطقة مزارع شبعا على الحدود لن يتبقى هناك أية قضايا أخرى ترتبط بالمفاوضات الإسرائيلية - اللبنانية، وتتركز هذه القضية في موضوع إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين. فلبنان يصرّ على أن هؤلاء يجب إعادة توطينهم في مكان آخر خشية أن يسبب وجودهم المستمر مشاكل سياسية داخلية أخرى وصراعاً وعدم استقرار في لبنان. فأحداث عام 2007 تعد شاهداً على ذلك عندما تسللت إلى داخل المخيمات جماعات تتبع تنظيم القاعدة كجماعة فتح الإسلام في مخيم نهر البارد في الشمال اللبناني. وفي مقال عنوانه"من إدارة الصراع إلى حل للصراع"كتبته في مجلة"الشؤون الخارجية"عام 2006 ، صرحت أن الحرب في لبنان في هذا الصيف قد سببت تحدياً أساسياً لسياسة الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط، إلا أنها أعطت للأميركيين الفرصة للتحرك من إدارة الصراع إلى حل للصراع. وكان يجب على الولاياتالمتحدة أن تنتهز هذه اللحظة لتحويل وقف إطلاق النار بين"حزب الله"والإسرائيليين إلى خطوة نحو حل لتسوية هذا الصراع. ولعل القيام بمثل هذا العمل يمكن أن يكون قد سهل تهميش القوى الأصولية الإسلامية وثبّت العلاقة بين إيران وسورية وعزز من فرص الأمن الإقليمي والتقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي. أثبتت مواجهات"حزب الله"مع إسرائيل ما كان يجب أن يكون واضحاً بدرجة تدعو إلى الألم أمام الجميع. فليس هناك حل عسكري للصراع العربي - الإسرائيلي، وحتى إسرائيل لا يمكنها أن تحقق الأمن وذلك من خلال تفوقها العسكري. فالأمن لا يمكن تحقيقه بالقوة فقط أو الانسحابات الأحادية من الأراضي المحتلة، كما لا يمكن لپ"حزب الله"وپ"حماس"وپ"الجهاد الإسلامي"تدمير إسرائيل، فالسلام يأتي فقط نتيجة الاتفاقات التي يمكن التفاوض في شأنها والتي تلتزم الأطراف المعنية بها. ربما يكون"حزب الله"أشعل الشرارة الأولى التي انطلقت على إثرها المواجهة، إلا أنها لم تكن السبب الأصيل. فالقتال جاء نتيجة عدم حل الصراع العربي - الإسرائيلي وتوابعه بين قوى الاعتدال وقوى التطرف داخل العالم الإسلامي، وهما قضيتان مرتبطتان باستغلال المتطرفين لهذا الصراع لتحقيق أهداف سياسية خاصة بهم. ويجب على سياسة الولاياتالمتحدة أن تركز على كليهما وذلك بهدف تعزيز تسوية سلمية لهذا الصراع ومساعدة المعتدلين الإسلاميين وذلك بالعمل على تسهيل الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي في عموم منطقة الشرق الأوسط. حرب إسرائيل وپ"حزب الله"- 2006 برزت الأزمة بين"حزب الله"وإسرائيل على الحدود الإسرائيلية - اللبنانية وسط بيئة يسودها التوتر. ففي 25 حزيران يونيو اختطفت"حماس"جندياً إسرائيلياً الأمر الذي أدّى إلى إشعال نار الحرب والمصادمات على الجبهة الإسرائيلية - الفلسطينية. وعندما اختطف حزب الله جنديين إسرائيليين في الثاني عشر من تموز يوليو كان هذا قد عجل من صدور رد فعل قوي في إسرائيل الأمر الذي لم يكن يتوقعه حسن نصر الله قائد الحزب باعترافه هو نفسه. واستمرت الحرب بين الجانبين ثلاثة وثلاثين يوماً، وقد أدّت إلى عدة غزوات داخل الأراضي اللبنانية وإطلاق ما يقارب 4000 صاروخ. وكان نتيجة هذا القتال دمار كبير وقتل الكثير من اللبنانيين 855 قتيلاً لبنانياً و 159 قتيلاً إسرائيلياً. هذا علاوة على نزوح الكثير من الناس على حدود كل من لبنان وإسرائيل. ولقد كانت خسارة لبنان كبيرة إذ قدر الدمار الذي لحق بالاقتصاد والبنية التحتية بأكثر من 3.9 بلايين دولار كما وصلت خسارة إسرائيل إلى بضعة ملايين من الدولارات. ... ويمكن لسورية أن تكون معرقلاً ومسهلاً في الوقت نفسه. فنظام الأسد يمكن أن يقضي على ترتيبات الأمن في جنوبلبنان كما يمكنه أن يعيق التقدم في العراق ويستمر في دعمه"حزب الله"وپ"الجهاد الإسلامي"والجماعات الأصولية الأخرى من أمثال"حماس"، إلا أن النظام السوري يمكنه أيضاً أن يلعب دوراً قوياً في المنطقة، وهذا احتمال وإمكان يمكن استكشافهما. والمشكلة الأساسية بالنسبة للجبهة الشمالية لإسرائيل هي"حزب الله"وعجز الحكومة اللبنانية على ممارسة سلطتها على عموم البلاد وبسط قبضتها على التراب اللبناني. وحيث إن سورية تسهل لپ"حزب الله"حصوله على الأسلحة والدعم المادي فإن أي حل دائم في جنوبلبنان يتطلب من سورية أن تنخرط في كل ما نقوم به من أعمال. وبالنظر إلى العلاقة التاريخية الخاصة بين كل من سورية ولبنان فإن دمشق لا تريد أن تشهد أي صفقة منفصلة بين بيروتوالقدس. وعليه، فإن مساري التفاوض لكل من سورية ولبنان يجب أن يستمرا منفصلين ولكن متوازيين. وإذا كانت سورية عاملاً ميسراً لحصول"حزب الله"على السلاح والمال، فإن إيران هي الراعي الأيديولوجي والسياسي والمالي الأساسي، وپ"حزب الله"لا يعدو أن يكون حزباً لبنانياً شيعياً نبت في لبنان وله جذوره"فهو حزب سياسي ويتبعه ميليشيات تحت إمرته. فنصر الله والحزب يبتان في القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية ويقومان على إدارة الحزب وشؤونه بأنفسهم، وذلك بما يشمل القرارات التكتيكية بالنسبة للعمليات العسكرية ضد إسرائيل. إلا أن مجموعة"حزب الله"تعترف بالسلطة الدينية والسياسية للزعيم الروحي آية الله علي خامنئي، وذلك في ما يتعلق بالعقائد والقضايا الاستراتيجية، وعليه فإن أي اتفاق دائم في جنوبلبنان لا بد من أن تنخرط إيران في إقراره. ... البحث عن سلام في السياق العام لأوجه الفشل والنجاح بحثاً عن سلام عربي - إسرائيلي وبالإمعان في تاريخ انخراط الولاياتالمتحدة في المفاوضات العربية الإسرائيلية، تحضرني"دروس مستفادة"، أذكر منها: 1- لا تتصرف بسرعة، وإنما تتصرف طبقاً لأسلوب يتسم بالتمعن والترابط في إطار سياسة استراتيجية وأفق سياسي. 2- ارجع إلى الإطار الأساسي لمبادئ مؤتمر مدريد للسلام والذي يقتضي أن تكون المفاوضات وجهاً لوجه بين كل من الإسرائيليين والفلسطينيين والسوريين واللبنانيين، وحاول أن تنشّط المسار المتعدد الأطراف. 3- تجنب إعطاء المواعيد النهائية وخاصة بالنسبة للأمور التي تغلب عليها المصلحة الذاتية والمنفعة السياسية. 4- لا يجب أن يغيب عن ناظرك الرأي العام وپ"الشارع"بالنسبة الى كل من العرب والإسرائيليين، وحاول أن تتواصل علناً مع هذه الأطراف وذلك لإعطائهم الشعور بأنك تسير في الاتجاه الصحيح. 5- حاول أن يكون جمهورك من الناخبين على علم بما تفكر فيه الإدارة وذلك في الوقت المناسب، للحصول على دعم الرأي العام الأميركي. 6- ركز على ما يمكن القيام به وتجنب الذهاب إلى بعيد عندما تجد أنه يصعب عليك تصنيف الفوارق في مواقف الفرقاء. 7- لا تعقد قمماً عندما ينقصك التحضير الكامل لها كما هي الحال في مؤتمر جنيف في آذار/ مارس 2000، وكامب ديفيد في صيف عام 2000. 8- حاول أن تفصل قنوات المناقشة والتفاوض واجعل هذه القنوات منفتحة ونشطة بالنسبة الى قضايا الوضع النهائي. 9- نظّم فريق التفاوض الأميركي بأسلوب يتمثّل بإشراف الكبار وبقيادة وزير الخارجية حيث يكون هناك تبادل للمعلومات والتنسيق داخل فريق الأمن القومي حتى يتمكن كل من الرئيس ووزير الخارجية التعامل مع كافة الأحداث. 10- تذكر أنه إذا لم يكن رئيس الولاياتالمتحدة ملتزماً سياسياً بالقول والفعل بالنسبة الى المفاوضات فلن تلعب الولاياتالمتحدة دورها كمحاور صالح"فالرؤية ليست سياسة. * تصدر الترجمة العربية للكتاب أوائل الشهر المقبل عن دار الكتاب العربي في بيروت. نشر في العدد: 16725 ت.م: 18-01-2009 ص: 31 ط: الرياض