رحالة كبير جاب الأصقاع العربية والإسلامية، حباً في السفر، وسياحة وللتأريخ لما يراه من معالم ومشاهد وآثار، وكان للحج النصيب الأوفى في كتاباته وتدوينه في القرن السابع عشر الميلادي الحادي عشر الهجري. إنه الإمام الرحالة أبو سالم العياشي 1627 - 1680م قرأ في بلاد المغرب كما يحكي عنه الجبرتي الفقه والأصول والحديث على"شيوخ منهم أخوه الأكبر عبد الكريم بن محمد، والعلامة أبو بكر بن يوسف السكتاني، وإمام المغرب السيد عبد القادر الفاسي، والعلامة أحمد ابن موسى، ورحل الى الشرق، فقرأ في مصر على النور الأجهوري والشهابي الخفاجي، وجاور في الحرمين سنين عدة، فأخذ عن زين العابدين الطبري، وعبد الله سعد بافشير، وأجازه، ورجع الى بلاده وأقام بها". وقام بثلاث رحلات الى المشرق للحج، صور فيها انطباعاته وآراءه عن هذه المشاعر العظيمة، وما صادفه هناك. ويعتبر مخطوط"الرحلة العياشية"من أجمل المخطوطات عن مكة والمدينة وحواضرها وبواديها وبيئاتها، وما يحيط بها من تضاريس، والاستفاضة في ذكر أقاليم شمال أفريقيا. وكانت رحلته الأولى المشرقية الحجازية عام 1059 ه - 1649م والثانية في عام 1064 ه - 1653م والثالثة في عام 1072 ه - 1661م. وسمى رحلته الثانية باسم"ماء الوائد"ونشرها خليل بن صالح الحسني عام 1898، ثم أعاد الدكتور محمد حجي نشرها في عام 1977 في مصر، كما تقول سميرة فهمي في كتابها"إمارة الحج في مصر العثمانية". وتشير المخطوطة إلى فطنة العياشي، ووصفه الدقيق لبلاد سجلماسة في الجزائر، وتونس ومدنها، وطرابلس وبرقة في ليبيا، ثم جاء الى قاهرة المعز، وغزة والقدس، حتى وصل بلاد الحجاز، ورأى مكةالمكرمة، والمدينة المنورة... وتحدث عن المشابهات بين سكان هذه البقاع في العادات والتقاليد والأعراف. وتؤكد المخطوطة أن العياشي عُني بتسجيل أخبار قافلة الحج المغربي، وقافلة الحج المصري، وتطرق الى الإشارة لتقابل المحمل المغربي مع غيره من محامل الحج الجزائرية والتونسية والطرابلسية والمصرية، وكيف كان هذا التقابل يعطي كل محمل الفرصة، للوقوف على معالم الحياة في المحامل الأخرى، والأخذ منها أو انتقادها أو الدخول في جدل حولها، بحسب كلام إبراهيم شحاتة حسين في كتابه"أطوار العلاقات المغربية العثمانية". ويوجد مخطوط"الرحلة العياشية"في مكتبة البلدية في الاسكندرية في مصر تحت رقم 3437ج في جزءين، وبخط مغربي جميل، وهناك نسخة منه في مكتبة استانبول برقم 2415 تاريخ. وتصف المخطوطة الاحتفال الشعبي بخروج المحمل المصري من القاهرة، ومحطاته في سيناء، وما وقع من أحداث للحجاج المصريين والمغاربة، ويقول العياشي عن شهود المحمل المصري ونقل كسوته:"وبعد هذا الإشهاد، تُنقل الكسوة الى قراميدان، حيث مصطبة المحمل، لتسلم لأمير الحج مع المحمل، وذلك في احتفال عظيم، وهو نفسه الاحتفال الذي يتم فيه تسليم المحمل". وعن أحوال الحجاج المغاربة عندما يمرون بالقاهرة يقول العياشي:"وكان عندما يحين وقت الرحيل في السابع والعشرين من شوال، ينزل الحجاج المغاربة في بركة الحاج، محل رحيل الحج المصري، وقد يرحل بعضهم مع الحجاج المصريين في اليوم المذكور نفسه". نشر في العدد: 16724 ت.م: 17-01-2009 ص: 27 ط: الرياض