كأن عيون الأطفال الأبرياء في غزة، الأحياء منهم والشهداء، تحدّثنا عن"جيش الدفاع"الذي لا يُقهر !، وعن"عقيدته"القتالية وعن"أخلاقياته"التي يتبجح بها بعض الناطقين باسمه الذين، للأسف، تُتاح لهم فرصة الإطلالة عبر فضائيات عربية ومخاطبة الرأي العام العربي بأكاذيبهم وادعاءاتهم المضللة التي لم تعد تنطلي حتى على الأطفال الذين يشاهدون أقرانهم في غزة يقتلون بدمٍ اسرائيلي بارد برودة المعدن المصفح الذي يختبئ فيه"جيش الدفاع"! حيال ما ترتكبه دولة الإرهاب المسماة اسرائيل في غزة، لم تعد اللغة قادرة على الوصف، فأي حبر مهما أوتي من عزم وبلاغة يستطيع أن يرد لطفلٍ بصره أو ثدي أمه المقطوع؟ فكم أتمنى لو تصير كلماتي رصاصات في جعبة مقاتل، وحبري حليباً في صدر أمّ، لكن اللغة وهي الآن أضعف الإيمان تستطيع البرهان أن الوحشية الاسرائيلية المتمادية لا تعبر سوى عن عجز"جيش الدفاع"الجبان وعن إجرامه ونذالته. فالطيارون الاسرائيليون مجرمو حرب بامتياز، والجنود المدرعون مرتزقة فعليون، يستحقون أن تعلق مشانقهم في الميادين والساحات، لو كانت في هذا العالم"المتمدن"ذرة مدنية أو عدالة. ولولا أولئك الذين يسيرون في الشوارع ويهتفون للحق وينددون بالباطل، لقلنا إنه كوكب الأدغال. أما قادة دولة الإرهاب إسرائيل، وحكّامها وزعماؤها الذين يخوضون معاركهم الانتخابية بالدم الفلسطيني، فأقلّ ما يستحقونه أن يُساقوا الى المحاكم بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، لكن على مَن نقرأ المزامير؟ أي جيش هذا الذي يخاف من أغاني الأطفال والكتب المدرسية؟ أي جيش يستقوي على الرُضّع، ويقصف حليب الأطفال؟ أي جيش لا نقرأ في كتابه سوى كلمة واحدة: أقتل، أقتل، أقتل... وهكذا يفعل، يقتل الزرع والضرع، يقتل البشر والشجر والحجر، يبقر بطن الأرض، يعتقل الينابيع ويصادر الأنهار، ويحاول اغتيال الشمس والمطر. جيش من عتاد وأصفاد وأحقاد كلما رأى عطراً أو فجراً همَّ باعتقاله يكره الزيتون والليمون والأحلام المثمرة يمقت المآذن والحقول والمناديل البيض يقصف حداء الأمهات وصياح الديكة. جيش مصفح يرتجف مذعوراً من جرس الصف، ومن جرس الكنيسة، ومن أذان الفجر وزقزقة العصافير... يعجز أمام المقاومين فيستقوي على النساء والأطفال، يقصف، يقتل، يحرق، يدمر، ويغيب عنه، أو عن بال الذين يأمرونه بالقتل لا بالقتال، لأن للقتال قواعد أخلاقية لا يعرفها"جيش الدفاع" أنهم يستطيعون بقر بطون الحوامل واقتلاع عيون الأطفال وجعل المدارس مقابر، لكنهم لم ولن يستطيعوا قتل الحلم الفلسطيني بالحرية والاستقلال، ولا مصادرة الحق الفلسطيني بالوطن والدولة، ومهما طال الزمن لن يستطيع حق القوة أن يهزم قوة الحق. ولأن"جيش الدفاع"يجيد القتل لا القتال فإنه منهزم في نهاية المطاف، ولن يكون مآله سوى الخزي والفشل، أشبه بقافلة جرذان معدنية تسرع الى مزبلة التاريخ... ومَن يعش يرَ...!