مشروع رئيس الجمهورية نيكولا ساركوزي، القاضي بإلغاء وظيفة قاضي التحقيق العدلي من الهيكلية القضائية الجديدة انتهاك خطير لدولة الحق الفرنسية، ولتوازن هيئاتنا ومؤسساتنا. فقاضي التحقيق يضمن للمواطن نظراً في الدعوى على وجهين: وجه الادعاء ووجه الدفاع. وكيف للمواطن أن يوقن بأن نيابة عامة تأتمر بأوامر السلطة، تحل محل قاضي التحقيق، في وسعها تولي التحقيق على نحو أفضل من قاضي التحقيق؟ والحق أن ما تُعد العدة له هو كسر شوكة القضاء وتجريده من قوته، وذلك بينما تتحمل أطراف اقتصادية كبيرة، جراء أخطاء تدبير ارتكبتها، مسؤولية ثقيلة في الأزمة الاقتصادية. وقول رئيس الجمهورية أن الصيغة هذه نافذة في 2009 يثير السخط والإدانة. وهو قرينة على إرادة همايونية وأوتوقراطية. أتراه يفكر في العودة الى سن القوانين بمراسيم؟ فلعل الرئيس غافل عن أن أصول المحاكمات الجزائية لا تعدّل إلا بعد مداولة برلمانية. وإغفال الأمر ناجم عن ازدراء هيئاتنا ومؤسساتنا. فلا شك، بعد هذا، في أن الرئيس يريد إخراج الجنح المالية من المقاضاة الجزائية. ومشروعه الفعلي هو إلغاء السلطات المضادة التي توازن السلطة وتقيدها، وينص عليها التشريع الفرنسي. وقضاة التحقيق يحققون في 5 في المئة من القضايا. والقضايا التي يحققون فيها هي الملفات المعقدة، ولا تتضمن الجرائم العادية. فلماذا الظن أن حماية الحريات الشخصية والفردية، إذا تولتها النيابة العامة والشرطة هي بين أيدٍ أمينة، وإذا تولاها قاضي التحقيق المستقل، وهذا يمكن الطعن في رأيه، هي بين أيدٍ غير أمينة؟ والقاضي هو شخص محدد يعين بقرار، بعد إبداء مجلس القضاء الأعلى رأيه، ويضطلع بالتحقيق. وهذا على خلاف الشرطة والنيابات العامة التي يجوز نقلها من منصب الى منصب، ومداولة القضايا بينها، ولا تتمتع بالدوام، ولو كان الغرض هو ضمان الحريات الفردية على وجه أفضل لوجب أولاً منع الشرطة أو النيابة من توقيف مواطنينا على سبيل الاحتياط بتهمة الإهانة. ولوجب كذلك فحص أحوال الإحالة الفورية على القضاء. والقضاء، في الأحوال هذه، ينظر في سرقة حنجوري شومبوان سائل لغسل الشعر سبق ردهما... واللجنة التي ناقشت الإصلاح القضائي، بعد قضية أثارت الأحكام فيها ضجة كبيرة، قضية ضاحية أوترو التي نظرت في اعتداءات على أولاد لم توص بإلغاء قاضي التحقيق، على رغم ان نظاماً عدلياً كاملاً انحرف عن سويته في القضية هذه. وينبغي ربما التفكير في الدعوى على شركة"إلف"النفطية. فحين كنتُ أتأهب لإحالة رئيس الشركة السابق الى التحقيق، عيّنه الرئيس جاك شيراك على رأس الشركة الوطنية لسكة الحديد! فما الظن إذا تولت النيابة العامة التحقيق؟ أو إذا تناولت التحقيقات غداً مقربين من الرئيس. إيفا جولي مستشارة الحكومة النروجية وقاضية تحقيق سابقة،"ليبراسيون"الفرنسية، 8/1/2009 نشر في العدد: 16721 ت.م: 14-01-2009 ص: 25 ط: الرياض