"وأنتم، أيها الخلاّقون في كل مكانٍ، قفوا واصرخوا: كلاّ، لن تذوّبنا الآلة الأميركية مَرَقاً في مطابخ القصر، ولن نترك للزمن أن يكون في قبضة رَمْلٍ أعمى". بهذه العبارة الرافضة للمذبحة الجارية في غزة، ختم الشاعر العربي الكبير أدونيس تحيته الشاعرية الى غزة وأهلها. الذين يعرفون الشاعر علي أحمد سعيد أسبر ادونيس، لم يستغربوا موقفه الاخلاقي الذي عبّر عنه في مقاله المنشور في"الحياة"الخميس الماضي. فأدونيس يعتقد"باستحالة السلام بين هوية منفتحة حضارية تعترف بالآخر، وبين هوية اسرائيلية مغلقة تريد من الجميع أن يكونوا تابعين أو خاضعين لها بشكل أو بآخر". وهو عبّر عن هذا الرأي امام مؤتمر ل"يونيسكو"قبل سنوات، فضلاً عن انه استبعد ان يكون لإسرائيل ثقافة اصلاً. موقف أدونيس من الحرب على غزة كان شجاعا ومتوقعاً، مثلما هو أدونيس على الدوام. فهو في موقفه المشعّ أصالة ونخوة، انتصر عل الاسلاميين الذين وصفوه بالتهديم والانكسار، والتعامل مع التراث بانتقائية، وتوظيفه أيديولوجياً لمصلحة معتقداته وما ينادي به، واتهموه بتجيير الثقافة العربية لمصلحة الأطماع الغربية، بسبب رفضه ربط الدين بالسياسة، والذي يرى انه"يحيل الصراع من زيادة المعرفة الى تنامي الهيمنة وتفتيت المجتمع". فكفرّوه وخوّنونه، وجرّدوه من الاخلاق والقيم. وانتصر على المثقفين العرب الجدد الذين تعاطوا مع الحداثة بشكلية وسطحية، وفهموا الليبرالية بسذاجة المقلد وروح العبد، معتقدين ان الليبرالية هي التصرف بمنطق المهزوم. لكن موقف ادونيس هو الانتصار للحرية ومجابهة العدم والخطر. والوقوف ضد الوحشية. ولهذا رفض"مهيار الدمشقي"الاستسلام والهزيمة والخور، وقال بوضوح في مقاله:"يحتاج العربي الى قوة، كما نقول: القوة الأوروبية، أو القوة الأميركية، أو القوة الصينية، أو القوة اليابانية، أو حتى القوة الإسرائيلية". الأكيد أن رفض أدونيس أن يكون العالم العربي"ضاحية فقيرة في المدينة الكونية"رسالة لها بالغ الأثر في وسط ثقافي عربي استمرأ الخور، وزايد على السياسيين الذين اعفوا انفسهم من المسؤولية بالارتهان. تحيّة لأدونيس على شجاعته أمام سطوة المثقفين المهزومين، وطغيان وجبروت دعاة التزييف والهزيمة. تحية للشاعر الذي تبرّأ من همجية المثقفين العرب الجدد. تحية للشاعر الذي انقذ سمعة الشعر والشعراء. تحية لشاعرنا الكبير أدونيس. نشر في العدد: 16717 ت.م: 10-01-2009 ص: 3 ط: الرياض