الأرجح أن الظهور المتسارع لأنواع من المجلات العلمية العربية بات ظاهرة لافتة خلال السنوات القليلة الماضية. بعد سنوات طويلة، لم يكن عدد هذه المجلات ليتجاوز أصابع اليد، ما قد يؤشر إلى وعي عربي بأهمية العلوم التطبيقية والتكنولوجية بالنسبة الى مستقبل المنطقة. الأرجح أن مجلة"العلم"المصرية التي تصدر منذ سبعينات القرن العشرين عن أكاديمية البحث العلمي، أقدم المجلات العلمية العربية. وإضافة إلى استمراريتها، تتميز برخص ثمنها واستكتابها لعدد من العلماء المصريين في مجالات متنوّعة. وتميل لمتابعة الجديد في المجالات العلمية. يرأس تحرير المجلة راهناً عبد المنعم السلموني. وهي تفتقد للإمكانات، فضلاً عن ضآلة ما تعطية من مكافآت لكتابها. وتتطرق أحياناً إلى موضوعات حدثية، مثل متابعة وباء انفلونزا الطيور الذي خصصت له ملفاً مطوّلاً، بعد أن أثار انتباه الرأي العام بسبب وفاة عدد من المصريين جراء هذا المرض. وتعرّض الملف لمُسبّبات المرض، وشرح تركيب فيروس انفلونزا الطيور، وعرض الإجراءات الوقائية، وبيّن مخاطر انتقال المرض الى الإنسان وغيرها. وإضافة إلى الجهود البحثية، نجحت المجلة في التفاعل مع قرائها بصور مختلفة سواء عبر البريد أو من طريق نشر مقالات لهم. أما ثاني المجلات العربية العلمية قِدماً، فهي الترجمة العربية لپ"مجلة العلوم الأميركية""أميركان ساينتفك"، التي تقدمها منذ ما يزيد على العشرين سنة"مؤسسة الكويت للتقدم العلمي". تترجم المجلة موضوعاتها بطريقة جيدة، بل نَحَتت مصطلحات علمية تستحق أن تلتفت اليها المجامع اللغوية العربية. وتُشكل المجلة في ترجمتها العربية حلقة وصل بين الجمهور ومستجدّات العلوم المختلفة. كما تلفت المجلة الانتباه إلى بعض الاختراقات العلمية المعاصرة مثل البحث عن الكود الشيفرة العصبية للبشر، والتقدم في صناعة الإنسان الآلي الذكي، والبحوث عن الطاقة الشمسية، والابتكارات في تقنيات تحلية المياه، والتطور في أجيال المفاعلات النووية وغيرها. ولم تكتف"مؤسسة الكويت للتقدم العلمي"بذلك، فأصدرت مجلة"التقدم العلمي". وهي تصدر بصورة فصلية راهناً، ولكنها ستصدر قريباً شهرياً. بدأت"التقدم العلمي"كمجلة للتعريف بنشاطات"مؤسسة الكويت"، ثم اتجهت نحو تغطية القضايا العلمية مثل صناعة البتروكيماويات وقضايا المياه والطاقة وغيرها. وكذلك يُشكّل التراث العلمي العربي محوراً أساسياً في اهتماماتها. وعلى رغم أن المجلة توزّع مجاناً على المهتمين بالشؤون العلمية، إلا أنها تُعتبر من أنجح المجلات العلمية. ولربما احتلت مكانة جيدة لو طرحت للبيع في شكل موسع. ملحق لمجلة راسخة إن نظرة متأملة إلى مجلة"العربي"الكويتية منذ عددها الأول تفصح عن اهتمام خاص تبديه بنشر الثقافة العلمية المعاصرة. ومع صدور الملحق العلمي للمجلة مستقلاً عنها ومبشراً بصدور مجلة"العربي العلمية"التي يخطط لها الدكتور سليمان العسكري رئيس تحرير"العربي"، تكون المجلة قد أحدثت تطوراً مذهلاً. ويتميّز ملحق"العربي"العلمي، على رغم صغره، بعمق موضوعاته وجودة إخراجه واهتمامه الشديد بالصور والجداول والبيانات الإحصائية، فضلاً عن استقطابه شرائح جديدة من العاملين في مجال العلوم والتكنولوجيا. وتطوف مقالاته بين أروقة علمية تتضمن اكتشاف مصدر الأشعة الكونية، والأفكار الذكية لمنازل المستقبل، وقرنية اصطناعية لاستعادة البصر، وسيارات الهيدروجين، وجماليات التصوير العلمي. وحذت"مؤسسة الملك فيصل"في الرياض حذو"العربي"، حين أصدرت مجلة"الفيصل"الثقافية. ولعلها سبقت"العربي"بخطوة حين أصدرت"الفيصل العلمية"كمجلة متخصصة في العلوم المعاصرة وتبسيطها. وتثير هذه المجلة مواضيعها بطريقة مميّزة. فمثلاً، تعرض للتقديرات الطبية التي تشير إلى أن 15 في المئة من إجمالي سكان العالم يعانون مرض ضغط الدم المرتفع. وتنطلق من تلك النقطة لتطرح أسئلة مثل: ما هو ضغط الدم؟ ولماذا يرتفع؟ وما عواقب ضغط الدم المرتفع؟ وهل يمكن الوقاية من هذه المشكلة الطبية الشائعة؟ وتستصرح اختصاصيين للحصول على إجابات موسّعة تظهر كسلسلة شيّقة مصحوبة بصور تشرح الموضوع. ونرى المجلة في عدد آخر تُنبّه إلى خطورة النفايات الإلكترونية والورق الإلكتروني وغيرها.