في مطلع حزيران يونيو من العام 1945 صدر العدد الاول من مجلة علم النفس، والميزة الاولى لهذه المجلة هي انها أولى المجلات النفسية في تاريخ المكتبة العربية. وتصدر العدد صورة للملك فاروق وتحتها التعليق الآتي: حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق الاول - راعي العلم - والامين على التراث الثقافي في مصر الحديثة. تليها صفحة وصورة لرسالة بخط يد الاميرة شيوه كار التي تشمل بعنايتها جماعة علم النفس التكاملي الناشرة للمجلة. وفي الرسالة ثناء على الجهود المبذولة في المجلة وعلى غايتها النبيلة... يلي ذلك كلمة لحضرة صاحب السعادة احمد لطفي السيد باشا - رئيس مجمع فؤاد الاول للغة العربية. وهي عبارة عن ثناء لا يتعدى الأسطر الثمانية. تليها كلمة صاحب المعالي الدكتور علي ابراهيم باشا - مدير جامعة فؤاد الاول. وفيها يتمنّى التعاون بين الاطباء وبين علماء النفس بما يوضح اطلاعه على الصراع القائم بينهما. وهو صراع يوضحه تقاسم رئاسة التحرير بين يوسف مراد عالم النفس وبين مصطفى زيور الطبيب والمحلل النفسي. وتعقب هذه الكلمة كلمة اخرى لمدير جامعة فاروق الاول. صاحب السعادة الدكتور منصور باشا فهمي. ويوجهها الى رئيسي تحرير المجلة. تلتها كلمة حضرة صاحب السعادة الدكتور سليمان عزمي باشا - عميد كلية الطب في جامعة فؤاد الاول. ثم كلمة حضرة الدكتور عبدالوهاب عزام - عميد كلية الآداب في جامعة فؤاد الاول. بعد هذا الكم من التصديرات والكلمات تأتي افتتاحية المجلة تصديرها بقلم رئيسي التحرير معاً يوسف مراد ومصطفى زيور. ويحدد هذا التصدير اهداف المطبوعة على النحو الآتي: أ- المساهمة في تقدم علم النفس ونشر البحوث المبتكرة التي تستمد مادتها من البيئة المصرية والشرقية. ب - تلبية حاجة الجمهور المثقف للاطلاع على البحوث السيكولوجية. بعد تعاظم الاقبال عليها. ج - توفير المعرفة العلمية الجادة لمواجهة الشعوذة والعلاجات التي تعتمدها. د - نظراً للارتباط الوثيق بين النفس والجسم فإن المجلة تسعى لأن تكون حلقة اتصال بين العلوم الطبية وبين السيكولوجية والاجتماعية. ومن الكتّاب المشاركين في هذا العدد: 1 - مصطفى زيور: الطبيب والمحلل والفيلسوف الذي اسس لاحقاً 1952 اول كلية لعلم النفس في الوطن العربي. وأطلق عليه لقب استاذ اساتذة العلوم النفسية العرب. 2 - أمين الخولي: الذي شارك بمقالة علم النفس الادبي فكان مؤسس النقد النفسي للأدب في الوطن العربي. 3 - اسحق رمزي: الذي لن يلبث ان يتحوّل الى التحليل النفسي ثم يهاجر الى الولاياتالمتحدة ليكتسب سمعة علمية مرموقة هناك. 4 - جون ويزدم: ترجم له العدد مقالة بعنوان: قانون الاخطاء عند التحليليين. 5 - عبدالقادر حلمي: الذي اكتسب شهرة عريضة كطبيب عصبي - نفسي. وكان في حينه عاملاً في مستشفى الامراض العقلية في العباسية. 6 - صبري جرجس: وكان في حينه طبيباً في مستشفى الامراض العقلية في العباسية. واكتسب لاحقاً شهرة مرموقة في مجال تخصصه. وهو يعرض في العدد لكتاب كارين هورني المعنون ب "التحليل الذاتي" الذي أثار في حينه جدلاً كبيراً في أوساط المحللين الذين اعتبروه خروجاً على الفرويدية. 7 - عروض الكتب ويتضمن العدد عروضاً لكتب المؤلفين مثل عزيز فريد عن "علم النفس العملي" لم نسمع بأخباره. وأحمد عزت راجح عن "مشاكل الشباب النفسية" لا تزال كتبه تدرس في عدة جامعات عربية. ويعتبر احد أهم علماء النفس العرب. وابو مدين الشافعي تحوّل لاحقاً الى التحليل النفسي ثم قتل في عمر مبكر. وعبدالرحمن البدوي عن "الزمان الوجودي" غني عن التعريف ويعتبر أحد رواد الفكر الفلسفي في الوطن العربي، وكتابه المعروض في هذا العدد لا يزال أغنى المراجع واهمها. 8 - مجموعة عروض تناولت اخبار الاختصاص فقدمت تعريفات للجراحة النفسية وتأنيب التلميذ وثبات اختبار الذكاء والسلوك الشاذ لدى الفئران وهي عروض مرجحة. 9 - تعريفات: قدم ترجمات بعناوين: أ - لمحة عن تاريخ علم النفس، وب - موضوع علم النفس، وج - علم النفس التجريبي. 10 - يوسف مراد: من عمالقة الاختصاص ورواده الاوائل استمر في جماعة علم النفس التكاملي وأسس للتيار التكاملي. وأصدر سلسلة من الكتب تعتبر نواة المكتبة النفسية العربية. 11- القسم الانكليزي: وتضمن مقالتين هما النص الانكليزي لمقالتي ونزدوم وعبدالقادر حلمير. وتعتبر محتويات هذا العدد معاصرة لغاية اليوم وصالحة لإعادة النشر في اية مطبوعة نفسية تصدر في هذه الايام نظراً لمستواها العلمي، ذلك ان التطور اللاحق بالفرع تركز على ميدان الادوية، في حين بقيت النظريات الدينامية والمعالجات النفسية غير الدوائية من دون اضافات جذرية عليها. اما على صعيد تقنية الصحافة العلمية فإننا نجد ان هذا العدد الصادر عام 1945 لا يزال يعبر بأمانة عن الصعوبات التي تواجه المجلة العلمية العربية. ويلاحظ ان اصدار تلك المجلة اقتضى رعاية الاميرة شيوه كار المادية والمعنوية، الى مساهمة مدير الجامعة وعميد الكلية وغيرهم من الشخصيات ذات الاثر الجامعي، وتمّ تصدير العدد بكلمات لهؤلاء وهي أمور مستنكرة في مجلة علمية. واذا ما راجعنا مجلاتنا العلمية المعاصرة فإننا لا نجدها اكثر ارتباطاً بالاختصاصيين ولا هي اكثر بعداً عن الحاجة للدعم الرسمي. وفي معنى آخر فإننا لا نزال عاجزين عن انتاج مطبوعة علمية مستقلة ومستغنية عن الدعم الرسمي. ويشار الى ان هذه المجلة توقفت عن الصدور في العام 1952 ثم عاودت الهيئة المصرية العامة للكتاب اصدارها ولا تزال تتعهد هذا الاصدار بصورة فصلية منتظمة. * الامين العام للاتحاد العربي لعلم النفس.