هذا الصيف في لندن كان شاب عربي يسوق سيارته متوجهاً الى متجر هارودز، ودخل من دون انتباه عكس السير شارعاً باتجاه واحد، وقال في نفسه: يبدو أنني تأخرت لأن الجميع راجعون. كانت هناك سيارات كثيرة تحمل أرقاماً عربية في لندن هذا الصيف، وسرت على قدميّ والى جانبي شاب عربي في سيارة"سبور"فخمة، وأنا أسرع منه في شارع يعرفه كل العرب، هو"سلون ستريت"، بسبب زحمة المرور. كان صوت السيارة يصم الآذان، فمن صفات هذه السيارات الرياضية ان تطلق صوتاً كالرعد يوقظ الموتى، مع انني سأصر لو دفعت نصف مليون دولار ثمناً لسيارة على ألا أسمع شيئاً فيها غير دقات الساعة، فهذه كانت دعاية مشهورة قديمة لسيارات رولز رويس. بما أن السيارات العربية كلها فخمة، فالمنافسة كانت في الأرقام، ورأيت 111 و7777 و77677 و999 و997. وكانت هناك سيارتان عليهما علم بلد خليجي، ولكن من دون أرقام. يقولون إن السيارة تعكس شخصية سائقها، وهو قول لا أفهم كيف يطبق على من لا يملك سيارة أصلاً. السيارات العربية في لندن يعادل ثمن الواحدة منها ما قد يدفع إنسان عادي في شقة من غرفتي نوم وصالون، أما السيارات الأخرى فقد يكون ثمن البنزين مع ارتفاع سعره في خزان السيارة أغلى منها، لذلك اقترح الميكانيكي على مالك سيارة من هذا النوع أن يحتفظ بالزيت ويرمي السيارة. وعلى الأقل فصاحب هذه السيارة لا يحتاج الى"ستيريو"إذا جلست زوجته بجانبه، وحماته في المقعد الخلفي. السيارات آخر همّي، وقد رأيت في لندن عدداً هائلاً من السياح العرب، واختار الشباب منهم مقهى على رصيف متجر هارودز، فهم سافروا خمسة آلاف كيلومتر ليجتمعوا كما لا يستطيعون في بلادهم، وليس لزيارة المتحف البريطاني مثلاً. أستطيع أن أقول بثقة، وهناك في لندن سياح من كل بلد، إن بنات العرب أجمل، أو بين الأجمل، وترافق الخليجيات منهن رائحة عطر خاص. ومع انني ضد الحجاب، فقد كنت أسرّ كثيراً برؤية الزائرات العربيات المحجبات. والعبارة الأخيرة ليست من نوع"الكلفسة"، أو ما اشتهر به أخونا الدكتور كلوفيس مقصود، فالأساس حرية الاختيار، ولو تحجبت نساء الأرض كلهن، باختيارهن ومن دون إكراه، لأيّدتهن. ثم ان الحجاب في بلد غربي دليل على ثقة صاحبته بنفسها واستعدادها للدفاع عن مبادئها. السياحة العربية في مدن مثل لندنوباريس، أو في جنوبفرنسا وجزر المتوسط تعكس الثروة التليدة والطارفة مع ارتفاع أسعار النفط. إلا أن العرب ليسوا الأثرياء الوحيدين، والروس كانوا في كل مكان، أيضاً بسبب دخلهم النفطي قبل أي دخل آخر، واليابانيون احتلوا باريس في الصيف، كعادتهم كل صيف، فيما ترك الفرنسيون عاصمتهم، فهم أيضاً يصرّون على إجازتهم في موعدها، وهو عادة أول أسبوعين من آب أغسطس. وأمضيت في باريس يوماً واحداً ووجدت العرب يحافظون على مواقعهم في فندقين فخمين والشارع بينهما، وأيضاً الشانزليزيه. ومع انني أتحدث عن الصيف، فالواقع أن أفضل وقت ليزور إنسان باريس هو بين 18 و28 سنة، أما نحن الكبار والراشدين فمجرد أرقام. العرب في عمري يتذكرون أن تهم الثراء الحالية ترددت أيضاً في أوائل الثمانينات بعد ارتفاع أسعار النفط في مطلع العقد. وأسمع هذه الأيام نكاتاً عن الإنفاق العربي سمعتها قبل ثلاثة عقود أو نحوها، ولا جديد تحت الشمس. بل ربما كانت هذه الطرف رويت بعد الحرب العالمية الثانية عن الأميركيين الذين حط بهم الدهر، وإدارة جورج بوش هذه الأيام، فسقوط الدولار رفع نفقات السياحة الخارجية كثيراً على المواطن الأميركي، وأصبح الأوروبي والياباني يقصدان الولاياتالمتحدة للتسوق في بلد رخيص. هل نرى يوماً مشروع مارشال أوروبياً أو عربياً لإنهاض أميركا من عثارها؟ طبعاً الفلوس ليست كل شيء، فهناك بطاقات الكريدت، أميركان إكسبرس وفيزا وغيرها... الفلوس تُفسد، وأخشى شخصياً على الشباب من المخدرات قبل أي شيء آخر. غير أن هناك ما يطمئن، فقبل يوم أو يومين من بدء الصوم اختفى العرب من متاجر لندنوباريس، ومن شوارعهما ومقاهيهما، فقد عادوا الى بلادهم، لأن هناك أشياء لا تزال أهم وأكثر لصوقاً بالقلب من كل مغريات الغرب. وبدأت بالسيارات وأختتم بها، فالعربي الذي سار عكس السير في لندن أوقفه شرطي ولفت نظره الى وجود لافتة"ممنوع الدخول"عند رأس الشارع، وقال العربي إنه لا يصدق كل ما يقرأ. أما العربي الآخر فقال إنه حل مشكلة قيادة زوجته السيارة، فهي حذرة متأنيّة بعد أن بلغها أن الجرائد ستنشر سنّها إذا عملت حادث سير.