في نهاية الأسبوع الماضي ركبت طائرة الى فرنسا لقضاء يومين أعود في نهايتهما بعائلتي الى لندن، وليس معي ما أحمل سوى الجرائد الإنكليزية ليومي السبت والأحد، وكانت ملأى بأخبار مقتل ثلاثة جنود بريطانيين أصابهم ما يسمى"نيران صديقة"، فقد أسقطت مقاتلة أميركية قنبلة وزنها 500 رطل انكليزي عليهم، فيما كانت تستهدف مقاتلي طالبان في أفغانستان. "النيران الصديقة"قتلت في غزو العراق أكثر مما قتلت قوات صدام حسين من جنود التحالف، ولا تزال تقتل، ولا أدري سر تسميتها"صديقة"، فما هكذا يفعل الأصدقاء، واذا كانت هذه نيران صديقة، فكيف تفعل النيران العدوة. العبارة"نيران صديقة"ذكّرتني بوصف آخر أجده في غير موضعه هو"قنابل ذكية"، وهي من نوع يوجه بالليزر، ويصيب هدفه بدقة متناهية. لو قيل قنبلة دقيقة أو موجهة لما اعترضت، غير أنني لا أعتبر قنبلة تفجر نفسها ذكية. أعد القارئ بأن أبتعد عن السياسة اليوم، فالموضوع هو الصيف، وصحيح أنني أقرأ الصحف كلها من عربية وإنكليزية اللغة، وما يترجم الى الإنكليزية عن العبرية وغيرها، إلا أنني أيضاً أرتدي المايوه في الصيف... ثم أجلس أمام التلفزيون لمتابعة الأخبار. بصراحة، لا أفهم سر السفر الى بلاد بعيدة وتضييع إجازة الصيف فيها، فالبلاد الأجنبية مصممة لخدمة المواطنين فيها، وليس لخدمة سائح عربي وتلبية رغباته، وشعار كل بلد نزوره: اذا كان ما عندنا لا يعجبك عدْ الى بلادك. أحياناً أجمل ما في رحلة الإجازة هو الفيلم المعروض في الطائرة. وأكبر خيبة أمل ان هناك عمال انقاذ عند شاطئ البحر، ولكن لا عاملات انقاذ، كما كنت أرى في مسلسل"باي واتش"، وكنَّ على مستوى من الجمال والصحة ان الواحد منا يتمنى أن يغرق لينقذنه. مع ذلك لا أشكو، فأنا أقيم في لندن، وهي أغلى من كل بلد آخر أعرفه، وأغلى من جنوبفرنسا في الصيف. وأعترف بأنني في انكلترا أو فرنسا لم أعرف يوماً مشكلة فلوس، وانما كانت مشكلتي ومشكلة كل الناس دائماً عدم وجود فلوس. وتظل مشكلتي أهون من مشاكل الأمة، فلها حل، لذلك أبتعد عن المشاكل الأخرى، وأبقى مع الصيف، فهو بحر وشمس، وقد كتبت في بدايته، وأكتب اليوم مودعاً صيفاً آخر. ولاحظت ان بعض النساء مثل الشمس تقريباً، فمن ناحية تحب أن تبقى بعيدة عنك، ومن ناحية أخرى تعرف انها تفتقر الى دفء الشمس، بعيدة كانت أو قريبة، لذلك قلت"تقريباً". أما البحر فحدث ولا حرج، وكنا نعتقد ان العربي هو ما بدأ في الستينات والسبعينات، حتى وصلنا الى ما نرى اليوم. وكان الشاعر الشعبي عمر الزعني قال قبل نصف قرن أو نحوه: يا معروف تعا وشوف/ كل شي صار عالمكشوف. إلا أن ما رأى الزعني كان حشمة وستراً بالمقارنة. وأذكر أن الشاعر القروي قال في تلك الأيام: لفوق الركبتين تشمرينا/ بربّك أي نهر تقطعينا. وهن الآن يشمّرن لقطع الطريق، فكيف عندما ينزلن الى الشاطئ للسباحة. قالت له انه يذكرها بالبحر، وسألها: تقصدين انني مثله عميق وغامض وخطر؟ وردت: لا، كلما أراك أشعر بغثيان. ولعله من نوع رجل سمعت انه كلما مرّ قرب امرأة يجدها تتنهد... تتنهد الصعداء طبعاً لأنه لم يقف أمامها. وجدت العرب غالبية من ضيوف مدينة كان في الصيف مع وجود واضح في موناكو، وعدت الى لندن لأجد ان العرب استعمروها انتقاماً من أيام الاستعمار البريطاني، أو هم على الأقل احتلوا المنطقة التي أقيم فيها من لندن، أي كنزنغتون وتشيلسي، ووجدتهم أكثر زبائن متجر هارودز المشهور، ويتقدمون كثيراً على الأميركيين واليابانيين، والعربية عادة حسناء شابة، وزوجها أكبر وأسمن وأصلع، أي انها"أخذته على فلوسه". أرجح أن كثيرين من الزوار العرب في أوروبا كانوا يفضلون قضاء اجازة الصيف في لبنان، غير ان اللبنانيين ضيعوا صيفاً آخر، وأخشى أن يضيعوا سنوات معه، فهم أذكياء كأفراد وأغبياء بحق أنفسهم كمجموع. وأتجاوز السياسة مرة أخرى لأقول ان مستوى الجمال العربي في لندن، وأكثره خليجي، كان مرتفعاً جداً، والبنات في منتهى الأناقة، وكأن الآنسة منهن خارجة من صفحات مجلة"فوغ"، وعيون المها بين هارودز وهارفي نيكولز، لا الرصافة والجسر، جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري. المصريون يقولون"لبّس البومة بتصير عروسة"غير انني لم أجد أمامي"بوماً"وانما مزيجاً من الجمال و"آخر شياكة"، والخليجيات مؤهلات لمنافسة الشاميات حسناً. اعتقد بأننا نستحق حياة أفضل في بلادنا، بدل ان نطلبها في بلاد الآخرين، ولكن أتجاوز السياسة مرة أخيرة لأقول ان العرب كانوا موضع ترحيب حيث رأيتهم في فرنسا وانكلترا، ولم أشاهد شخصياً أي مظهر لعنصرية أو سوء أدب في التعامل معهم. وهكذا أترك القارئ مع ملاحظة من مشاهدات الصيف، فعند المعاكسة لا تطارد البنت الصبي، وانما تعمل كمصيدة الفئران، وتجلس حتى يأتي ساعياً اليها بقدميه ويقع في الفخ.