في النروج يُشار إليها بصفتها زوجة بول أوستر. أما في أميركا فهي"مؤلفة الروايات الأكثر مبيعاً". إنها سيري هوستفيدت التي ولدت في ولاية مينيسوتا لعائلة من أصول نروجية. حين انتقلت إلى نيويورك عام 1978 كانت فقيرة للغاية. مارست أعمالاً صغيرة كثيرة إلى جانب دراستها. كان هذا صعباً جداً. لم تكن تأكل سوى كبد الدجاج لأنه كان"أرخص شيء يمكن أن تشتريه لتشبع". الآن لا تستطيع أن تأكل كبد الدجاج من كثرة ما أكلته في ذلك الوقت. لا يمكن المرء أن ينسى الفقر، تقول سيري. الفقر يجعل المرء لطيفاً مع الآخرين وخصوصاً مع من يعملون في المطاعم. يعرف الناس المشاعر التي تنتابهم وهم يخدمون الناس والعذاب الذي يعانون منه. يمكن المرء أن يتحكم بأعماله ولكنه لا يستطيع أن يتحكم بمشاعره. 23 شباط فبراير 1981 هو تاريخ مهم في حياة سيري هوستفيدت. كانت تجلس في البوابة الرقم 92 في مطار نيويورك. لمحت رجلاً ووقعت في حبه خلال ثلاثين ثانية كما تقول. تعرفت إليه. إنه الكاتب بول أوستر. كان الشعور متبادلاً. تزوجا. كاتبان يعيشان تحت سقف واحد. يقرأ كل واحد منهما مخطوطة الآخر. وفي حين يعطيها بول ما يكتبه كل يوم، فإن سيري لا تناوله النص إلا بعد أن تكون فرغت منه بالكامل. ليست ثمة فسحة للملل في حياتهما. الكتابة والقراءة تشغلان كل وقتهما. بالنسبة اليهما، فإن اللحظة الوحيدة المملة هي تلك التي يضطر فيها المرء إلى الوقوف بانتظار إقلاع الطائرة."آنذاك لا يمكنك أن تقرأ". تمارس سيري الكتابة في نظام صارم: من الساعة الثامنة صباحاً حتى منتصف النهار كل أيام الاسبوع باستثناء يوم الأحد. في أوقات الفراغ تهتم بالزهور والنباتات التي تزرعها في حديقة البيت. هل تكتب في الغرفة نفسها مع بول؟ لا أبداً. ليس من الممكن الكتابة في غرفة واحدة مع شخص آخر. الكاتب يحتاج إلى العزلة. لكل شخص إيقاعه الخاص. ولكل شخص طريقته الخاصة أيضاً."حين ترفض الفكرة أن تأتي إليّ أنهض وأتمشى في البيت. فجأة أعثر على ما كنت أبحث عنه. الأمر لا يتعلق بالسحر بل بالجهاز العصبي". وسيري تنتسب إلى الجمعية النفسية العصبية في نيويورك. هي تعتبر أن الرغبة هي دوماً رغبة في شيء ما. شيء نفتقر إليه. ورغبة سيري الدائمة هي قراءة الكتب. وقد تولدت فيها هذه الرغبة مذ كانت صغيرة."أول شيء أتذكره هو الانشداد الكبير الذي كنت أعيشه إزاء المكتبة. كانت ثمة مكتبة في المدينة التي ولدت فيها، نورثفيلد، أتذكر رائحة الكتب التي كانت تأسرني". كل حياتها عانت الصداع النصفي. وهي ما برحت تعاني ثقلاً في قلبها على الدوام. ثمة جرح خفي لا يندمل في روحها. في شهر العسل في باريس استولى عليها الصداع بحيث اضطرت أن تقضي الشهر العتيد في المستشفى. وقد استغرق الأمر أكثر من سنة قبل أن تتحسن. كان الوجع يسيطر عليها طوال الوقت. ولدت سيري قبل الأوان. كادت أن تموت أثناء الولادة. بقيت أسابيع عدة في الحاضنة الآلية في المستشفى وعاشت على السيروم. لم يكن ثمة من يضحك لها أو يمسّد ظهرها. لم يكن هناك من يضحك في وجهها ويردد لها الأغاني كي تنام. بدأت الحياة في عزلة تامة. لقد انغرس ذلك في جسدها وذاكرتها ولا وعيها. وربما من أثر ذلك بقيت فضولية إلى أبعد حد. وهي ترى إلى نفسها قريبة من الجنون. وتستهويها فكرة الكاتب، أو الفنان، بصفته شخصاً مجنوناً. وهي درست الظاهرة وتعمقت في تاريخها. تقول ان هذه الفكرة الرومنطيقية ظهرت في القرن الثامن عشر. وهذا الأمر ظل ميراثاً يتداوله الناس جيلاً بعد جيل. والحق أن ثمة علاقة بين الفن والجنون."من المعروف أن عدداً كبيراً من الفنانين كانوا يعانون من الشيزوفرينيا أو كان لهم أقارب يعانون هذه الحالة". كانت سيري، وما زالت، يسارية في تفكيرها"ولكن ليست شيوعية". وفي بداية حياتها الأدبية كانت تؤمن إيماناً كبيراً بقدرة الأدب والفن على التغيير. طرأ تحول في شخصيتها. لم تزل يسارية ولكنها فقدت الإيمان بقدرة الأدب على التغيير."لا يقدر الأدب أن يمنع الحرب والعنف في أي مكان. تأثير الأدب هو تأثير فردي وليس جماعياً". هي تناهض السياسة الأميركية وتكره جورج بوش"إلى حد الغثيان". ترى سيري أن ما يقتل الحب بين الناس هو ميلهم إلى الاعتقاد بأنهم يعرفون كل شيء عن الطرف الآخر."عندئذ يغرق كل شيء في الرتابة". إنها تدعو إلى أن يحترم المرء استقلال الشخص الآخر. وهي تعشق البحث عن الشخصيات الغامضة، المعقدة، الذكية ومقاربتها بالكاتبة. في رأيها أن الروايات كثيراً ما تكون أبلغ في التعبير عن مكنونات المرء من الواقع نفسه."هناك من يعتقد أننا نكذب حين نكتب رواية". يستطيع النص الأدبي أن يفتح أمام المرء آفاقاً كانت ستبقى مغلقة أبداً من دونها. سحر الكلمات أبلغ تأثيراً من أي سحر آخر، حقيقي أو متخيل. الرواية ليست فن الكذب بل هي فن إظهار الحقيقة بوسائل أخرى غير الواقع الملموس. لا تجد سيري حدوداً صارمة بين الكتابة النسائية والكتابة الرجالية. تقول:"في كل واحد منا جانب نسائي وآخر رجولي. ولهذا يفهم كل طرف ما يقوله الطرف الآخر."لقد كنت رجلاً حين كتبت عن ليو هرتزبيرغ. كنت أشعر كما لو أنا ليو، بأفكاره وسلوكه وعمره". ولدت سيري هوستفيدت في 19 شباط 1955 في نورث فيلد في ولاية مينيسوتا. اللغة النروجية هي أول شيء تعلمته. وحين كبرت سافرت مع العائلة إلى النروج مرتين وبقيت هناك فترة من الوقت وتعلمت اللغة. تظل اللغة النروجية بالنسبة اليها لغة الطفولة والأحلام والحب والطعام والغناء."تتسرب اللغة النروجية إلى ذهني حين أفكر وأحياناً تفقز الكلمات النروجية إلى كتابتي". هي تعيش الآن في بروكلين مع زوجها الروائي بول أوستر وابنتهما صوفي. ظهرت روايتها الأولى"معصوب العينين"عام 1992. بطلتها هي إيريس فيغان التي تأتي إلى نيويورك للدراسة. تكاد الرواية أن تكون سيرة ذاتية للكاتبة. فالشخصيات والوقائع والأماكن والأحداث كلها تركن إلى حياتها الخاصة. حتى اسم البطلة إيريس هو اسمها مقلوباً: سيري. روايتها الثانية"سحر ليلي داهل"ظهرت 1996. إنها لوحة لأحلام الصبية ليلي داهل في أن تنتقل إلى نيويورك للعيش فيها. بانتظار ذلك، فإنها تعمل نادلة في مقهى صغير في بلدة صغيرة. هي تحلم أن تصير نجمة سينمائية مشهورة. للوصول إلى هذا الحلم، هي مستعدة للقيام بأي شيء. رواية فيها الكثير من الدفقات العاطفية والحكايات الصغيرة المتناثرة على أطراف الحياة المضطربة للصبية الحالمة ليلي داهل. كنية داهل هي اسم لعائلة نروجية معروفة، وفي الرواية الكثير من الشخصيات الاسكندينافية. عام 2003 أصدرت رواية"ما أحببته". بطل الرواية هو المؤرخ الفني ليو هرتزبيرغ الذي يعود بالذاكرة إلى حياته وحياة أصدقائه في ما مضى. روايتها الأخيرة"أحزان شخص أميركي"صدرت هذا العام. نص كثيف وحاذق عن العلاقات التي تشد الناس بعضهم إلى بعض. علاقات الأزواج والزوجات، الآباء والأبناء، العشاق والعاشقات وغير ذلك في سياق قصص مختلفة تسير جنباً إلى جنب. في الرواية نأتي إلى المواضيع الاثيرة عند سيري هوستفيدت: الحب والجنس والفن. الحكاية الأساسية في الرواية هي حكاية طبيب نفسي يموت والده فيعمد إلى قراءة الأوراق والمخطوطات التي تركها، من بينها مذكراته. يكتشف أن الأب جاء من النروج في شبابه واستقر في بروكلين، غير أنه أبقى ذلك سراً. في الرواية يتابع القارئ العلاقة بين الطبيب ومرضاه النفسانيين وما تكشفه هذه العلاقة من جوانب غامضة في حياة الناس.