للمرة الأولى منذ نيل ترشيح حزبيهما الى الرئاسة، ينتقل الديموقراطي باراك أوباما والجمهوري جون ماكين من التراشق الإعلامي إلى مناظرة رئاسية يترقبها الأميركيون قبل نحو أربعين يوماً من الانتخابات. تجري المناظرة في جامعة ميسيسيبي جنوب مساء الجمعة المقبل، وتركز على السياسة الخارجية والأمن القومي، لكن من المرجح أن تطغى عليها القضايا الاقتصادية، مع استمرار الأزمة المالية في"وول ستريت"وتضارب الآراء حيال سبب الانهيار ومن لديه أفضل الحلول لمعالجته. والمناظرة هي الأولى من ثلاثة تفاوض عليها أوباما وماكين، مدتها تسعون دقيقة، يجلس فيها المرشحان حول طاولة يتوسطها الإعلامي جيم ليهرر لإدارة النقاش. واستمرت الاستطلاعات في إعطاء الصدارة لأوباما وبمعدل 2.2 في المئة موقع ريل كلير بوليتيكس كما استعاد المرشح الديموقراطي تقدمه على صعيد الولايات ومجموع الكليات الانتخابية وبفارق 13 كلية. وعزا مراقبون ذلك إلى الأزمة الاقتصادية ورغبة الأميركيين في رؤية تغيير في البيت الأبيض، بعد 8 سنوات من حكم الجمهوريين. وعكس استطلاع"مجلس شيكاغو للعلاقات العالمية"تأييد معظم الأميركيين لتحول في السياسة الخارجية وفتح قنوات حوار مع دول"معادية"مثل إيران وكوبا وكوريا الشمالية، وبنسب أقل مع"حزب الله"وحركة حماس. وكانت المناظرة الأولى بين المرشح الديموقراطي جون كيري والرئيس الحالي الجمهوري جورج بوش، استقطبت حوالى 62 مليون مشاهد في عام 2004، لكن يبقى الرقم القياسي هو الذي حققته المناظرة الشهيرة بين رونالد ريغان وجيمي كارتر عام 1980، وتابعها حوالى81 مليون مشاهد. ويتوقع المراقبون تحطيم هذا الرقم يوم الجمعة المقبل. وعلى ماكين 72 سنة أن يتفادى ارتكاب أخطاء، كعدم معرفته الفرق بين السنة والشيعة، أو إبداء دعم مطلق لجورجيا على حساب علاقة واشنطن الاستراتيجية مع روسيا، أو إطلاق دعوات عامة الى ضرب إيران، وان يثبت للأميركيين انه اكثر خبرة من منافسه. أما أوباما 47 سنة، فعليه أن يبرهن أنه يفهم تحديات السياسة الخارجية، ويثبت قدرته على التعامل مع قضايا الأمن القومي، وان يخرج من النظريات والمبادئ العامة إلى سياسات ملموسة، مع الحفاظ على ثوابت سياسته الخارجية ومحاولة ربط جدول أعمال ماكين بسياسات بوش. ويكفي أداء متواضع ومن دون أخطاء من أوباما لفوزه بالمناظرة الأولى، فيما يبقى الضغط على ماكين بوصفه الأكثر إلماماً في قضايا السياسة الخارجية والأمن القومي. ويكفي تذكر كيف نفى جيرالد فورد في مناظرة مع جيمي كارتر عام 1976 وجود أي هيمنة من الاتحاد السوفياتي على أوروبا الشرقية، في خضم الحرب الباردة. وعلى ماكين أيضاً الحفاظ على هدوئه، فيما على أوباما أن يبدو حازماً. فجورج بوش الأب على سبيل المثال، ظل ينظر إلى ساعته خلال مناظرة مع بيل كلينتون عام 1992 حول الاقتصاد، كذلك تهكم آل غور عام 2000 من موقف لبوش، وظهر كأنه من نخبة واشنطن. في 26 أيلول سبتمبر 1960، بدا ريتشارد نيكسون مريضاً خلال المناظرة الأولى مع جون كينيدي، الذي كان بكل حيويته. وبعد ذلك، غابت المناظرات الرئاسية لخوف المرشحين من الوقوع في خطأ، لتعود عام 1976 مع جيرالد فورد وجيمي كارتر. و تذكر مسألة عمر ماكين بجملة شهيرة لرونالد ريغان الذي كان في ال73 من العمر عام 1984 عندما واجه الديموقراطي والتر مونديل، وهو أنهى كل التساؤلات حول قدرته على الاستمرار في ولاية ثانية، بقوله:"لن اجعل سني قضية في هذه الحملة، لن استغل لغايات سياسية شباب منافسي وقلة خبرته". مايكل دوكاكيس كان معارضاً بشدة لعقوبة الإعدام. وفي مناظرة رئاسية عام 1980، سأله المحاور إذا كان سيتمسك بموقفه في حال أنزلت عقوبة مماثلة بزوجته، فأصر على رأيه وبدا بارداً في نظر المشاهدين. أما جون كيري، فتفوق على بوش في مناظرات عام 2004 قبل أن يعود بوش في آخر مناظرة ليفرض معادلة جديدة تقول إن انتخاب الديموقراطيين يضعف الأمن القومي. كلها مشاهد من المناظرات الرئاسية دخلت تاريخ الحملات الانتخابية. وما يحتاج إليه أوباما وماكين وهو أداء جيد لا يغير مسار الحملة. فمناظرة ترجح واحد منهما او تقضي عليه.