مرة أخرى يحتدم الجدل حول مدى أصالة التراث المصري وقدمه مقابل التراث الفلسفي اليوناني، فبعد ان خفتت الضجة التى آثارها كتاب"مارتن برنال""أثينا افريقية سوداء"فى مجلدين عن المجلس الأعلى للثقافة في مصر، يأتينا كتاب جورج جي. إم جيمس"التراث المسروق الفلسفة اليونانية فلسفة مصرية مسروقة"، القاهرة ، 2008، 370 ص وترجمة شوقى جلال. والكتاب يبحث فى اشكالية انتقال سرقة الغرب اليونان للتراث المصري وبالتالي محاولة ارجاع نسبة أصالته الى المصريين مرة أخرى، وهى الإشكالية نفسها التى كان مارتن برنال يحاول تأكيدها فى كتابة السالف الذكر. والكتاب محاولة للابانة عن أصحاب الفلسفة اليونانية الحقيقية وأنهم ليسوا اليونانيين القدماء، بل شعب شمال أفريقيا الذي اصطلحنا على أن نسميه المصريين، وان الثناء والتكريم اللذين حظي بهما اليونانيون زيفاً على مدى قرون انما الحق بهما هو شعب مصر والقارة الافريقية بالتالي. وهكذا ظل العالم قروناً طويلة مخدوعاً في شأن المنشأ الاول للفنون والعلوم، وظل سقراط وافلاطون وأرسطو قروناً طويلة موضع تعظيم زيفاً وبهتاناً باعتبارهم رموزاً لعظمة الفكر، وظلت القارة الأفريقية قروناً تحمل اسم القارة المظلمة واستأثرت أوروبا بشرف نقل الفنون والعلوم الى العالم. وفى الحقيقة ان قضية السود دفاعاً عن حقهم الانساني فى الوجود حلقة من حلقات الصراع الحضاري - الثقافي فى التاريخ، وان موقف الجنس الابيض - الانغلوساكسون من نزعة المركزية الافريقية دفاعاً عن المركزية الغربية وعن الجنس الابيض الذي انتمو إليه... وتوجههم الثقافي بعامة يصب فى حقنا التاريخي، اذا اصبح تاريخنا الحضاري مجالاً يعبث به العابثون... وموضوعاً للصراع أو التنازع. فى البداية يوضح المؤلف ان مصطلح الفلسفة اليونانية او الاغريقية هو تسمية خاطئة، لا وجود لفلسفة لها هذه الخصوصية. لقد استحدث المصريون القدماء مذهباً دينياً شديد التعقيد سمي نظام الاسرار الذي كان ايضاً أول مذهب عن الخلاص. وبعد الحظر الذي فرضه المصريون قرابة خمسة آلاف سنة على دخول الإغريق مصر سمحوا لهم بدخولها بغرض تلقي العلم، واستطاع اليونانيون الدخول للمرة الأولى من طريق الغزو الفارسي لمصر ثم من طريق غزو الاسكندر، ومن ثم فإن اليونانيين القدماء وحتى موت أرسطو 322 ق.م استثمرو الى أقصى حد الفرصة التى اتيحت لهم لتعلم كل ما يستطيعون تعلمه من الثقافة المصرية، وتلقت غالبية التلاميذ تعاليم مباشرة من الكهنة المصريين. ولكن عقب غزو الاسكندر لمصر تم نهب المعابد والمكتبات الملكية غنيمة وحولت مدرسة مكتبة الاسكندرية الى مركز أبحاث، ولهذا الاغرابة ان يتأكد لنا ان الانتاج الوفير على نحو استثنائي وغير مألوف من الكتب المنسوبة إلى ارسطو أمر مستحيل من حيث القدرة الطبيعية طوال حياة فرد بذاته. يتكون الكتاب من تسع فصول في جزأين، الفصل الاول بعنوان"الفلسفة اليونانية فلسفة مصرية مسروقة" ويعرض من طريق التاريخ واحداثة النظرية السابقة. أن تعاليم الأسرار المصرية ونظمها كانت تصل الى بلدان أخرى قبل ان تصل الى أثينا بقرون طويلة. يشكك المؤلف أيضاً في تأليف فلاسفة اليونان كأرسطو وأفلاطون مذاهب فردية مستقلة اعتماداً على اننا لا نعرف عن حياة كل منهم سوى أقل القليل وربما لا شيء على الاطلاق. ولكنه يتوقع ان يسلم العالم بأنهم المؤلفون الحقيقيون الذين صاغوا المبادئ الفلسفية المنسوبة اليهم. وحمل الفصل الثاني عنوان"الفلسفة اليونانية المزعومة"والنظرية التي يحاول المؤلف ان يؤكدها اعتماداً على الشواهد التاريخية ان الفلسفة اليونانية غريبة عن اليونانيين وعن ظروف حياتهم، وان حقبة الفلسفة اليونانية 640 - 322 ق.م كانت حقبة حروب داخلية وخارجية لم تكن ملائمة لظهور فلاسفة، وتلك الحروب التى يؤرخ لها هي: غزوات الفرس، جماعات التحالف والاتحادات، حروب البليبونيز، وخصص الفصل الثالث للحديث عن"الفلسفة اليونانية"التي تعتبر من وجهة نظره سليل نظم الاسرار المصرية القديمة وفيه ناقش موضوعات مثل: النظرية المصرية عن الخلاص التي أصبحت هدف الفلسفة اليونانية، ظروف التطابق بين المنظومتين المصرية واليونانية، وأخيراً يسوق الأدلة المدعمة للفرضية التى تقول كيف أعطت أفريقيا ثقافتها للعالم الغربي. وفى الفصل الرابع"المصريون علموا اليونانيين"يتحدث عن: النتائج المترتبة على نتائج الغزو الفارسي، إلغاء قيود الهجرة على اليونانيين وفتح ابواب مصر على مصراعيها للبحث اليوناني، نشوء التنوير الاغريقي، وطلاب من أيونيا وجزر بحر ايجة يزورون مصر لتلقي العلم. وأيضاً النتائج المترتبة على غزو الاسكندر لمصر: نهب المكتبة الملكية والمتحف وكذا المعابد والمكتبات الآخرى فى مصر، مكتبة طيبة الملكية وكيف وقعت فى ايدى الجيوش الغازية، التأكيد ان متحف الاسكندرية ومكتبتها كانا جامعة. ومن ثم ينتقل المؤلف للحديث على أن اليونانيين كانوا يطبقون سياسة عسكرية للحصول عنوة على المعلومات من المصريين، وان المصريون هم اول من علم اليونانيين المدنية، كما يعرج على زيارة الاسكندر لكهنة معبد أمون في واحة سيوة والغرض من تلك الزيارة. وابتداءً من الفصل الخامس ينحو المؤلف لبيان الاثر العملي لثقافات المصريين فى الفلسفة اليونانية حيث كان الكلام عن فلاسفة من قبل سقراط والتعاليم المنسوبة اليهم، وهؤلاء الفلاسفة منضمون الى كل من المدرسة الايونية الاولى والايونية المتأخرة، والفلاسفة الايليون، وفلاسفة اليونان الذين مارسوا الانتحال. وفي الفصل السادس يحكي عن"فلاسفة اليونان"سقراط وأفلاطون وأرسطو من زاوية التأثير المصري في أعمالهم الفلسفية. وخصص الفصل السابع لعرض"المناخ التعليمي فى نظام الاسرار المصري"من خلال محاور: تعليم الكهنة المصريين بحسب مراتبهم، تعليم الكهنة المصريين، السحر عند هؤلاء الكهنة، ثم مقارنة المناخ التعليمي لنظام الاسرار المصري بقوائم الكتب المنسوبة إلى أرسطو. والفصل الثامن مكمل لسابقه فهو يعرض"فقه إلهيات ممفيس"الذى هو اساس جميع المبادئ المهمة فى الفلسفة اليونانية مع عرض لبعض ملامح هذا الفقة. ويأتي الفصل التاسع والأخير عن"الاصلاح الاجتماعي من خلال فلسفة جديدة لتحرير أفريقية"وهو عبارة عن نتائج لما سبق مع ملحق تحليلي موجز للحجج والاستنتاجات والاستدلالات ذات الصلة بموضوع الكتاب مثل: ان الفلسفة اليونانية فلسفة مصرية مسروقة، الفلسفة الاغريقية المزعومة كانت غريبة على الاغريق، الفلسفة اليونانية هي نتاج نظام الاسرار المصري، المصريون علموا الاغريق، مبادئ فلاسفة اليونان هي مبادئ نظام الاسرار المصري، تعليم الكهنة المصريين ومناهج التعليم في نظام الاسرار المصري يوضحان ان مصر هي مصدر التعليم العالي في العالم القديم وليست اليونان، فقه إليهات مدرسة ممفيس ويتضمن إليهات وفلسفة وكوزمولوجيا المصريين ولهذا هو مصدر ثقة لأصول المبادئ. وهكذا يثبت جورج جي أم. جيمس بكل السبل العلمية ان مصر سُرقت انسانياً منذ القدم وحتى الآن! * كاتب مصري