السبت 16/8/2008 : سكان الوادي الشرفة الواسعة تطلّ على سهل البقاع حيث لا يهنأ الليل بظلمته، فالبدر مسمّر في السماء يضيء الوادي وأهله الساهرين والنيام. وإذا تضاءل القمر فصار هلالاً، هناك أنوار بديلة من بيوت معلقة على سلسلتي جبال لبنان الغربية والشرقية، جبال تشرف على الوادي، من أوله في الشمال الى لا آخره في الجنوب. في الليل مشاهد الخصب واضحة. التراب الأحمر بين زرع وزرع، وتلك الكروم مثل جيش يستعرض الورق الأخضر والعناقيد. الوادي الخصيب من أيام الرومان الى أيام لا ندري من يسود فيها. في هذا الوادي لبنانيون يتقاتلون فوق الخصب، تماماً فوق الخصب العريق، على أفكار جافة لم تقرب الماء ولم يقربها. الأحد 17/8/2008 : شمس عاجزة رأيتها واضحة مشبعة بضوء باهر، ورأتني بصعوبة لأنني في الظل أبقى، كما ترى شبحاً، وهي، في سطوع شمسها وظلها نافرة كأنما تخاف الأشياء أن ترافقها. آتية من الماضي لإنهاض الحب من الذاكرة، حين الأزهار البرية على ضفاف الطريق ونهضة المشي صعوداً وهبوطاً والنسمات تلوّح الشعر والفستان، والعصافير تقترب لا تخاف وتبتعد لتملأ الأجواء بالفرح. حين كان المشي الى لا مكان والحديث ينساب بلا تخطيط ولا إحالات، كلام القلب يسمونه، يبدو حناناً متبادلاً، فإذا استعدناه نستغرب إحساسنا الأول. ليس الكلام مهماً إنما أجواؤه، حتى إذا افتقدها لا يستعاد. الكلام على ورق ليس كلاماً. إنه تفسير بطيء وأحياناً مضجر للكلام في ولادته الأولى، في عفويته وفي رنينه المحيي. صار الحب الأول على ورق فاختفى، ولا يعوّض الورق. والشمس التي أنارت حركتنا وحركة الطبيعة من حولنا كأنها انطفأت وحل محلّها ليل الحقيقة. لا ينهض الحب من الذاكرة، تأتي الحبيبة نفسها ولا ينهض. نسكن في مكان واحد ولا ينهض الحب، حين لغتنا واحدة بلهجتين متباعدتين، واللغة لهاث لا تدوين حين تعني الحب لا المعارف ولا المناهج ولا الحسابات. ذات يوم مضى كان جارنا اقليدس مع أعداده، وكنا نهتم بشجر اللوز في حديقته، نأكل اللوز حامضاً ونعلن الحب على ملأ من الطبيعة عند فم الوادي، تدفعنا الرغبة وعبق الزهر وإلفة العصافير... ذات يوم مضى، ولن تعيده تلك الآتية بوضوحها الباهر وشمسها العاجزة عن كشف غموض تراكم عبر الزمن. الاثنين 18/8/2008 : بلا عودة رأيت هذا من قبل كيف أتنصل وكيف يتنصلون، كأنني أرى للمرة الأولى هذا الذي أحببت وليس لي حب إلاّه؟ - أصرّ على اسناني من باب التأكيد انني آت من هذا الذي مضى. - سافر الى غيابك والأفضل أن لا تعود لقد تدبرنا هذا العالم من دونك تدبرناه في غيابك فلا تخربه في حضورك. يبقى لنا النظام في مقابل أحزانك. ارجع على غربتك، فمن يرحل لا يعود ولا تصدق عواطف نعلنها لأهلنا، فإن غادروا يختلف الأمر. نترك لهم العواطف الصغيرة وحدها... ومن بعيد الثلثاء 19/8/2008 : حرية العواطف الفردية والجمعية، إنها تفيض من أزمنة لا من زمان واحد، من أمكنة لا من مكان واحد، وتصدر تعبيراتها بأساليب متنوعة، فلا تتشابه إلا في نقاط أساسية. وحين أقول كلام الحب لا أستعيره كأنني عبد حرروه ليرتبط بعبدة حرروها، وكانت خطواتهما الأولى في الحرية كلام الأسياد السابقين. نكسب الحرية لا نتلقاها هدية، مشروطة أو غير مشروطة. ولو أن الأحرار يتقدمون كما هم، في حقيقتهم العارية، لتقبلتهم وربما أحببتهم. نقبل معاً على الحوار، حوار الحقيقة لا وهم التكاذب. الناس كما هم لا كما يتجملون، أو يخضعون لعمليات تجميل، يتناسخون في شكل واحد. الأربعاء 20/8/2008 : حسن نجمي يحدّ الشاعر حسن نجمي من رومانسيته ويكثر من الصور ومن حركة الحياة والمقارنات، في ديوانه"على انفراد"الصادر عن دار النهضة العربية في بيروت 2007. يأخذ الشاعر المغربي قصيدته من الحياة، فالقصيدة رفيقة يومه ومسجلة الوقائع، ومعلية هذه الوقائع الى سجلّ مرشح للبقاء. من الديوان قصيدتان الأولى"شمسٌ لا مبالية": "بدأت شمسنا تنزل خلف المحيط. في الجهة الأخرى للكرة الأرضية. بعد قليل سنُظلِم. يلفُّنا ليل صديق. ويأتي قمرنا كعادته وحيداً. يوزِّع القُبلات المُفضَّأة. نقتسم كاسات الرذاذ والزبد. وقد تغدرُ بي رطوبة الرباط فأعطس كثيراً. قد يشتد بي مزيد من الحنين. كما لا يشتد بك هناك. توزعتنا الضفاف. ولم أعد أفهم هذا المحيط. لم تعد ترِد عليَّ الكلمات كما كانت. كأنَّ القصيدة خاصمتني. بعد قليل سأصبح نورسة. أرفرف بين السماء والماء. وأحرِّكُ جناحيَّ باتجاهك". والقصيدة الثانية"أظلمتُ كالليل": "نَفَسي يصّاعد. نَفَسي شبه متضايق. ساخنٌ مثل لظى الجمر والمطر يدق النوافذ. في منتصف الليل غادرت الفراش لأكمل قراءة الرواية لأدوِّن بضع أفكار طارئة وأهرب قليلاً بمنأى عن رائحة الثوم وأسأل: لماذا أنسى الأحلام وتُخفي ذكريات ذكريات؟ .................. صرت في حاجة الى قليل من أرض لأستريح. سمائي ممزقة. واصبح لها ظل من حديد تُذهلني أطرافي أصبحت سريعة الابتراد ويداي اللتان لا تقويان على الإمساك. بدأت أفقد صفاءاتي ويؤرقني مزاجي. يتهدم بداخلي شيء. أظلمت كالليل. أنا الآن ليلٌ في الليل."ليلي تاريخ الليل"! نفَسي يختنق. وأحلم بكتيبة من ريح. وتلمع على شفتيّ حافة الكأس. صِرت أسكر وأفرط في السكر. وفي طريق العودة الى أهلي أضع حجراً في جيوبي. وأسقط عند أول جسر. وأسقط في الماء". الخميس 21/8/2008 : مدن من رمل على هذا الشاطئ، في يدي رمل وأصداف صغيرة وحصى متنوعة الألوان. على هذا الشاطئ في الليل تحت ضوء القمر، يشرب الرمل الضوء ويطلقه شحيحاً. انه هدوء الليل بين نهار ونهار، بين غزاة وغزاة، من البحر يأتون ومن برّ بعيد. يفاجئوننا. عند هذا الشاطئ بنينا مدناً وأتى الغزاة فإذا هي مدن من رمل. ونحن، أهل الشاطئ، نتسرب الى أمكنة أخرى، مثل ماء من سلة قش، تبقى قطرات قليلة وأكثر الماء خارج السلة. أنا القطرة القليلة قطرة من شعب كان وتسرّب. القطرة الشاهدة على مدن محكومة بالإخلاء، مدن من حجر، ثم من رمل. أنا الشاهد أتكرر بأسماء متعددة، قطرة تشبه قطرة، وعيون ساهرة على ما كان، على إيقاع الغياب.