ينتهي الصيف وعطلاته واجازاته، ويعود الشباب والمراهقون الى صفوف الدراسة في المدارس والجامعات وهم يحملون الكثير من قصص الحب الصيفية المعروفة بموسميتها، فهي تولد مع نسائم الصيف الأولى، وتنمو وتكبر وتتطور مع اشتعال الفصل الحار، ومع أولى نسمات الخريف المنذرة بانتهاء فصل الاجازات والمشاعر الصيفية تبدأ غالبية هذه القصص في الذوبان التدريجي وسرعان ما تختفي لتخفت تماماً، ويحيلها العقل البشري الشبابي الى صندوق trash unretreivable . لكن ما لا ينتبه إليه كثيرون هو وجود ما يعرف ب"الحب الشتوي"الذي لا تلحظه الغالبية على اعتبار أن بداية السنة الدراسية تعني إحالة مشاعر الحب والعواطف الجياشة الى خانة ال draft الى حين سماح الظروف باسترجاعها للبناء عليها وتطويرها، لكن هذا لا يحدث، بل يحدث العكس تماماً، إذ ان نزول الشبان والفتيات الى المدارس والجامعات في مصر يومياً هو أرض خصبة يستمتع كيوبيد بالعمل فيها، وليس أدل على ذلك من بوابات مدارس الفتيات الثانوية التي تجد الفتيان مرصوصين أمامها انتظاراً لخروج حوريات الثانوية، وهناك كورنيش نهر النيل الذي يشهد منذ الأيام الأولى من العام الدراسي جموع الفتيات والشبان التي نجحت في"التزويغ"من المدرسة، سواء بالقفز من فوق السور، أم اقتسام الموارد المادية المتاحة من مدخرات ومصروف يومي مع الحارس على سبيل الرشوة، أو في حالات أكثر تطرفاً يتوجه"المزوغ"من بيته رأساً الى الكورنيش من دون أن يكلف خاطره بالمرور على المدرسة. تجدهم يمشون مجموعات أحادية الجنس، أي جمع من الفتيات فقط وآخر من الشبان، وتقوم كل مجموعة بإخضاع المجموعة الثانية من الجنس الآخر لعملية تمحيص وتحليل، فإذا أثبتت النتائج الأولية وجود قدر من المؤشرات الدالة على إمكان النجاح، تبدأ مناوشات التعارف وتكون هذه المؤشرات على الأغلب تصنيف الفئة العمرية لأفراد المجموعة، ووضعهم المادي ومظهرهم العام، وفي حال تكللت مناوشات التعارف بالنجاح، تخضع المجموعتان لعملية تقسيم ثنائية لا تخضع في الواقع لمعايير محددة أو واضحة، اللهم إلا مبدأ"الحظ"، إضافة الى قدر من الحنكة والسرعة في اختيار الشريك الأحلى والألطف قبل الآخرين. وتشهد كذلك قاعات دور العرض السينمائي على وجود مكثف لكيوبيد بين طالبي العلم، فنجد قاعات بعينها في وسط القاهرة وقد تحولت حفلاتها الصباحية الى ما يشبه الفصل الدراسي الواحد الذي يجمع طلاب مدارس عدة وطالباتها، كما يبدو من أزياء المدارس المختلفة، على رغم ارتفاع أصوات أولياء الأمور في الأعوام الماضية بضرورة حث، أو حتى إجبار القائمين على أمر هذه الدور بالتوقف عن تقديم التخفيضات على أسعار التذاكر في الحفلات الصباحية والتي تشجع ابناءهم على"التزويغ"والالتقاء في السينما، والمعروف أن قاعات العرض السينمائي تقدم بيئة مناسبة وآمنة نسبياً للمحبين والمحبات الهاربين من أعين"الكبار"إلا أن الأمر لا يسلم من حملات تفتيشية مفاجئة تشنها الشرطة أحياناً بهدف إعادة الهاربين الى مدارسهم. وساهمت منظومة الدروس الخصوصية هي الأخرى في نمو ظاهرة"الحب الشتوي"، فالدروس الخصوصية التي لم تعد"خصوصية"بالمعنى المباشر للكلمة نظراً لاحتوائها على عشرات، وأحياناً مئات، من الطلاب والطالبات من المدارس المختلفة، وسيلة ذهبية للتعارف بين الطلاب والطالبات. وكم من قاعة درس شهدت وتشهد نظرات، وتنهدات، وخطابات ورسائل قصيرة sms متبادلة، تتبعها لقاءات خارجية وقصص شتوية تدعمها المعاناة المشتركة في المذاكرة والمشكلات المتطابقة مع الأهل والمعلمين، والقلق المتشابه في شأن الامتحانات والتحصيل الدراسي، والرعب الواحد من المستقبل الغامض. وتساهم قصص الحب هذه في أن يشد كل طرف من أزر شريكه، ويشجعه على خوض معترك الامتحانات متحلياً بقدر أكبر من الثقة وإن كان الأهل لا يرون في هذه العلاقات إلا كل ما هو مُضر وسيئ، وتبذل محاولات حثيثة لفض هذه العلاقات أولاً بأول في حال اكتشافها. وهناك بالطبع حالات يمكن وصفها بالتطرف في مثل هذه العلاقات، وهي التي تلجأ الى تصعيد العلاقة بأسلوب خطير ظناً منها أن هذا هو الحب الحقيقي، وأن غياب المحبوب أو المحبوبة يعني توقف الكرة الارضية عن الدوران، ونهر النيل عن التدفق، فيلجأ البعض الى الزواج عرفياً أو الى الاشكال الأخرى"الحديثة"من الارتباط الموقت مثل"زواج فريندز"و"زواج الدم"وغيرهما، وهي الظواهر التي يكاد يكون وجودها مقتصراً على فصلي الخريف والشتاء، أي في اثناء العام الدراسي فقط. لكن لحسن الحظ، وعلى رغم وجود ظاهرة الزيجات"السرية"بين الطلاب والطالبات في اثناء السنة الدراسية، إلا أن الغالبية تكتفي بدعم الحب الشتوي في الحدائق العامة، وعلى كورنيش نهر النيل، وحفلات قاعات السينما الصباحية الاقتصادية، وأمام المدارس وفي المواصلات العامة، وهي اللقاءات التي تقويها"غرف الدردشة"ورسائل المحمول القصيرة، خصوصاً أيام الامتحانات الشرسة التي يتعذر فيها خروج المحبين والمحبات من الطلاب والطالبات للتلاقي. لكن سرعان ما يأتي فصل الصيف منذراً بقرب انقشاع حب الشتاء، والاستعداد لقصة حب صيفية مطابقة لمواصفات الاجازة وقادرة على تحمل حرارة الطقس والقيود الصيفية المفروضة على الدخول الى البيت والخروج منه بعد زوال حجة الذهاب الى المدرسة والتوجه الى الدرس بعد المدرسة، ومنه الى زميل الدراسة لتبادل المعلومات العلمية والاستشارات المدرسية.