في بلد يفتقر إلى صناعة السينما، يقبل الشباب الأردني على ارتياد دورها مدفوعاً بعشق المشاهدة والرغبة في متابعة الجديد على رغم تباين إمكاناتهم المادية. ويمكن تقسيم دور السينما في عمان تبعاً لنوعيتها ومستويات روادها الاقتصادية، فهناك سينما الطبقة الكادحة كسينما "أمير" في عمانالشرقية التي تعرض مختلف أصناف الأفلام العربية والأجنبية، لكنها أفلام قديمة مر على إنتاجها عشرات السنين، ويميزها كما يرى نزار 25 عاماً وجود عرض ما بعد منتصف الليل، حيث يدفع الزائر ديناراً ثمن التذكرة وفنجان الشاي مع سندويش. ويضيف نزار:"يمكنني مشاهدة أربعة أفلام بدينار فقط، وباستطاعتي اختيار الوقت الذي يناسبني لأن العرض متواصل". وهناك سينما"الحسين"التي تعرض فيلمين بدينار. ويقول أحد موظفي الاستقبال فيها:"نعرض الأفلام التي مرت على عرضها في دور السينما العربية أو الأجنبية فترة، لكن روادنا ما زالوا يرغبون في مشاهدتها". ومحبو الأفلام العربية القديمة هم أكثر وجوداً في السينما الشعبية، مثل سينما"عمان"وسط البلد التي تتراوح أسعار تذاكرها ما بين نصف دينار ودينار، وهناك اشتراكات أسبوعية وشهرية تمنح عشاق الشاشة الكبيرة متعة المشاهدة بأقل تكلفة ممكنة. بيد أن هذه الدور تفتقر الى أي مرافق وخدمات باستثناء عربة"العم علي"الذي يبيع سندويشات اللحم المشوي أمام السينما. ويعلل أحمد مواظبته على الذهاب الى سينما عمان الواقعة وسط البلد بأنها المكان الذي يلتقي فيه أصدقاءه، خصوصاً في ليالي الشتاء الباردة حيث يمر الوقت بطيئاً، لأنها"نزهة غير مكلفة"كما يقول. وتنتشر إعلانات عن أفلام الإثارة والكاراتيه والعنف على جدران سينما"فلسطين". ويبدو للجائل فيها أن ثمة تشابهاً بين أنواع الأفلام المعروضة ورواد السينما. صور لأشخاص ضخام الجثة مفتولي العضلات يضعون سلاسل في رقابهم، ويرتدون ثياباً تحمل شعارات دموية تدل على العنف. وعلى رغم عدم تصريح أي من موظفي أو مرتادي دور السينما في عمانالشرقية عن أنها تعرض أفلاماً إباحية، تحمل الملصقات المنتشرة على جدرانها صور فتيات مثيرات يكشفن عن مفاتنهن، ومنهن من يؤدين حركات إغراء، فيما تعرض لقطات لامرأة ورجل يبدو أنه يقبّلها. في السياق ذاته، يقول أمين، الموظف في هذه السينما:"روادنا من الرياضيين والمراهقين محبي الإثارة والأكشن. ولدينا عروض مميزة على أسعار التذاكر في المناسبات والأعياد، إذ يمكن الشخص أن يشاهد عدداً من الأفلام في أوقات مختلفة بتذكرة مفتوحة لا يتجاوز سعرها الدينارين"، لافتاً إلى أن"رواد سينما فلسطين من الذكور فقط ولم يحدث أن زارتها فتاة من قبل". ولم يكشف أمين عما إذا كانت السينما تعرض أفلاماً خلاعية، لكنه يقول:"نحاول إرضاء زبائننا باختيار أفلام تروق لهم". ويعترف شهاب الزبون الوفي للسينما بأن مقاعد صالة العرض غير مريحة، فضلاً عن رداءة الصوت وأحياناً الصورة، لكنه يؤكد أنه لا يستطيع دفع المزيد من النقود لمشاهدة فيلم في قاعة أغلى سعراً وفي الوقت نفسه لا يمكنه كبح شهية المشاهدة لديه. وعلى الطرف الآخر من الجسر المعلق الذي يربط جناحي عمان، ثمة دور سينما فخمة في عمان مثل سينما"غاليريا"في عبدون، وپ"سينشري"في مركز زارا، وپ"غراند"في مكة مول وپ"رويال"في الفندق الذي يحمل الاسم نفسه. ويتراوح سعر التذاكر فيها بين 4 وپ6 دنانير تبعاً لفترة العرض وحصرية عرض الفيلم وجدته. وتعرض هذه الدور الأفلام العربية والأجنبية الحديثة بالتزامن مع عرضها في دور العرض العربية والعالمية، وغالباً ما يدعو أصحابها أبطال الفيلم لحفل الافتتاح وإجراء عرض خاص يقتصر على الإعلاميين ترويجاً للفيلم. ويتوافر في تلك الدور عدد من المقاهي أو الپ"كوفي شوبز"حيث تباع المشروبات الغازية والفوشار وپ"السناكس"بمختلف أنواعها، كما فيها استراحة ودورة مياه. الخدمات التي توفرها دور السينما"الراقية"شجعت الفتيات على ارتيادها. وتقول هيام:"منذ توظفت بت أذهب الى السينما مرة في الشهر على الأقل... الدار نظيفة وفخمة ويمكنني تناول"سناك"لذيذة فيما أشاهد الفيلم". ويبدو أن دور السينما"الراقية"منحت الفتيات جواز مرور لدخول عالم الفن السابع."تغيرت الصورة النمطية لدور السينما، فلم تعد ذلك المكان المشبوه الذي تمتنع الفتيات عن الذهاب إليه لتدرأ الشبهات عن نفسها"، تضيف هيام. وتتابع هيام المحجبة منذ 4 أعوام:"تنتقي دور السينما الأفلام التي تعرضها، فهي انتاجات ضخمة وحاصلة على جوائز عالمية أو على الأقل رشحت لها، فضلاً عن أن روادها أشخاص محترمون لن يثيروا المشاكل". ويلتقي حسام مع هيام حول سبب ارتياد السينما، فقد اعتاد حسام 27 عاماً على الذهاب إلى سينما"سينشري"أسبوعياً على رغم امتلاكه مُشغلاً للأقراص المدمجة في المنزل لكنه يفضل مشاهدة الأفلام في السينما، معتبراً أن ذلك يضفي نكهة خاصة عليها في ظل توافر مقاعد وثيرة في قاعات العرض والشاشة العملاقة ومؤثرات الصوت. وينفق حسام الذي يعمل في القطاع الخاص نحو 15 ديناراً شهرياً على ارتياد السينما قد ترتفع إلى 25 ديناراً إذا ما دعا أحداً من رفاقه لمشاهدة أحد الأفلام. ويرى جمال أن الذهاب الى دور العرض طقس بحد ذاته، فهو يفضل عادة الذهاب مع خطيبته ويعتبر أن مشاركة شخص قريب مشاهدة أحد الأفلام يسهم في وجود موضوع للنقاش، إضافة الى تمضية وقت مسلٍ بعيداً من صخب المقاهي وتطفل المارة في الحدائق العامة والمولات. ويضيف مبتسماً أن"خطيبته تفضل لقاءه في السينما لأن التدخين ممنوع فيها وهي تحضه باستمرار على تركه". ويتعدى الذهاب إلى دور السينما مشاهدة فيلم كما يرى توفيق 22 عاماً الذي يقول مبتسماً:"لا أذهب فقط للتسلية، هناك ما هو أبعد بالنسبة الي"، من دون توضيح المزيد. ولا يعبأ توفيق بثمن التذكرة على رغم أنه ما زال على مقاعد الدراسة، مشيراً إلى أن"لمزاجه عليه حقاً".