يتسبب اختلاف حادّ على صعيد الأهداف الوطنية بتباعد بين الولاياتالمتحدةوباكستان. وباتت العلاقات بين الحليفين متوترة للغاية ويبدو أنها على مشارف أزمة كبيرة. تكمن"حرب أميركا على الإرهاب"في قلب المشكلة، إذ تمارس الولاياتالمتحدة الضغوط على باكستان كي تخرج حركة"طالبان"من ملاذها القبلي على الحدود الباكستانية - الأفغانية، وقد هددت بأن تقوم بالمهمة بنفسها في حال فشلت باكستان في أن تتصرف بحزم كما تريد واشنطن. وقد أطلقت الولاياتالمتحدة صواريخ في باكستان ضد أهداف تشتبه أنها ل"المجاهدين"، من دون أن تحترم الحدود الدولية أو المشاعر الباكستانية. وتعهّد كلّ من المتنافسين على الرئاسة الأميركية، باراك أوباما وجون ماكين، بإرسال المزيد من القوات المقاتلة إلى أفغانستان. حتى أن أوباما هدّد بنقل الحرب باتجاه المجموعات القبلية في باكستان، سواء أعجب ذلك إسلام آباد أم لا. إلا أن"حرب أميركا على الإرهاب"لم تتسبب لباكستان سوى بالمشاكل. فهذه الحرب غير مرحب بها من قبل الرأي العام كما أنها تؤجج المشاعر المناهضة لأميركا، وساهمت في جرّ الجيش الباكستاني إلى مناوشات مكلفة مع مقاتلي الباشتون في المناطق القبلية التي لا تخضع لسلطة الدولة، فضلا عن أنها دفعت"طالبان"إلى رد الضربة إلى باكستان، كما حصل في هجوم يوم الثلثاء الماضي ضد حافلة في مدينة بيشاور، فأودى بحياة عشرة من رجال الشرطة. تتعارض حرب الولاياتالمتحدة على حركة"طالبان"مع أولوية باكستان الوطنية الرئيسية التي تقوم على احتواء الهند، وبخاصة الإبقاء على أفغانستان التي تعتبرها باكستان"عمقاً استراتيجياً"، خارج مدار النفوذ الهندي. وإضافة إلى التوتر على صعيد العلاقات الأميركية - الباكستانية، بدت العلاقات الهندية - الباكستانية أكثر سوءاً في الأيام الأخيرة، وتخلّل ذلك تبادل لإطلاق النار في كشمير، في خرق هو الأخطر للهدنة التي امتدت على خمس سنوات. وفي الوقت نفسه، اتهمت كل من الهندوالولاياتالمتحدة، وكالة الاستخبارات الباكستانية بضلوعها في التفجير الانتحاري الذي حصل في 7 تموز يوليو الماضي وأودى بحياة 58 شخصاً بما في ذلك ملحق عسكري هندي. وفيما أنكرت باكستان بغضب هذه التهمة، يعتبر عدد قليل من المراقبين أن بوسع"طالبان"، بشقيها الأفغاني والباكستاني، أن تجنّد آلاف المقاتلين الشباب وتدربهم في المخيمات العسكرية في المناطق القبلية، ناهيك عن المراكز اللوجيستية والمدارس الدينية. وإذا كانت"طالبان"لا تحظى بموافقة وكالة الاستخبارات الباكستانية على ذلك فهي متواطئة معها. لا تزال هجمات الكر والفر التي تشنها حركة"طالبان"من قاعدتها الخلفية في باكستان، تتسبب بأضرار في الولاياتالمتحدة وبين قوات حلف شمال الأطلسي في جنوب وشرق أفغانستان وبالطريقة نفسها التي حارب بها المجاهدون القوات السوفياتية في الثمانينيات فأخرجوها من أرضهم. ويقال إن الملا محمد عمر، زعيم"طالبان"الفار، أقام مركز عملياته في مدينة كويتا، عاصمة إقليم بلوشستان في باكستان، حيث يدير القادة العسكريون التابعون له المعركة على الحدود. كما يقال إن جلال الدين حقاني، الذي استفاد من ملايين الدولارات من وكالة الاستخبارات الأميركية ومن دعم وكالة الاستخبارات الباكستانية عندما حارب القوات السوفياتية، يقدم المأوى للمحاربين في قاعدته الواقعة في شمال وزيرستان وأنه صلة الوصل ما بين وكالة الاستخبارات الباكستانية وحركة"طالبان"بشقّيها الباكستاني والأفغاني وتنظيم"القاعدة". وأقر الجنرال ديفيد ماكيرين وهو قائد قوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان، بأن الوضع الأمني يتدهور فيما يبدو أن"طالبان"تصبح أكثر قوة، فتجبر الشعب على الإذعان من خلال الضرب وقطع الرأس وأعمال عنف أخرى. وتطرّق بعض الصحافيين في أفغانستان إلى المضايقات حول العاصمة كابول. ونتيجة لذلك، من المتوقع أن تعج كابول باللاجئين اليائسين. أما القرويون العالقون ما بين ابتزاز"طالبان"القاسي والضربات الأميركية الجوية القاتلة، فيهربون من الجنوب على أمل بأن يجدوا الطعام والمأوى في العاصمة. تواجه الولاياتالمتحدة معضلات كبيرة في باكستان تؤثر مباشرة على العمليات العسكرية الصعبة في أفغانستان. فهل تقع وكالة الاستخبارات الباكستانية تحت مراقبة الحكومة المركزية أم هي في يد المسؤولين الباكستانيين الوطنيين، الذين يستخدمون في كل من كشمير وأفغانستان، المقاتلين الإسلاميين ضد الهند؟ هل يجب أن تستكمل الولاياتالمتحدة تقديم مساعدتها إلى المؤسسة العسكرية الباكستانية أم يجب أن تمتنع عن تقديمها إلى أن يصبح الوضع أكثر وضوحا؟ أم على العكس، هل يجب أن تزيد الولاياتالمتحدة مساعدتها غير العسكرية إلى باكستان ثلاث مرات أكثر، لتبلغ 1.5 بليون دولار في السنة كما يوصي بعض السياسيين الأميركيين، على أمل أن تعيد الاستقرار إلى البلد وتكسب"العقول والقلوب"؟ هل يجب أن تجازف الولاياتالمتحدة في توسيع الحرب من خلال التدخل عسكريا في المناطق القبلية؟ واجرى كل من الأميرال مايك مولين، قائد القوات الأميركية المشتركة، وستيفن كابيس، نائب مدير وكالة الاستخبارات الأميركية، محادثات حول الأزمة مع زعماء باكستانيين عسكريين ومدنيين رفيعي المستوى خلال زيارة سرية قاما بها إلى إسلام أباد في 12 تموز يوليو، أُعلن عنها لاحقا. كما أنهما تشاورا مع الرئيس مشرف ورئيس الوزراء يوسف رضا غيلاني وقائد الجيش الجديد العماد أشفق برويز كاياني ومدير وكالة الاستخبارات الباكستانية اللواء نديم تاج. وبحسب تقارير صحفية، مارس كل من مولين وكابيس الضغوط على الباكستانيين لقطع روابط وكالة الاستخبارات الباكستانية مع المقاتلين من حركة"طالبان"ولإعطاء وكالة الاستخبارات الأميركية حرية العمل في المناطق القبلية على الحدود الشمالية الغربية للمحافظة. ومن غير المرجح أن تمتثل أي حكومة باكستانية، حتى لو كانت ضعيفة، لمطالبهما. كما يتعرض رئيس باكستان برويز مشرف وهو حليف أميركا الرئيسي في المنطقة، لهجمات من قبل خصومه السياسيين، وتهديدات بإبعاده عن السلطة. وفي حال استمرت الإجراءات ضده، من الممكن أن يُغرق ذلك باكستان، التي تعاني وضعا هشا، في فوضى سياسية. وفي العام 1999، أطاح مشرف برئيس الوزراء حينها نواز شريف في انقلاب أبيض ومن ثم استلم الحكم في السنوات التسع اللاحقة. وقد حُكم على شريف بالسجن لمدى الحياة لكنه أبعد عن باكستان في العام 2000، فلجأ إلى المملكة العربية السعودية. أما حزب شريف، الرابطة الإسلامية في باكستان، فدخل في تحالف متصدع مع حزب الشعب الباكستاني الذي يرأسه آصف علي زرداري، وهو زوج رئيسة الوزراء بيناظير بوتو، علما أن زارداري أمضى ثماني سنوات في السجن بسبب اتهامه بالفساد. ويريد كل من شريف وزاداري أن يحاسبا مشرّف على ما فعله بهما وأن يبعداه عن منصبه. فقد تم اتهامه بالتلاعب بالانتخابات الرئاسية التي جرت في شهر تشرين الأول أكتوبر الماضي وبعزل 60 قاضياً في شهر تشرين الثاني نوفمبر الماضي وبسوء إدارة الاقتصاد. لكن قد تتطلب احالة الرئيس الى المحاكمة، وهو ما لم يسبق أن حصل في باكستان، تصويتا بالثلثين لأعضاء مجلس الشيوخ والجمعية العامة، أي يتوجب الحصول على 295 صوتا من أصل 440. وبإمكان حزب الشعب والرابطة الإسلامية في باكستان أن يحشدا 230 عضواً، أي انهما بحاجة الى 65 صوتاً. ويبدو أن مشرّف مصمّم على أن يقاوم هذه المحاولات. فهل ستدعمه المؤسسة العسكرية؟ هل ستتدخل لفرض قانون الطوارئ على غرار ما فعلته في السابق في السياسة الباكستانية؟ وماذا يعني انهيار مشرف بالنسبة إلى"حرب أميركا على الإرهاب"؟ غطّى النزاع في القوقاز على الأزمة في باكستان وعلى الحرب في أفغانستان. لكن يجب اتخاذ قرارات حاسمة في حال قررت الولاياتالمتحدة وحلفاؤها أن يخرجوا بشكل مشرف من هذا البلد الإسلامي الذي يكره الأجانب، من دون أن يتسببوا بخسارة إضافية على الصعيدين البشري والمادي. * كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الأوسط