تعرض الاتفاق الذي توصل اليه الرئيسان الروسي ديمتري ميدفيديف والفرنسي نيكولا ساركوزي لوقف العمليات العسكرية في اوسيتيا الجنوبية إلى الخرق أمس، حتى قبل إقراره في الاتحاد الأوروبي، الذي اجتمع وزراء خارجيته في بروكسيل لمناقشة أزمة القوقاز، فيما ألغت الولاياتالمتحدة، في أول إجراء ملموس للتعبير عن الاحتجاج على الوضع، تدريبات بحرية كانت مقررة الأسبوع المقبل، تشارك فيها روسياوبريطانياوفرنسا. وأعلن الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي ان القوات الروسية تتجه نحو عاصمة جورجيا تبليسي وتحاول تطويقها، فيما اتهم نائب رئيس الأركان الروسي الجنرال اناتولي نوغوفيتسين جورجيا بعدم الالتزام باتفاق وقف النار. وقال نوغوفيتسين في مؤتمر صحافي "بوسعي التأكيد، أن وقف إطلاق النار لا ينفذ في شكل كامل". وقال الأمين العام لمجلس الأمن القومي الجورجي كاخا لومايا:"دخل الروس بلدة غوري. هناك نحو 50 دبابة وعربة مدرعة". وأيد العديد من الدول الأوروبية المشاركة في مهمات حفظ السلام في جورجيا، فيما دعا بعضها وفي طليعتها بريطانيا، الى اعادة النظر في العلاقات مع روسيا. وعكست مواقف الوزراء انقساماً في اوروبا بين دول تدعو الى التشدد مع موسكو، وفي طليعتها بريطانيا وبلدان اوروبا الشرقية, ودول اخرى بينها فرنسا والمانيا حريصة على الحفاظ على العلاقات مع روسيا. وصرح وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير الذي تتولى بلاده رئاسة الاتحاد الأوروبي حالياً, بان الاتحاد"مصمم"على الإشراف على تطبيق خطة سلام في جورجيا ومراقبتها على الأرض. وقال:"تسمونها قوة سلام, ليس هذا ما اطلقه عليها"، وتابع:"لكنني اعتقد ان الروس سيوافقون على مراقبين او مشرفين او مسهلين اوروبيين". وقال وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند ان"على الاتحاد الاوروبي ان يبقى على استعداد"للالتزام في هذه المسألة. لكنه دعا الى اعادة النظر في العلاقات مع روسيا، مندداً بسلوك روسي"عدواني"في جورجيا"صدم كثيرين". ورأى انه على الوزراء ان"يقرروا اذا كان ينبغي المضي قدماً في الشراكة واتفاق التعاون ام لا, وكيف ينبغي القيام بذلك", في اشارة الى الاتفاق الذي يجري التفاوض في شأنه بين الاتحاد الأوروبي وروسيا. كذلك اكد وزير الخارجية الليتواني بيتراس فايتيكوناس ضرورة ان تتحمل روسيا"عواقب عدوانها"على جورجيا, داعياً الى مشاركة اوروبية في قوات دولية لحفظ السلام. جاء هذا الموقف الداعي الى اعادة النظر في العلاقات مع روسيا منسجماً مع موقف الولاياتالمتحدة التي اعلنت الغاء مناورات عسكرية مشتركة مع روسيا في اول رد عملي على النزاع في جورجيا فيما تدرس مجموعة خيارات رد اخرى ايضاً. لكن وزراء آخرين دعوا الى التريث في بحث الدور الروسي وتقويمه لمعالجة مسائل ملحة اخرى مثل المساعدة الإنسانية للمدنيين. وفي هذا الإطار، قال وزير الخارجية الفنلندي الكسندر شتوب الذي ترأس بلاده منظمة الأمن والتعاون في اوروبا:"انني واثق من اننا سنجري مناقشات بالغة الشدة حول العلاقات الأوروبية -الروسية في المستقبل". لكنه رأى ان"عملية القاء اللوم والمناقشات الشاقة ستبدأ في وقت لاحق". وشدد على ان الأولوية الآن هي لضمان استمرار وقف اطلاق النار على الأرض. كذلك دعا وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير الى عدم هدر الوقت في"ادانات"بل العمل من اجل ارساء الاستقرار في المنطقة مع ابقاء القنوات مفتوحة مع موسكو وتبليسي. وكان شتوب من الوزراء الذين ابدوا حرصاً على استمرار وقف اطلاق النار. وقال:"لدينا وقف اطلاق نار وليس سلاماًَ"ولا سيما بعدما أعلنت روسيا وقف العمليات العسكرية من دون الانسحاب من مواقعها المتقدمة. وقال كوشنير بهذا الصدد معلقاً على اتفاق وقف اطلاق النار"انها مجرد اوراق"معتبراً ان الوضع"متقلب جداً". استياء أميركي وقالت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس ان العمليات العسكرية الروسية في جورجيا تقوض اندماج روسيا في المؤسسات الدولية. وتدرس الحكومة الأميركية سلسلة خيارات اخرى للرد على هجمات روسيا"غير المتكافئة"على جورجيا بعدما دعت موسكو الى وقف الهجوم العسكري. ولم توضح رايس نوعية الردود التي قد تقررها الولاياتالمتحدة اذا لم تلتزم روسيا بإعلانها وقف المعارك. وقالت لشبكة"اي بي سي"الأميركية:" اؤكد لكم ان سمعة روسيا الدولية والدور الذي يمكن ان تلعبه ضمن المجموعة الدولية اصبح على المحك". وأثار مسؤولون آخرون اسئلة حول جهود روسيا الحالية للانضمام الى منظمة التجارة العالمية ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية وكذلك عضويتها في مجموعة الثماني للدول الصناعية الكبرى. وقال احد المسؤولين للصحافيين ان"روسيا قد تخسر اكثر بكثير مما خسره الاتحاد السوفياتي عام 1968"لا سيما في مجال مساعيها للاندماج في الاقتصاد العالمي. في المقابل، قال السفير الروسي لدى الاممالمتحدة فيتالي تشوركين لشبكة"سي ان ان"ان الولاياتالمتحدة قد تخسر ايضاً بعض النفوذ على الساحة الدولية اذا اثارت استياء روسيا. وقال"لدينا مصالح متساوية في التعاون المشترك"مضيفاً"لكن اذا حاول البعض في الولاياتالمتحدة تقويض علاقاتنا ... قد نترك الولاياتالمتحدة تعالج بنفسها بعض القضايا"ملمحاً الى الملف النووي الإيراني. موسكو تواصل الضغط وأعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ان روسيا تصر على ضرورة إعادة بحث"وضع"الأراضي الانفصالية في جورجيا على المستوى الدولي، وهو مبدأ رفضته تبليسي. كما قال ان التعزيزات العسكرية الروسية في جورجيا لن تسحب الا بعد عودة القوات الجورجية الى ثكناتها. واعتبر لافروف ان الايحاءات بأن توغل موسكو العسكري في أوسيتيا الجنوبية كان محاولة للسيطرة على جورجيا والاطاحة بحكومتها"هراء واضح". وكتب لافروف في صحيفة"فايننشال تايمز"أن العملية العسكرية الروسية كانت"رداً متناسباً لهجوم لم يكن له مبرر على مواطنيها". وأعلن مساعد رئيس هيئة الأركان الجنرال اناتولي نوغوفيتسين ان القوات الجورجية باشرت الانسحاب من اوسيتيا الجنوبية، لكن ليس في شكل كثيف. وأضاف:"ثمة مخاوف في شأن حشد القوات الجورجية قرب المنطقة الأمنية"الفاصلة بين اوسيتيا الجنوبية وبقية الأراضي الجورجية. وتحدث نوفوغوتسين عن سقوط 74 قتيلاً و171 جريحاً و19 مفقوداً في صفوف القوات الروسية منذ بدء النزاع. في المقابل، صرح وزير الصحة الجورجي الكسندر كفيتاشفيلي في حصيلة جديدة ان 175 جورجياً, معظمهم من المدنيين, قتلوا بين تبليسي وموسكو. جاء ذلك فيما رفض قادة اقليمي ابخازيا واوسيتيا الجنوبية فكرة التفاوض مع تبليسي التي اتهموها ب"الابادة".