شهدت غزة خلال الأيام القليلة الماضية انفجارات مشبوهة استهدفت قيادات وازنة في حركة حماس، فاقمت من حدة الأزمة الداخلية بين فتح وحماس، معبرة في ذلك عن عمق الشرخ السياسي الحاصل بين قطبي المعادلة السياسية الداخلية، والتصادم"الدموي"بين برنامجي المقاومة والتسوية السياسية، من خلال أشكال"السيطرة"على الضفة والقطاع. إن الجهة التي وقفت وراء هذه الانفجارات كانت معنية في شكل أو آخر بتحقيق أهداف مسمومة كاغتيال قيادات في حركة حماس، ردود فعل تفضي إلى تعقيد الوضع، الأمر الذي يعني نسفاً لجهود الحوار الوطني المتعثر بإطلاق رصاصة الرحمة عليه، ناهيك عن سلب القطاع لميزة الاستقرار الأمني الذي لمسه المواطنون عقب"سيطرة"حماس على المشهد الغزاوي. المشكلة أن الجهة التي وقفت خلف تفجيرات غزة، نجحت إلى حد ما في توتير الأجواء بين فتح وحماس، وتعويم خلافاتهما السياسية عندما انجرت حماس إلى دائرة رد الفعل المتشنج، وذلك بتسرعها إلى توجيه الاتهامات إلى فتح، وتحميلها مسؤولية ما جرى، مستبقة في ذلك التحقيقات الأمنية. فقد كان من الأجدى بالحركة أن تكظم غيظها، انتظاراً لمجريات التحقيق، وتوافر الأدلة. في السياق نفسه، نعيب على طرفي الأزمة الداخلية، استحضارهم قاموس الاتهامات المتبادلة التي عقدت العلاقة الداخلية، وسممت أجواء الحوار الوطني"العاثر". الملاحظة الأخرى، أن الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية في قطاع غزة، انجرت بدافع تطبيق القانون، إلى تجاوز حدود المقبول في العرف السياسي الفلسطيني، عندما تعدّت على حرمة بعض الشخصيات السياسية، والمؤسسات المدنية التي يفترض أن تكون بعيدة من دائرة الصراع السياسي كالجمعيات الخيرية، أو مؤسسات الرعاية الأهلية، فلا يجوز الخلط بين ما هو مشتبه به في عرف القانون، وبين ما هو مشتبه في العرف السياسي حتى وإن كانت مؤسسات تابعة لحركة فتح. وقد يعاجلنا البعض بالقول:"العين بالعين، والسن بالسن، والبادي أظلم"، فحركة فتح أغلقت مئات الجمعيات الخيرية في الضفة الغربية، كما اعتقلت آلاف الأبرياء على الهوية السياسية، وها هما ياسر عبد ربه، وعزام الأحمد يصبان الملح في جرح انفجارات غزة، بتجاوزهم القانون، وحدود اللياقة السياسية، والأعراف الوطنية عندما طالب الأول مصر باعتقال سعيد صيام القيادي في حماس، وعندما أعرب الثاني عن نية سلطة رام الله مطالبة الدول"الصديقة"باعتبار غزة منطقة متمردة ومحكومة من عصابة عسكرية، وكأن رام الله تملك سيادتها! أليست حماس تمثل ثلثي الشعب الفلسطيني ديموقراطياً؟ أليست حماس هي الشرعية؟ ومن هؤلاء حتى يتطاولون على الشرعية وممثلي الشعب الفلسطيني؟ ولماذا كل هذا التركيز على حركة حماس في غزة في وقت تتجاهلون كل ما يجري لها من اضطهاد في الضفة الغربية؟ أليست هذه ازدواجية مقيتة؟ نقول: إذا كان الطرف الآخر لديه ما لديه من إشكالات، وتجاوزات وأخطاء قانونية وسياسية، يعلمها القاصي والداني، فليس من الحكمة محاكاة الآخر في لحظة غضب، والشديد هو الذي يملك نفسه عند الغضب ويحتكم إلى الأعراف والقوانين والمؤسسات. وهنا نسجل موقفاً شاكراً للجنة الرقابة في المجلس التشريعي في غزة، عندما أصدرت بياناً شديد اللهجة تطالب فيه حكومة إسماعيل هنية"بوقف جميع القرارات والإجراءات المخالفة للقانون"، مشددة على أنه"لا يجوز إغلاق الجمعيات والمؤسسات الأهلية إلا وفق إجراءات قانونية صحيحة". فهذا الموقف هو تعبير عن حيوية جسم حماس وجرأتها في نقد الذات والتوقف عند الحدود والقانون. بعد مضي أيام من الانفجارات الدموية المؤسفة، لا بد من إعادة النظر في مجمل ما حصل بالاحتكام إلى القانون والمؤسسات الشرعية، بعيداً من المناكفات السياسية، فالقانون والقضاء هما سيف العدالة. أحمد الحيلة - بريد إلكتروني