"اغسل يديك بالصابون، لئلا تنشر جراثيمك في كل مكان!"، تقول الزوجة لزوجها الذي يرفع نظره الى أعلى، متذمراً. ومشكلته أنه شريك امرأة وسواسها النظافة. وحين يحين دوره في إعداد الطعام، لا يغسل الفطر"لئلا يفقد طعمه"، كما يزعم. يصنع بالفاكهة الصنيع نفسه، خوفاً عليها من خسارتها حلاوتها. فإذا غُسلت فقدت نصف طعمها. ولا يُعرف المصيب من المخطئ في خضمّ"المنازلة"العائلية هذه بين زوجة"موسوسة"وزوج"مهمل". فنظرة كل منهما الى المسألة، الى ما هو نظيف وما هو أقل نظافة، لا تحتمل الحسم. والحق أن مفهوم النظافة غير ثابت، ويتبدل بتغير المعايير. وثمة إجماع على حدّ أدنى مقبول وجدير ربما بأن ترسو عليه آداب المعاملة الاجتماعية والعامة. فالفضل في معايير النظافة، قبولاً أو رفضاً، هو الاختلاط، وملامسة الآخرين أو التعرض لرأيهم في المسألة، على قول فريديريكا تماروتزي، وهي عالمة إناسة، في وصفها العلاقة بالوساخة والقذارة. وللنظافة معانٍ متباينة على هذا القدر أو ذاك. ويتعلق بعضها بالخصوصية. فكل منا يحتفظ بسر يكتمه عن دورة المياه ولا يبوح به أبداً. في أثناء الغسل، ثمة أفعال أو حركات نجاهر بها، وأخرى نتكتّم عنها. وهذا حد من حدود الخصوصية الذاتية لا ينتهكه شريك العمر نفسه. فالزوجة التي لا يحرجها قربها من زوجها في دورة المياه، تُحجم عن نزع شعر الساقين على مرأى منه. وهذا من باب أفعال تكاد تكون اجتماعية وعلنية في مجتمعات أو دوائر أخرى. والعلاقة بين النظيف والوسِخ متقلبة ونسبية. وتحكم فيها حاجات أو شروط أولى، بعضها ثقافي، وتفترض شكلاً من أشكال اللياقة والتهذيب، مشتركاً أو في حكم المشترك. ولكن ما لا معيار مشتركاً فيه هو المنزلة التي تنزلها الوساخة. فروث البقر في المزارع لا يقزز أحداً، على خلاف الامتعاض الذي تبعثه فضلات الكلاب على الأرصفة. والإعجاب بتسريحة أمام المرآة، يفسده إمرار اليد على الشعر وسقوط شعرة في المغسلة. وفيما نغيّر فوطة الطفل الصحية الحفاض بكل يسر، يثقل علينا تغيير الفوطة لرجل مسن. وكلاهما عاجز عن القيام بالأمر وحده. وجوار الأجسام بعضها من بعض يضطلع بدور راجح في المسلك. فنحن نتحمّل رائحة العرق المتصبب من شريك رياضة أو مشي، وترهقنا رائحة عرق الغريب في الحافلة. ويلقى كلام علماء الصحة والنظافة صدى طيباً وإقبالاً مردّهما الى هُجاس النظافة الذي يصيب المترفين الذين يتقلّبون بين رأي يقضي بوجوب السيطرة على الجسد ومحيطه، وبين رأي آخر يدين الإفراط في النظافة. ولا ريب في أن أهل العسر والشح والفقراء يرون الوساخة على وجه آخر ليس الوجه الذي يراها عليه أهل اليسر. وثمة حركات وأفعال يباشرها الذكور، مثل"نقر"المنخرين، تنفّر النساء على وجه الخصوص، ويكاد الرجال لا ينتبهون إليها. هل حس النساء بالنظافة أرهف من حس الرجال؟ فنظافة الطفل والمنزل، كانت على عاتق النساء. ومصدر صورة المرأة الحسية هو الظن في روائحها الطبيعية، والنفور المادي والاجتماعي والثقافي منها، والسعي في تدجينها. فاعتادت النساء، باكراً، إجراءات النظافة. والقى تعلمها عليهن. والوجه الآخر للصورة يظهر هاجس الرجل بالنظافة، ولا مبالاة المرأة بها. ففي حين لا يترك هو مساحة من جسمه لا يفركها فركاً مبرحاً عند الاغتسال، تقتصر هي على انتخاب مواضع بعينها تصرف اهتمامها إليها. فإذا ولدت وصارت أماً، وجب عليها غسل اليدين مراراً وتكراراً، حماية لطفلها في المرتبة الأولى. ويختلف علماء الصحة والأطباء على تعقيم الرضّاعات، وعلى نظافة الأطفال وطرائق العناية بها وحفظها. فيلفت المتخصصون في الالتهابات الى أن النظافة هي من باب البداهة. فالجراثيم والبكتيريا خطرة على ذوي الحساسية المفرطة، وضعفاء المناعة، من الكهول والأطفال. ويخفف هذا الرأي على الميّالين الى الاعتدال في النظافة وطأة المبالغة في طلب النظافة، والحرص عليها، والحفاظ على نظافة الداخل، وجه من وجوه نهج النظافة. فالمدينة وتلوّثها يدخلان في باب الوساخة. وفي المقابل، يسكن بعضهم"فقاعة"نظافة محكمة، داخل المنزل، تصد أوساخ الخارج وتوصد الباب دونها في إحكام. والخرافات المتداولة في المدن عن النظافة تبث مخاوف العدوى من جراثيم يتعاظم خطرها على قدر خفائها. وهذه الوساخة المجهرية، لا يمكن تقويمها بالعين المجرّدة. وعلماء الطفيليات لا يرون فيها ضرراً على الأصحاء. والحركات والأوضاع الجسمانية التي يتّخذها بعضهم حيال ذلك الوسخ المتناهي في الضآلة تهدئ من روعهم، كأنها سحر ساحر، ولكنها لا تقدم في الوقاية ولا تؤخر، على قوله خبراء الطفيليات. عن ماري - جويل غرو،"إيتيه ليبيراسيون"الفرنسية ملحق الصيف، 16/7/2008