فطر الإنسان على حب النظافة منذ القدم، لذا فقد سعى إلى تنظيف نفسه وملابسه وما حوله، واستخدم كل جيل من الأجيال ما توفر لديه من خامات طبيعية قبل دخول الصناعة الحديثة إلى أدوات التنظيف التي اختصرت الوقت والجهد في نيل النظافة بسعر ميسر وسهولة في الاستخدام، وكان من أهم عناصر التنظيف للبدن والملبس الماء الذي هو بحق عصب الحياة، وبالرجوع إلى الجيل الماضي القريب نجد أنه وعلى الرغم من البساطة التي كان يعيشها إلا أنه لم يغفل جانب النظافة، بل سعى إلى الحصول عليها بما توفر في بيئته في زمن كانت أدوات النظافة فيه قليلة، إن لم تكن شبه معدومة، وكان الحصول على الماء نفسه فيه مشقة كبيرة، حيث كان يتم إحضاره من الآبار المنتشرة بين المزارع والبيوت، ومن ثم حفظه في أوان نحاسية، وقدور لاستعماله عند الحاجة، ومع تقدم الوقت عرف الناس ما يستعينون فيه بنظافة ملابسهم وأجسامهم وهو الصابون الصلب الذي كان أول وروده بمسمى صابون (أبو عنز)، حيث يعطي هذا الصابون بعد فركه بالماء رغوة ورائحة عطرية جيدة، وبعد ذلك بفترة عرف الناس الصابون الذي على شكل حبيبات وبعلب كرتونية حيث كان يستورد من الخارج وكان سعره مرتفعاً، حتى تم افتتاح أول مصنع للصابون في المملكة في عهد جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز، وهو مصنع صابون (التاج) لصاحبه (إسماعيل بن داود)، وكان افتتاح هذا المصنع حدثاً تاريخياً في عالم الصناعة وتطورها في ذلك الحين، وبعد ذلك تم استيراد المنظفات المتعددة للملابس، والشامبو بأنواعه لغسيل الجسم، وانتشرت قبل ذلك كله شبكات المياه التي دخلت في كل بيت والتي تبعها استيراد الغسالات الكهربائية التي أراحت النساء من عناء الغسل اليدوي المتعب، وجعل مهمتها فقط في غسل الثياب من الصابون ونشر الغسيل فقط، بل وتعدى الأمر ذلك إلى ورود غسالات أوتوماتيكية تقوم بغسل الملابس وتنشيفها أوتوماتيكياً، وبذلك بات أمر النظافة ميسراً وفي متناول الجميع على اختلاف طبقاتهم، وافتتحت مغاسل التجارية للملابس وفرش النوم وحتى الموكيت والستائر وغيرها، مما ساهم في إراحة ربات البيوت من عناء الغسيل، بل وظهرت أنواع متعددة لغسيل الرأس من الشامبو والبلسم ذات العطور الجذابة وأنواع أخرى من الصابون السائل لغسيل الجسم المعطرة بأفخر أنواع العطور العالمية. عصر (اللزا) كانت النساء تقوم بغسل أواني الطبخ قديماً قبل معرفة الناس بالصابون بالرمل ممزوجاً مع الماء لإزالة الدهون والرواسب العالقة ومن ثم شطفها بالماء، ولقلة الماء فقد كانت النساء يجتمعن ويذهبن بما لديهن من أوان للطبخ وملابس وحتى فرش النوم إلى المزارع القريبة من أجل غسل ما يحملنه من الماء الذي يستخرج من البئر مباشرة ويصب في ( اللزا ) وهو مكان سكب الماء من البئر عن طريق (الغروب ) والدلاء قديماً أو من الماسورة التي تخرجها (طرمبة) مكائن (البلاكستون) فيتم غسل الأواني التي يطلقون عليها اسم (المواعين) كالقدور والصحون، كما يتم غسل الملابس، وقد كان كثير من أصحاب المزارع يتذمرون من وفود الكثير من النساء لغسل ما لديهن من أوان وملابس ولكن ضرورة التكافل يجعلهم يتحملون ذلك وإن كان على مضض، والبعض يطلب ممن يحضر من النساء طلباً للغسيل أن لا يغسلن ما يحضرن من أوان وفرش في (اللزا) بل في (الجابية) وهي بركة صغيرة يجتمع فيها الماء بعد خروجه من (اللزا)، والغرض منها تصفية الماء، وبعد أن تتم النساء عملية الغسيل يقمن بنشر الملابس والبطانيات والمطارح على أغصان الشجر أو الجدران ويتركنها حتى تجف بينما يجمعن أواني الطبخ ويقفلن راجعات إلى البيوت ليقمن بالرجوع إلى المزرعة بعد ساعات لإحضار الملابس والمطارح بعد جفافها، وعند هطول الأمطار بغزارة وتجمع مياه السيول في الأودية مكونة غدران صافية فإن الناس يستغلون ذلك الحدث فيتم جلب الملابس إلى هذه الغدران وغسيلها فيها بدلاً من المزارع، وبعد تمديد شبكات المياه في البيوت سهلت المهمة على النساء في غسيل الملابس والفرش والبطانيات وصار الغسيل يتم في المنزل ويتم نشر الملابس على الحبال، أما البطانيات الثقيلة والمطارح فإن الحبال لا تتحملها ولذلك كانت تنشر على جدران الطين في السطوح من أجل أن تجف. الكولة والمسقاة اعتنى جيل الأمس بالنظافة الشخصية على الرغم من شح المياه وصعوبة الحصول عليها بل وإمكانية تخزينها في البيوت، فالسبيل الوحيد للحصول عليها هو من الآبار حيث يقوم من يريد الماء بجلبه من البئر وعادة ما تكون هذه من أعمال النساء فتقوم بجلب الماء النظيف من البئر عن طريق ملء الدلو من البئر ومن ثم حفظه في إناء نحاسي كبير كان يطلق عليه اسم (الحدادية) ويتم تغطيته بصحن أو ما شابه، وعند الحاجة للماء يتم الأخذ منه واستعماله في الطبخ أو تنظيف أواني الطبخ أو غسل اليدين، أما استخدام الماء للنظافة الشخصية كغسل الرأس أو الاغتسال فقد كان يتم في الشتاء في أحد غرف البيت أو الحوش وذلك بتسخين الماء في قدر أو حنفية بواسطة (الكولة) وهي عبارة عن موقد يعمل ب (القاز) أو تسخينه بواسطة (دافور) وهو أيضاً يشتعل ب (القاز) ومن ثم رش الجسم بالماء وفركه من أجل الاغتسال والتنظيف، أما في الصيف فإن الاغتسال يتم عن طريق الذهاب إلى (المسقاة) التي عادة ما تكون ملاصقة للمسجد وهي عبارة عن مبنى ملحق بالبئر تحتوي على (قرو) للوضوء موضوع على الأرض و(قرو) آخر يسمى (المسبح) موضوع على جدار قريب من البئر بارتفاع قامة الرجل في موضع منزو مبني حوله جدار على شكل نصف دائرة في زاوية وله مدخل يسع لدخول شخص واحد وليس عليه باب وجداره قصير بحيث يرى من بداخله فمن أراد الاستحمام يقوم بملء دلو مخصص من البئر ويملأ (القرو) المثبت على الجدار وهو (قرو) منحوت من الحجارة على شكل دائرة وفي أسفله ثقب صغير ينسكب منه الماء ومغلق بعود رفيع ملفوف به قماش كسدادة، ومن يريد الاستحمام يدخل إليه وينزع ملابسه ويطرحها على الجدار ليراها من يريد الدخول فيعلم بأن شخصاً قد سبقه إلى الاستحمام ومن ثم يزيل العود من (القرو) فينسكب الماء على جسده ومن ثم يرتدي ملابسه ويخرج، وقد يصادف أن ينتهي الماء من (القرو) قبل أن ينهي استحمامه فيطلب ممن يكون بالقرب منه أن يسعفه بأن يملأ (القرو) بدلو ماء من البئر، وكان هذا هو شأن الرجال عندما يريدون الاستحمام، أما النساء فقد كانت (المسقاة) وجهتهن أيضاً في الاستحمام والغسل ولكن لهن وقت معين في اليوم وهو بعد اشتداد ظلمة الليل وفي الهزيع الأخير منه قبيل أذان الفجر الأول، حيث يخرجن في هذا الوقت متسترات ملتحفات بسوادين، سواد العباءة التي يلبسنها وسواد الليل، فيدخلن في (المسقاة)، ويملأن قرو الغسل بالماء ومن ثم يستحممن ولا يعرفن بعضهن من شدة ظلام الليل، ويغادرن بسرعة إلى بيوتهن قبل مجيء الرجال عندما يسمعون أذان الفجر الأول حيث يتوافدون هم بدورهم إلى (المسقاة) للغسل والوضوء لمن أراد التهجد أو التبكير لصلاة الفجر. وسائل التنظيف كان المتبع في غسل الأيدي استعمال الماء فقط وكان رب البيت يغسل يديه وذلك بسكب الماء من (المثعوبة) التي يغرف بها من إناء حفظ الماء الكبير والذي يسمى (حدادية) على يديه في (طشت) الغسيل، ومن ثم تطور الأمر قليلاً قبل معرفة مد المياه إلى البيوت بالمواسير وانتشار الحنفيات أو الصنبور أو (البزبوز) فتم استخدام الإبريق حيث يتم سكب الماء على أيدي الضيوف من الإبريق ويجتمع في (قدر) أو (طشت) ويستخدم قطعة من الصابون كانت تعطي رغوة عند فركها باليدين باستمرار، وأول ما عرفوا صابون (أبو عنز) بينما كان يطلق عليه الأكثرية اسم صابون (ممسك) وذلك نسبة إلى أنه يمسك بالأيدي عند الغسيل ويفرك حتى تخرج الرغوة ويمحو الصابون أثر ما باليد من طعام أو زفر أو وسخ، وبعد عملية الغسيل يكون من يقوم بسكب الماء مدلياً (فوطة) وهي قطعة من القماش على كتفه ليقوم من ينهي غسيل يديه وفمه بمسح آثار الماء، ليأت من بعده ليغسل يديه ومن ثم يستخدم نفس الفوطة لمسح يديه ووجهه، وقد كانت هذه الطريقة في البدايات تعتبر من التحضر والتمدن الذي كان الناس يسعون إليه، وقد كان الناس يرددون مقولة: (ترى التمدن مهوب صعيب.. تراه فوطة وصابون)، كما كانوا يقولون لمن تبدو عليه علامات النظافة والأناقة: (تفسحوا يا زكرت خياش.. جتكم زكرت العقيلية) وقد شاع استخدام صابون (أبو عنز) لكافة أنواع النظافة من نظافة اليدين والبدن وحتى الملابس حيث كان الناس في البدايات يملؤون (طشت) الغسيل بالماء ومن ثم يضعون الملابس فيه ومن ثم يدعكونها بصابونة (أبو عنز) حتى تتكون رغوة فيغسلون بها الملابس ثم يشطفونها بالماء، كما كانت المغاسل التي افتتحت قديماً في البدايات وتستقبل ملابس الزبائن للغسيل يدوياً قبل ورود الغسالات الكهربائية، إذ يعمد العاملون فيها إلى الاستعانة بالبراميل التي يقطعونها من أسفلها بارتفاع مقدار الشبر ويملؤها بالماء وتقوم مقام (الطشت) الذي كان نادراً ومرتفع القيمة، ومن ثم يستعينون بقطعة خشب يوضع طرفها مائلاً في الماء وأعلاها على حافة (الطشت) المتخذ من قاع (البرميل) ومن ثم يحركون الصابونة من أعلى إلى أسفل حتى تصل الماء وتعطي رغوة فيغسلون بعد ذلك الملابس بهذا الصابون المستخرج بهذه الطريقة، وقد كان غسيل الثوب يكلف في تلك الفترة نصف ريال والشماغ ربع ريال أما (الطاقية) فيتم غسلها مع بقية الثياب مجاناً، وبعد ذلك تم استيراد الصابون الذي كان على شكل مسحوق، ثم تم استيراد الغسالات الكهربائية وكان أولها غسالات (البابطين ) ذات الحوض الدائري الكبير والتي يعلوها معصرة للثياب، والتي استقبلتها ربات البيوت بفرح كبير حيث ودعن الغسيل اليدوي إلى الأبد، فكم كان صوتها شجياً عند تشغيلها لغسيل الثياب وبصوت مميز، وقد بلغ من عناية واهتمام ربات البيوت بها أن حافظوا على نظافتها حيث كان يقوم العديد منهم بتفصيل ثوب لها من القماش وتلبيسها لها حفاظاً لها من الأوساخ، على الرغم من خطورة معصرتها التي كثيراً ما كانت تلتهم أيدي من يعبث بها وخاصة من صغار السن وإن كانت لا تؤدي إلى جروح بل إلى روعة وكدمات. تطور الوسائل مرّت أدوات التنظيف بالعديد من المحطات التي عرفها جيل الأمس بدءاً من ورود صابون ( أبو عنز ) إلى الصابون المسحوق في علب الكرتون الذي استخدم في غسيل الملابس بل وحتى في الاستحمام، كما صاحب ذلك ظهور الغسالات والعديد من المنظفات التي تضاف مع الصابون لتبييض الملابس وإزالة البقع التي يصعب على المساحيق إزالتها، وبعد تدفق المياه إلى المنازل بواسطة شبكات المياه ورد الشامبو الأحمر وهو صناعة بريطانية ويعد أول شامبو يستخدمه الناس لغسيل الشعر في ذلك الوقت ولذلك فإن له ذكريات جميلة لدى كبار السن من جيل الأمس الذي افتقده في أيامنا هذه حيث إن الأصلي منه قد انقطع، وقد شاع استخدامه حالياً لغسيل العبايات والطرح، وفي عصرنا الحاضر طويت صفحة من صفحات الماضي التي عانى فيها جيل الأمس القريب من استخدام أدوات التنظيف البسيطة مما جعل جيل اليوم يقف حائراً أمام التشكيلات الواسعة من أصناف الشامبو والبلسم وصابون غسيل الجسم واليدين وغيرها من منظفات الأيدي والمتوفرة في كل صيدلية بل وكل محل تجاري وتمويني، والتي جعلت من النظافة شيئاً مألوفاً على الجميع، وصفة ملازمة له في هذا العصر عصر الرفاهية والرخاء. القرو أو المسبح في المسقاة وسيلة جيل الأمس من طالبي الاستحمام قدور لحفظ الماء في البيوت لاستعماله في النظافة قديماً برك مزارع زمان شهدت توافد النساء لغسيل الملابس والفرش وأواني الطعام صابون أبو عنز استخدم للنظافة وغسيل الملابس أدوات الاستحمام قديماً تؤدي الغرض ببساطة تمديد المياه في المنازل أحدث ثورة في عالم النظافة الشامبو الأحمر أول شامبو عرفه الناس لغسيل الشعر عند الاستحمام غسالة البابطين الكهربائية أول غسالة استوردت وأراحت النساء من الغسيل اليدوي الغسالات الأوتوماتيكية جعلت من الغسيل متعة لربات بيوت اليوم الصابون ( الممسك ) كما يسميه جيل الأمس استخدم لغسيل اليدين بعد التطور حمود الضويحي