-1- ضاع يقيني في الخلقِ وزاد يقيني في الخالق *** يَسْكنُني رعبٌ لا مسبوق ويفصل أمسي عن يومي. لا أدري إن كان سيفصلني عن يومٍ آخر يُدعى الغد، لا أرغبُ في أن أنسى نفسي لكني أرغبُ في أن ينساني الناس وينساني الليل وينساني الخوف وتنساني طرقات المنفى ومصابيح الحارة ينساني كلب الجيران ونافذة النجم القطبي. -2- ضاع يقيني في الخلق وزاد يقيني في الخالق *** لست سعيداً لست شقياً كانت لي أحلامٌ في الزمن الأول أحلامٌ في الزمن الثاني من صلصالِ الكلمات صنعت قصوراً وطيوراً ورسمتُ وجوهاً وقلوباً أقبيةً يسكنُها الليلُ الدائم والخوف الدائم لا أرغبُ في سحرِ العينين ولا في ورد الشفتين فلم تُبْقِ الأيامُ فراغاً في رأسي في قلبي يملأه الحب أو الكره، أو الاثنان معاً!! -3- ضاعَ يقيني في الخلقِ وزادَ يقيني في الخالق *** أحضرُ حين يغيبون أغيب إذا حضروا تتكوّر أحلامي حيناً وتضيق، وتبدو ناصِلةً، لا لونَ لها، لا أوراق، وحيناً تسرح، تمرح في آفاق الدنيا المعلومة في آفاق الدنيا اللامعلومة خضراءَ كأوراقِ البُن غداة جَنَى الحبّاتِ، أُدِيرُ لها ظهرَ الأيام وأبحث عن ليلٍ لا أحزانَ لَهُ لا ندمان ولا أيقوناتٍ فارغةً وبقايا خلقٍ يرتعشون من البردِ من الخوف... من الجوع!! -4- ضاعَ يقيني في الخلقِ وزادَ يقيني في الخالق *** كم زمن قطعت أقدامي فوق رماد الأرض وكم مشوارٍ سارت روحي فوق مرايا الكلمات، وكم أطلالٍ نقشتها الأيام على صدرِ النسيانِ: هنا زمنٌ أخضر كالواحةِ في الصحراء هنا زمنٌ أغبر يتلوى كالثعبان. وهذا زمنٌ لا لونَ له لا إيقاع يغيب، ويمتد، سراديبُ تنامُ على أرصفة العمر الذابل أهدتني نوماً لا ينفك يناديني ويناديني، وكأني لا أسمع!! -5- ضاعَ يقيني في الخلقِ وزادَ يقيني في الخالق *** في ضوضاءِ الأسماء وفي ضوضاءِ الأصواتِ وفي ضوضاءِ الصمت العالقِ في الجدران أسافر، يرتعش القلب كقطر ندى ويفر الإيقاع كأغنيةٍ شاردةٍ كعصافيرَ بلا مأوى يتملكني ناموس الوحشةِ يأخذني نحو الشعر بعيداً، وبعيداً لست حزيناً لكني لا أقرأ في وجهِ العالم ماءَ الفرحة أو بهجةَ حُلُمِ الإنسانْ! -6- ضاعَ يقيني في الخلقِ وزادَ يقيني في الخالق *** ذات مساءٍ نادانيَ الشعرُ إلى خلوتِه أنزلني كوخاً من ضوء غوايتهِ وسقاني خمرَ حروفٍ طازجةٍ وجلسنا نتجاذبُ أطرافَ حديثٍ عن سر البحر وأين تنام الأمواج وكيف تشفُّ مياهُ الكلمات وتبدو في لون سماءٍ صافيةٍ في لهوِ نساءٍ يلعبن، يعابثن الشاطئ قلت له ? للشعر -: ألم تسأم نفسَكَ يا هذا؟ نادى رملَ الليل ونجماتِ البحر وأشجانَ الغابة، ومضى كالأعمى خلف مسالك نائيةٍ ونداءِ برارٍ قاصيةٍ ونجومٍ لا لون لها لا أسماءْ. -7- ضاعَ يقيني في الخلقِ وزادَ يقيني في الخالق *** من يرعى لَهْوي من يمسح عن وجهي آثار نعاسٍ لم يبلغ حد النوم تجاعيدَ زمانٍ لم تبلغ حد الشيخوخة عشبَ سهادٍ يتمدد فوق العينين؟ سلاماً يا أجراسَ الغيبوبة لا أمطارَ شتاءٍ لا ترغب فيه الأرض ولا تشتاق إليه الريح أَمَا كان الحطّاب هناك يراجع وجه الغابة يسألها عن أشجارٍ للفأس وعن نارٍ للياقوت وذاكرة للجسد الضامر أين مضى الحطّاب وأين توارت بهجة إيقاع الفأس وأين...؟! -8- ضاعَ يقيني في الخلقِ وزاد يقيني في الخالق *** تتوارى الشمس قليلاً يمتد الغيم تمد الأرض أصابِعها تستدعي الأمطار وفي لحظاتٍ دافئة، كانت تُمطر من أيّ مكانٍ يأتي الماءُ ومن أي مكانٍ تَتَنزلُ سورتُهُ أشجاراً أنهاراً وحدائق قل لي: من نحنُ بدونِ الماء؟ وما الأرضُ وما البحر بدون الماء؟ -9- ضاعَ يقيني في الخلقِ وزادَ يقيني في الخالق *** لا أحلامَ لقلبي لا أيامَ لأحلامي باهتةٌ ساعات العمر ولولاها تلك النجمةُ ذاك الكوكبُ كنتُ نسياً لا أتذكرني فأنا الهامش وهي المتن أنا لغةٌ صامتة وهي المعنى كل الأشياء المنسية تسكنُ رأسي -10- ضاعَ يقيني في الخلقِ وزادَ يقيني في الخالق *** قلت له: سبحانكَ زيَّنْتَ الأرضَ بماءِ جمالكَ شكلّتَ اللوحات ووزَّعتَ الألوانَ وقلتَ: لينسكب البحر هنا والغيمَ هنا وكتبتَ جبالاً وحقولاً ونشرتَ الريح، وأطلقتَ سراحَ الأمطار، وفي الأفق رسمتَ سماءً ونثرتَ نجوماً وجعلتَ الشمس سراجاً سبحانك...