من أجل الانتظار انتظرتكَ طويلاً وكان لعينيّ حفيف رغبةٍ وقُبلةٍ إذ ترتعش فيّ الألوان والريشات، وكان نبيذُ قلبي نبيذ صُوّان نارُه في جوفي وجليدُه مَلْمسي. انتظرتكَ وأنا في غيمةٍ يحتضرُ فيها الماءُ والعطشُ، وكنتُ أشتعلُ بحُمرةِ بحرٍ يموتُ وفي عينيه سواد الرمال. انتظرتكَ وكانت للوقت رائحة العِنَب إذ يتلوّى في الصُدُور، وأنا في نُعاس غُرفتي تتقصّفُ فيّ الغابات، وكنتُ على طول لحظتي أتمدّدُ كمركبٍ أسْكره الحنين. انتظرتكَ وفي يدي حُزن الرماد، لا نهاية لأصابعي إذ تلامسُ الزجاج" بغنائِها البعيد كانتْ تُشتهى من دونَ أنْ تُقطفُ أو يرتعش فيها زَغب. لا لون للأزل إذ يبرقُ في نظرتي وأنا أخترقُ بصمتي الجَمَاد. الدروبُ السود يُضاء عُشبُها تحت دَعْسَتي، والمسافات يتقطّرُ دّمُها من نُقطةِ أمل. انتظرتكَ وأنا في الأقاصي من البُحيرات، بجعة هائمة بين قصب الشفاه تنحني لضوء مسائكَ، بجعة تغرفُ الأزرقَ من الكلمات لتحبّرَ فضاءَ نومكَ. انتظرتكَ ولم أسمعْ لخُطاكَ نُواحاً بين حجارةِ قلبي، ولم أسمعْ قلبي البلا خُبز يستغيث. انتظرتكَ من أجلِِ الانتظار فقط، من أجل فحمِ الأرض وجُوع السماء، من أجَل تزيين قُلوب الموتى على العَتبات، ومن أجلِ سرقةِ الوَرْد من ذاكرةِ الأيدي. انتظرتكَ ولم أكنْ أنتظركَ ولم أكنْ أعرفكَ، وكان جميلاً ألاّ تأتي فآتيكَ بقصيدة. شجرة أول الليل وآخر البحر في الليل يُشمسُ قلبي وتخضّرُ أحاسيسي في الليل أسمعُ حفيف شجرةٍ تحت عُشبي الحزين" شجرة باتتْ عظامُها قصباً لشهوةِ الريح. هنا، حيثُ كُرسيٍ وجدار تحفرُ الكلماتُ الجذع، هنا، حيث الفأس والمزمار خريفان بعنقٍ واحد، وحيث القشّ يتطايرُ من يباسِ صوتي والأوراق تتساقطُ بلهفةِ الحجارة. لكمْ جوّعتُ يدي لملاقاةِ مطرة لكمْ شربتْ مني الأرض حليبها لكمْ ترنحتْ في جسدي تماثيلُ لهب، لكنّ حناني لم يكسُ التراب فرواً، ولا دفء صوتي علّم الطير السفر أنتِ باردة أيّتها الأرض باردة حتى ولو اشتعل زيتُ بحارك في دّمِ الحجر. على عتبةِ ليل أجلسُ بين غصنين، لن يطول انتظارهما فأنا في طريقي إلى البحر عند أول الفجر سأحملُ رغباتٍ لم تعدْ في شبابها سأحملُ كتاباً وغيمة وقبعة رأس، على كتفيّ ستحني شجرةٌ ذبولها، ولن يرتعد فيّ أيّ طير إذ غير متاع الظُلمة، ما الذي يُؤخذ إلى أحشاء البحر. على بُعد شمس عينكَ ذهبٌ يا هذا وعيني يباب ابتعدْ كي تراني من عُلُوِ يومي سلسلةَ جبال حُبْلى بالبرتقال. ابتعدْ كي ترى كيف وأنا أنام يسوّدُ الكلامُ على جلدي، وكيف أحلامي تتدلى في الأُفق كالجليد من النوافذ. ابتعدْ كي ترى أنّ البحر دمعة في عين الشمس، وأنّ زُرقتي المُظلمة والبلا قرار لا كلمات ولا أيدٍ تبلغها حيّة، وأنّ العصافير التي تُخلّفها دعساتي فإنه لفرط الصمت يمتلئُ خيالي بخيالها. ابتعدْ فأنا حين أشتهي البحر كلّ شيء يغدو رمليّاً فيّ كلّ شيء إلى أن تعود إليّ كلماتي مَمْحوة. * شاعرة لبنانية مقيمة في أميركا