نظر إليّ من تحت النظارة وقال: أكتب قبلة؟! - أيوه قبلة. - قبلة... قبلة!! ضاق صدري كثيراً، قررت أن أوقف تدخله المستمر في ما أكتب. قلت وأنا أحاول أن أتكتم ضيقي: - البطل هايبوس البطلة... دي حكاية؟! أشرق وجهه بابتسامة لا تخلو من سماجة. - زي بعضه. انكب على جهاز الكومبيوتر، وراح يكتب. أكاد أشتعل من الغيظ زي بعضه التي أطلقها في وجهي على طريقته. فكرت أن أبحث عن مكتب آخر لكتابة السيناريو، وكان تشوش خطي يصدمني. - بص... لما الفيلم يخلص... اسألني على اللي إنت عايزه. - طيب... هو هايبقى فيه حاجات من دي كتير؟ - حاجات إيه؟! - يعني. اقتربت من النافذة الواطئة، ورحت أتنفس بصعوبة. - أسمعه.. أنا بقالي أكثر من أسبوع بمليك. - ما هو خط حضرتك. - زفت.. خلينا نخلص بقه. راح يكتب المشهد السابق من جديد، وهو يردد ما يقرأ بصوت مسموع، ويصفر بأنفه. - أنت بتكتب المشهد تاني ليه.! - الواحد يتأكد. - من إيه؟! - أبداً. رحت أتأمل بدانته بشيء من الغيظ رغم تعاطفي المريض مع كل إنسان بدين. ولم أستطع أن أمنع نفسي من تأمل ساعديه الضخمين، وهما يتحركان إلى أعلى وأسفل، بصورة أزعجتني. فكرت أن ذلك الصفير الخافت الذي يتسلل من أنفه.. يغير من مزاجي!! أستحضر بعض المشاهد التي تصورت أنني وصلت إلى صورتها النهائية.. أدرك الآن أن تعليقاته المستمرة وقراءتي بصوت عال، ساهما في تغيير مصير إحدى الشخصيات في النص، بصورة مشوشة، واشتعلت غيظاً: - أنت بتضرب قوي على الزراير. - أنا!! - أيوه.. عشان كده بتغلط كل شوية. - أنا بغلط؟! - بتتك قوي على الزراير. - أبداً.. ده فيه حاجات كده!! - حاجات إيه؟! - يعني. قفز إلى رأسي الذي عليّ أن أمليه عليه.. ذلك الذي يمارس فيه البطل الحب مع البطلة.. وشعرت بالاختناق. - اسمع.. امشي وبعدين بكره نكمل. - لا معلهش.. أصل.. رايح إسكندرية بعد ساعتين. قرب وجهه من وجهي هامساً: - أخويا اللي في الصالة ده. نظرت إلى الصالة، ورأيت رجلاً يصغره، له جسد مفتول وفارع. - تصدقي.. بقالنا شهرين دايخين بيه. - ... - دكاترة وبلاوي زرقا. - عيان؟ - أبداً من ساعة ما اتجوز وهو لا مؤاخذة!! - ... - مش عارف يعني.. يدخل على مراته. - ... - ولاد الحلال وصفوا لنا الشيخ محمد.. يمكن.. - ما هه أصله.. زي بعضه. التفت خلفه ونظر قليلاً إلى شقيقه، ثم راح يقرب وجهه أكثر من وجهي، هامساً بصفير. - شايفة العرق اللي في وشه؟ - ...پ - اللي عند رقبته. - ...پ - عمره ما كان بيعرق كده. - ...پ - مربوط.. والله مربوط. رجعت بظهري إلى الخلف، أفكر أن أستبدل مشهد الحب في السيناريو بمشهد آخر، يدفع البطل فيه البطلة نحو الأرض، فيرتطم رأسها بقوة، وتغيب عن الوعي، لكنني شعرت بالغضب يصعد إلى رأسي من جديد، وأنا أراقب عنق أخيه، الذي راح ينظر إلى ساعته بقلق بالغ، ثم إلى وجهي طويلاً، فاغراً فمه، كأنه يوشك أن يقول شيئاً ما. - ها يا أستاذة .. اتفضلي. - أخوك بيبوصلنا!! - لا .. هو كده.. اتفضلي. مددت عيني على المشهد بتشوش سريعاً، أفكر أن هذا الرجل الذي يجلس أمام الكومبيوتر يزعجني منذ أيام، بمشاكله التي لا يكف عن البوح بها.. وأن خطي هو السبب في ذلك. - خلص بقه يا خويا مع الست. وقف شقيقه فوق رأسه، محدقاً إلى النص بين يدي. - هو دا الفيلم! أشار لي الآخر بايماءة من وجهه إلى عنق شقيقه، وهو يقف ملتقصاً به. - عايزين نلحق الراجل. - هانلحقه. هم بالعودة إلى الصالة، ثم تراجع خطوة وهمس في أذن شقيقه. - يعني الموضوع ده هايمشي؟ - يا راجل... أمال إيه!! عاد إلى الكومبيوتر بعد أن انصرف ? وهو يحرك ذراعيه لأسفل وأعلى. - شفتي؟ رقبته ميه!! - ... - على كده - ليل نهار - - ... - بصي كده تاني. - ما أنا شفتها. - زي ما قلت لحضرتك قبل كده... ماليش غيره. نظرت إلى ساعديه الثقيلين، وهو يهم برفعهما استعداداً للكتابة. قلت: - خلينا لما ترجع. - ما نكمل. - لما ترجع أحسن. - ما الفيلم ماشي تمام. - متأكدة؟ - متأكدة. - زي بعضه. رحت ألملم الأوراق.. يطاردني صفيره المتقطع... وهو يهمس لشقيقه الذي عاد ووقف خلفي... ثم أخرج منديلاً من جيبه وشهره تحت عيني قائلاً: خد يا عم منديل آهه. التقطه منه وراح يمسح رقبته وينظر إلى أوراقي الراقدة في صدري، ولما كانت الحجرة ضيقة جداً... كان عليهما أن يفسحا لي طريقاً.. أعبره الى حيث الهواء في الخارج.پ