سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عودة إلى قصة "القائد المؤسس" للبعث... بعد رحيل صدام وخراب البصرة . بشارة مرهج : عفلق أخبرني ان الأسد ساعده في الإفلات من السجن والفرار إلى لبنان لم يكن رجل سلطة ودعا المسيحيين العرب إلى اعتبار الإسلام ثقافة لهم وحضارة 7
كان الوزير والنائب اللبناني السابق بشارة مرهج من اولئك الشبان الذين اجتذبتهم افكار ميشال عفلق. انتسب الى الحزب وشغل لاحقا موقع أمين سر القيادة القطرية. يقول مرهج إن عفلق لم يكن رجل سلطة بل رجل فكر وثقافة يفضل مناقشة الأمور في حلقات ضيقة. ويقول إن"القائد المؤسس"لم يكن مؤيدا لأسلوب الانقلاب ويعتقد انه فوجئ بالانقلاب الذي أعاد البعث الى السلطة في العراق في 17 تموز يوليو 1968 وكان يومها في البرازيل. يكشف مرهج في هذه الحلقة مسألة لافتة. يقول :"اخبرني عفلق ذات مرة ان الرئيس حافظ الاسد هو الذي ساهم في افلاته من السجن وفي افساح المجال امامه للمجيء الى لبنان... ولولا الرئيس الاسد لاعتقل". ويضيف ان عفلق كان يعبّر عن عدم رضاه عن بعض القرارات في العراق بالابتعاد مع استمراره في تحمل مسؤولية ما ينجم عن سياسات الحزب. وهنا نص الحوار: متى تعرفت على ميشال عفلق، وما كانت ظروف أول لقاء لك به؟ - في بداية الستينات، كنت طالباً في الجامعة الاميركية في بيروت، وكنت أحضر حلقات حزب البعث. وبعدما تسلَّم البعث الحكم في سورية في 8 آذار مارس 1963، زرنا الأستاذ عفلق في الشام. كان انطباعي الأول عنه انه مفكر. فقبل ذهابي لزيارته تصورت أن مؤسس حزب البعث يقطن في مكان مهيب وفي موقع حصين، وإذا بي أجده يعيش في منزل عادي يشبه بيوت جميع الناس، وفي صالون صغير بسيط. كان يتكلم ويبدو مشغول البال ومهموماً وليس راضياً تماماً عما يجري. هل احتفظت بالانطباع نفسه طيلة انتسابك إلى البعث؟ - بقيت صورة عفلق كما وجدته في أول لقاء معه ماثلة في ذهني. ولم أصدق أبداً انه شغل أي موقع سلطوي كبير. من خلال صلتي به شعرت بأنه ليس رجل سلطة بالمعنى المباشر. فهو رجل فكر وثقافة. لكن ثقافته والتزامه كانا التزاماً أخذه على نفسه. وتحوّل الالتزام إلى مواقف سياسية تركت أثرها في مجريات الأحداث. هل يسعنا القول إنه رجل حاضر البديهة وصامد؟ ما مواصفاته الشخصية؟ هل يجمع بين الذكاء الشديد وبين الإلمام بالأمور العملية؟ - كان شديد الذكاء ومحباً للحوار. وكان يتردد في اتخاذ أي قرار قبل التفكير في جميع جوانبه وقبل عرضه على الآخرين. كان يفضل الحلقات الصغيرة لبحث الأمور. وامتلك الاستعداد لقبول الرأي الآخر إذا كان هذا الرأي قوياً ومترابطاً ومقنعاً. لم يكن يصر على اتباع رأيه عند طرحه. كان حوارياً بناء. ورافقته مزاياه هذه طيلة حياته. هل لمست في شخصيته جانباً يعشق السلطة ويطمح إلى تحريك الخيوط من وراء الستار؟ - كلا. كان حريصاً على بقاء حزب البعث في مسار الاحداث، وهو يعتبر ان الحزب وجد ليؤثر في الاحداث إيجاباً. لذلك عندما كان يبتعد عن السلطة كان ابتعاده قسرياً. كان عفلق يعبر عن عدم موافقته على كثير من القرارات ويتحمل مسؤوليتها في غيابه. وكان يمارس ضغطاً على الحكام لمراجعة مواقفهم. وكان ابتعاده رسالة إلى الناس ليعرفوا انه لا يوافق السلطة على ما تفعل. وتكرر ابتعاده مراراً حتى بات ظاهرة لازمت حياته السياسية. كان يرفض التقاعد والابتعاد، ولكنه كان يعتزل ليبقى في الحزب. شاركت في مؤتمرات حزبية حضرها عفلق، ما هي هذه المؤتمرات وكيف كان يدير الشأن الحزبي؟ - شاركت في مؤتمر قومي ترأسه عفلق في العراق سنة 1970، وكان يتصرف بمنطق الأب الذي يتحمل مسؤولية الحزب بأفكاره وممارساته الصحيحة والخاطئة، وكان يدرك انه لا يستطيع الانفكاك عن الحزب، ولكنه لا يستطيع السكوت عن اخطائه. كان محباً للعراقيين ويعتبرهم قوة كبيرة للعرب. واعتبر ان الظروف التي رافقت ظروف وصول البعث إلى السلطة في العراق تعطيه فرصة للسير في برنامجه القائم على تحقيق الوحدة العربية. ومع ادراكه للنواقص والأخطاء اعتبر وصول البعث إلى السلطة فرصة للانطلاق في العمل القومي. كان حريصاً على عدم اغلاق نفسه بالسلطة ليكون في وسعه النظر في القضايا القومية والتعامل معها بايجابية. وفي الحزب تيارات مختلفة أحدها، وهو يمثل غالبية البعثيين العراقيين، يريد بناء السلطة في العراق. وتيار آخر يريد وضع الحزب في المسار الثوري العربي، ويضع في صلب نصابه القضية الفلسطينية. ففي ذلك الوقت كانت هذه القضية في ذروة توهجها. عرض في خطابه الأخير تلخيصاً لكل التيارات البعثية والاتجاهات. ولم يعتبر ان هذه التيارات متناقضة، بل ولّف في ما بينها، فهو ذهب إلى عدم جواز سجن الحزب في السلطة وعدم جواز إضاعة فرصة وصوله إلى السلطة في العراق. هل كان صدام حاضراً يوم قدم عفلق خطابه الاخير؟ - نعم كان حاضراً برتبة السيد النائب. وكذلك كان البكر. هل ظهرت بوادر علاقة خاصة بين صدام حسين وعفلق؟ - تعود العلاقة الخاصة بينهما إلى زمن بعيد وسابق على هذا اللقاء. عندما سقط حكم البعث عام 1963، عيّن عفلق"صدام"في اللجنة القيادية في العراق لإعادة بناء الحزب. وكان صدام برز في مؤتمر سابق كممثل لتيار مختلف عن التيار الذي مثله علي صالح السعدي وحازم جواد. رأى عفلق في صدام الرجل الحزبي الملتزم والهادئ والمنضبط الذي لم يسلك طريق اليسار المتطرف ولم يرض بالنظرة اليمينية التقليدية. هل صحيح ان عفلق فوجئ ب17 تموز يوليو 1968، ولم يكن على علم بالانقلاب؟ - اعتقد انه فوجئ، فهو كان في البرازيل. لا استطيع زعم انه فوجئ بشكل كامل. ويسعني تأكيد جهل عفلق بتفاصيل ترتيبات الانقلاب. اذ كان في حال نفسية رافضة لمبدأ الانقلاب العسكري. هل حصل نقاش في الحزب على أثر الانقلاب، وهل ظهر تحفظ حزبيين على ما حصل؟ - بالطبع، تحفظت أوساط حزبية عدة، ولم ير العراقيون لتحفظاتنا أي مبرر نظراً إلى عدم اراقة نقطة دم واحدة في 17 تموز و30 منه. واعتبر العراقيون عودتهم إلى السلطة استعادة لها، ولم يعتبروها انقلاباً. بعد 1968، عاد عفلق من البرازيل بعدما قصده صلاح عمر العلي وشخص آخر، وأقنعاه بالعودة. - لا أعتقد انهما أقنعاه بالعودة بل بأهمية متابعة هذا الحدث السياسي والاقتراب منه وممارسة مهماته الحزبية. واقتنع عفلق بالعودة من باب الالتزام القومي. واختار العودة إلى بيروت عوضاً عن بغداد، وفي اختياره لبيروت مغزى كبير. فهو وضع نفسه في موقع المتابع والمراقب ولم يكن في وضعية المشارك والممارس. مكث عفلق في بيروت بين 1969 و1975. هل كنت مقرباً منه في هذه الفترة؟ - نعم كنت مقرباً منه، وجمعتنا مودة كبيرة. وكنت احترمه كثيراً. وكانت لكل جلسة معه قيمة كبيرة. كانت جلساتنا تتطرق إلى الشأن السياسي ويسودها الحوار والتحليل. وكانت هذه الجلسات حافزاً على إقدامي على مطالعة كتب في التاريخ والفكر السياسي لتتسنى لي متابعة الحوار ومواكبته. وكانت هذه القراءات والجلسات تعطيني الدافع المعنوي للاستمرار في العمل الحزبي والشعبي والثقافي. فأنا تسلمت مسؤوليات متعددة في الحزب، وكنت عضواً في القيادة القطرية. فتدرجت في المواقع الحزبية إلى ان أصبحت أمين سر. من من السياسيين حظي بإعجاب عفلق وباهتمامه؟ - حظيت شخصية الرسول العربي محمد بإعجابه. كان يستعيد افكار الرسول ويستعرضها. وكانت شخصية الرسول ماثلة أمامه ورافقته طيلة حياته. والدليل على ما أقول مقالة كتبها في بداية عهده السياسي في عنوان"ذكرى الرسول العربي"أهم ما ورد فيها الجملة التالية:"كان محمد كل العرب فليكن العرب اليوم كلهم محمداً". واستعملت هذه الجملة للكلام عن عبدالناصر. فهذه الجملة استحوذت على قلوب الناس في سورية ومصر والبلدان العربية. وعلى رغم كل خلافاته مع عبدالناصر وعلى رغم الاساءات التي تعرض لها من أجهزته الأمنية، كان عفلق يُكنَّ محبة كبيرة له. على رغم كل أفكاره المثالية، كان عفلق واقعياً في حياته الشخصية والعائلية والسياسية. حاول ان يكون ايجابياً ونقدياً في تعامله مع الحوادث والمعطيات. لم يتخل عن روحه النقدية أبداً. هل افتتانه بالإسلام يصدر عن شعور الأقليات بعدم توفر حل إلا بالذوبان في الاكثرية؟ - قد يكون لموقعه الديني دور في اكتشاف عظمة الاكثرية. كان يقدر على رؤية صورة هذه الاكثرية من داخلها ومن خارجها. هل فوجئت بما أعلن بعد وفاة عفلق عن اعتناقه الإسلام؟ - كلا لم أفاجأ، فنشأة عفلق السياسية كانت في هذا المناخ، ولم يكن يعتبر نفسه خارجاً عن تيار الاسلام. وهو دعا المسيحيين العرب إلى اعتبار الاسلام ثقافة لهم وحضارة. تعرض عفلق لتيارات فكرية متعددة خلال دراسته في فرنسا. وتأثر كثيراً بالفكر التقدمي الانساني لا بالفكر التقدمي المادي. وافترق عن التفكير الشيوعي المادي وعن الفكر الديموقراطي الغربي. ويقال إنه مر في فترة شك كبير. وعندما رسخ ايمانه أعطى اولية للروح على المادة، وأولى المسألة الروحية الارجحية في التحليل وفي رؤية الامور. وقال انه اذا خُيّر بين أمة متوحدة ومتقدمة لا روح لها وبين امة منقسمة تعصف بها روح النهضة لفضَّل الثانية على الاولى. وأوصلته هذه البيئة الروحية التي أعاد اكتشافها في نفسه إلى اكتشاف المعين الروحي الهائل في الاسلام. وهو نشأ في دمشق في حي الميدان وكان الاسلام قريباً منه كبيئة وحضور. في عام 1970، جاء صدام إلى بيروت. هل كنت تحضر الجلسات التي كان يعقدها؟ - كنا في التيار الذي يدعو إلى احتضان الثورة الفلسطينية، وإلى الدفاع عنها بكل ما نملك. وكانت لنا انتقادات كبيرة على مواقف الحزب في العراق. وكنا في موقع قيادي كبير. وكانت غالبية أعضاء القيادة في لبنان تشاركنا اتجاهنا. حصلت أزمة كبيرة داخل الحزب من جراء هذا الموقف المحتضن للثورة الفلسطينية. ولم أحضر هذه الاجتماعات. ذلك لأننا كنا المشكلة التي سعت الاجتماعات إلى حلها. رافقت عفلق فترة طويلة، كيف كانت نظرته إلى ياسر عرفات؟ - كان عفلق يدعو إلى التضامن المطلق مع عرفات. وكان يتغاضى كثيراً على المآخذ التي كانت تسجلها أوساط سورية وعراقية. وكان يرى ان عرفات هو أبو الشعب الفلسطيني، وان تصحيح ما تشير اليه المآخذ يكون في مزيد من الاحتضان وليس بالهجوم عليه من الخارج. هل كان عفلق على صلة بكمال جنبلاط؟ - نعم كان على معرفة به. ولكن لم تكن صلة قوية. لم يكن عفلق مبادراً في علاقاته. كان يدرك محورية دور كمال جنبلاط في السياسة ويحضنا على الاتصال به. لم يكن ناشطاً سياسياً في لبنان بالمعنى المتعارف عليه، فهو كان على خلاف مع الحكم في سورية. هل كان يخشى مما قد يترتب على هذا الخلاف؟ وهل تعرّض لمحاولة اغتيال؟ - كان يعيش في قلق دائم. ولكنه لم يتعرض لمحاولة اغتيال. هل جرت محاولات لاصلاح الوضع بينه وبين الرئيس حافظ الأسد؟ - اخبرني ذات مرة ان الرئيس الأسد هو الذي ساهم في افلاته من السجن وفي افساح المجال أمامه للمجيء إلى لبنان. كان متخفياً قبل 1966. ولولا الرئيس الأسد لاعتقل. وكان عفلق يقدّر الرئيس الأسد. في العام 1973 شعر عفلق بودّ كبير تجاه الرئيس الأسد لاتخاذه القرار التاريخي في حرب أكتوبر. مَن مِن القادة البعثيين أحب عفلق؟ - لا أقدر أن أغوص في تفاصيل لم أكن حاضراً فيها. ولكنه كان يكنّ مودة لكمال ناصر وخالد يشمطي. لن أعدد الأسماء لأن ذكرها قد يسبب مشكلات لأصحابها الأحياء. متى كانت المرة الأخيرة التي قابلت فيها عفلق؟ - انقطعت عنه بين 1969 و1979، وقابلته مرة واحدة عام 1979 أثناء تلبيتي دعوته إلى بغداد للبحث في ميثاق العمل القومي بين سورية والعراق. لكن وصولنا إلى بغداد لم يلق ترحيباً في اوساط البعثيين. فمنذ حصول الأزمة الكبرى عام 1970، جرّدت من مسؤولياتي في الحزب. واعتبرت اعادة انتخابي في الحزب في أواخر العام 1971 تحدياً للبعثيين العراقيين. قابلت في ذلك اليوم عفلق وفهمت أموراً عدة منها بدء التوتر بين ايرانوالعراق. وكان عفلق يعتبر الثورة الإيرانية ثورة عظيمة للإسلام والعرب وفلسطين. وأكد رأيه هذا في خطابه لمناسبة 7 نيسان ابريل، وجاهر في حينه برأيه المخالف لرأي غيره في الحزب. فتجدد التواصل الفكري والسياسي بيننا. كان عفلق متحمساً جداً للتفاهم مع سورية على كل المستويات، ولم ير أي مبرر لوقف الوحدة التي يسعى إليها ميثاق العمل القومي. كانت الوحدة بالنسبة الى عفلق هي الأولوية. فالوحدة اهم من الحزب، والحزب موجود بمقدار خدمته للوحدة. وكان يدعو للوصول إلى هذه الوحدة عبر التجرد من المصالح الفئوية والشخصية والذاتية. بعد الثمانينات قابلت عفلق في باريس، وكان ضد الحرب العراقية - الإيرانية. لكن عند وقوع الحرب، اضطر إلى السكوت ورفض تأييدها. عام 1973 في ذروة الشعور بالزهو والاعتزاز بالانتصارات العربية التي حققتها الجيوش المصرية والسورية كتب عفلق رسائل إلى العراق للزج بقواته إلى جانب سورية، وبرقية إلى السادات والأسد. وقال في الرسائل إن إسرائيل في حال انكسار وتراجع وعليكم ان تحذروا لأن اسرائيل تريد الانتقام من العرب. وسألته عام 1975 عما إذا كانت الحرب اللبنانية جزءاً من الرد الإسرائيلي على حرب تشرين، فابتسم. هل كان له رأي في الحرب اللبنانية؟ - كان منفعلاً جداً وأوصانا بعدم المساهمة في هذه الحرب. وطلب منا تقديم كل التنازلات داخل الحركة الوطنية لدرء الحرب الأهلية. وأذكر قوله"مهما كان الثمن الذي ستدفعونه، عليكم تفادي الحرب الأهلية والوقوع فيها. يجب عليكم المشاركة في حصول الانفراج بين الأطراف المتنازعة، وعليكم الاتصال بجميع الأطراف ... لا يجوز أن تقع الحرب الأهلية". وكان متخوفاً من نتائج هذه الحرب. بعد بدء الحرب وتداعياتها، قررنا السفر لأن الوضع لم يعد آمناً. وهو ترك بيروت على مضض ورغماً عنه. ما كان رأي عفلق في تصفيات صدام للكوادر الحزبية عام 1979؟ - كان عفلق يتطير من التصفيات الداخلية، ويستاء من حصولها كما حصل عند اعتقال عبدالخالق السامرائي. كان معارضاً لسياسة حكام العراق التي تلحق الضرر بسمعة الحزب. كان ينفر من أي اجراء غير ديموقراطي ومن لعبة التصفيات والدم. وكانت له ملاحظات سلبية على سياسات صدام وممارساته، وكان معارضاً لعبادة الفرد. وأنا استغرب تحمله كثيراً من السياسات التي كانت قائمة في العراق. انتقد عفلق في السبعينات كثيراً من سياسات الحزب في العراق. لكن الحزب كان حزبه، أي كان في موقع والد غير راض عن سلوكيات أولاده. وعندما نوقش ميثاق العمل القومي اختلف مع العراقيين لعدم تبنيهم هذا الميثاق، وخالف العراق برفضه الحرب الايرانية - العراقية، وأيد الانفتاح الكامل على الثورة الايرانية والتفاهم معها لتغيير الوضع في المنطقة كلها. في زيارة له لفرنسا، قابل صلاح عمر العلي عفلق الذي أفضى إليه بالقول التالي:"وضعي صعب ... وصدام متعطش إلى المديح". هل كانت لعفلق شكوى من سلوك صدام الشخصي؟ وهل كان يعارض عبادة الفرد؟ - انتقد عفلق صدام قبل ذهابه إلى العراق. ولم تكن اقامته في العراق متصلة بل كانت متقطعة. وفي وسع الراغب في معرفة حال العلاقة بين صدام وعفلق ملاحظة عدد المرات التي غادر فيها بغداد. لم يكن يحبذ طريقة صدام بالحكم وبنشر تماثيله. واعتقد ان عفلق لم يكن راضياً عن اقامة تمثال له. ماذا عن قوله:"صدام هبة السماء للبعث والأمة"؟ - نعم قال هذه العبارة في خطاب له. أنا لا أسعى إلى تبرير أقوال عفلق. ولكن يجب أن نأخذ في الاعتبار ظروف قول العبارة. فالعراق كان في محنة وفي حرب ساحقة مع ايران. وبالتالي قد يكون عفلق قال هذه العبارة تحت وطأة الظروف لتوفير دعم سياسي للحكم. ولكنني لا أظن ان هذا الكلام نابع من قناعة حقيقية بل من موقف سياسي عابر. هل قابلت صدام؟ هل كان شخصية استثنائية؟ - نعم قابلته يوم كان نائباً للرئيس. كان شخصية شابة جذابة ويبحث الأمور بجدية وبواقعية. وكان عملياً وديناميكياً ويحب الانجازات. وكان يرى ان الأولوية يجب ان تكون لبناء العراق وليس لتطوير الحزب. وكانت هذه نقطة خلافنا الرئيسية معه. كنا مؤمنين بأفكار حزب البعث التي تنص على بناء الوحدة ديموقراطياً، وتؤمن بالفصل بين السلطات. ولا يقبل هذا الدستور نظام الحزب الواحد. لم نقبل ابداً تفرد الحزب بالسلطة ما سبب مشكلات بين الحزب في لبنان والحزب في العراق. وكانت لنا مشكلات قومية مع البعثيين العراقيين كالعلاقة مع الثورة الفلسطينية، والعلاقة مع سورية التي كنا نرفض ان نكون على عداوة معها. عام 1966، قصد عفلق بيروت ماراً بطرطوس وطرابلس. هل كان لك أي دور في تهريبه؟ - كلا لم يكن لي أي دور. لكنني استقبلت كمال ناصر في الجبل وراعيت وضعه بعد هروبه من سورية. وكما حصل مع عفلق، كان هروب ناصر بمعرفة الأسد. في باريس مرّ عفلق بفترة شك وصل بعدها إلى الإيمان بالله لكن بعذاب كبير. في هذه الفترة تملكته الفكرة الانسانية والإيمانية. وكان يرى في الحياة الخالية من الايمان حياة فارغة. وكان يعتبر القومية مرحلة انتقالية للوصول إلى الانسانية. ماذا شعرت يوم توفي عفلق؟ وهل اعتبرت رحيله خسارة كبيرة؟ - بالطبع، فكرت بأنه مات بعيداً عن بلده وحيّه ومنزله. وتوفي من دون أن يتحقق شيء من أحلامه السياسية أو الشخصية. كان يريد أن ينجح ميثاق العمل القومي ولم يكن يطالب بحرق المراحل. كان يدعو إلى تطبيع العلاقات بين سورية والعراق. واعتقد ان موته بعيداً من الشام حرقة في قلبه. هل شعر بالمرارة لحل الحزب أيام الوحدة؟ - كلا، لأنه اعتبر الوحدة اهم شيء، ولم يعتبر أنه أخطأ عندما حل الحزب لأن الاجهزة هي المسؤولة عن الخطأ. فهذه الاجهزة لم تفهم التضحية الكبرى، أي حل الحزب. هل استفاد عفلق مادياً من كون صدام حاكماً في العراق؟ - كلا، واعتقد ان عائلته تعاني حالياً معاناة حقيقية. عام 1970، استطعنا في لبنان بمساعدة مئات الشباب جمع مبلغ بسيط لنشتري له شقة. وعندما أردنا تسجيل الشقة باسمه أو باسم عائلته رفض رفضاً قاطعاً. ولم يكن يرضى بتقاضي أي مبلغ من المال. بعد عام 1975، لم أعد مطلعاً على تفاصيل أوضاعه. وكان موقفه من الحصول على المال من الحزب موقفاً حاسماً.